استعرض وزير المالية محمد بنشعبون مشروع القانون رقم 19-46 المتعلق بالهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، كما صادق عليه مجلس النواب في جلسته العامة المنعقدة يوم 15 مارس 2021، أمام لجنة المالية والتخطيط والتنمية الاقتصادية . وأكد الوزير أن هذا المشروع يندرج في إطار التنزيل القانوني الأمثل للصلاحيات التي خولها الدستور لهذه الهيئة؛ تفاعلا مع تنامي آفة الفساد وامتداداتها الوخيمة على مختلف مجالات الحياة العامة، واستجابةللتوجيهات الملكية السامية التي دعت، في غير ما مناسبة، إلى تخليق الحياة العامة وتعزيز النزاهة ومحاربة كل مظاهر الفساد. كما يأتي هذا المشروع، يضيف الوزير، في سياق التجاوب مع انتظارات المواطنين وتطلعاتهم إلى الاستفادة من الخدمات العمومية وفق متطلبات الشفافية والنزاهة والجودة، وبصفة أعم، توفير شروط الإنصاف والفعالية من أجلتحقيق تنمية مستدامة ومُدمِجة لجميع الطاقات، تضمن الكرامة والرفاهية للأجيال الحالية والمستقبلية. وبمقتضى الفصل 36 من دستور 2011، تَمَّ إحداث الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، والتي خَصَّها الدستور،إلى جانب هيئات ومؤسسات دستورية أخرى،بتوطيد قيم ومبادئ الحكامة الجيدة، كما حددهافي بابه الثاني عشر.وقد شكل دستور 2011 لبنة مهمة في صرح البناء الديموقراطي، بحيث أقر إصلاحات هامة من خلال التنصيص على مبادئ قوية من قبيل التخليق والشفافية والنزاهة والمساءلة والحكامة الجيدة وأوكل للهيئة الوطنية للنزاهة،بمقتضى الفصل 167، على الخصوص مهام المبادرة والتنسيق والإشراف وضمان تتبع تنفيذ سياسات محاربة الفساد، وتلقي ونشر المعلومات في هذا المجال، والمساهمة في تخليق الحياة العامة، وترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة وثقافة المرفق العام وقيم المواطنة المسؤولة. وزاد قائلا "في إطار استكمال المنظومة المؤسساتية الدستورية لهيئات الحكامة، صدر القانون رقم 113.12 الصادر بتاريخ 9 يونيو 2015، بهدف تنزيل مهام الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها،حيث تَبيَّن فيما بعد، من خلال تقييم مقتضياته، أن الاختصاصات المخولة لهذه الهيئة وآليات تفعيلها لا ترقى للتجاوب موضوعيا مع المواصفات المعيارية لمكافحة الفساد كما تضمنتها الاتفاقيات الدولية والتجارب الفضلى ذات الصلة، في مقدمتها أحكام اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد لا سيما المادتين 6 و36 منها؛ بما من شأنه أن يَكبَح قدرتها على المكافحة الناجعة لآفة الفساد. ومضى يقول "على هذا الأساس، تأكدت الحاجة الملحة إلى المراجعة العميقة للقانون رقم 113.12 السالف الذكر بل ضرورة نسخه، انطلاقا من الإرادة الملكية المعبر عنها في عدة مناسبات، وأخذا بعين الاعتبار سقف الصلاحيات التي منحها الدستور لهذه الهيئة، وترسَّخ الاقتناع بهذه المراجعة بعد صدور بلاغ الديوان الملكي بتاريخ 14 دجنبر 2018 على إثر استقبال وتعيين رئيس الهيئة، حيث جاءت مضامينه مُؤكِّدة على ضرورة التفعيل الأمثل للمهام التي أوكلها الدستور لهذه الهيئة الوطنية، خاصة ما يتعلق منها بالمبادرة والتنسيق والإشراف على تنفيذ سياسات محاربة الفساد وضمان تتبعها". تجاوبا مع هذا المنظور الدستوري، يأتي مشروع القانون46.19 ليساهم في إذكاء الدينامية المطلوبة في المجهود الوطني لمكافحة آفة الفساد،بما يجعل الهيئة الوطنية للنزاهة أمام حتمية التصريف القانوني الأمثل لصلاحياتها الدستورية، من خلال التنزيل الموضوعي للصلاحيات الأفقية على مستوى الإشراف والتنسيق وتتبع التنفيذ، والتي يحتاج تفعيلها إلى استنهاض جميع المعنيين لمواجهة مظاهر الفساد بمجهود مشترك،تتظافر فيه جهود سائر المعنيين، بما يقتضيه الأمر من تواصل وتعاون وتكامل، يضيف المسؤول الحكومي. ويستهدف هذا المشروع أيضا النهوض بإطار مؤسسي قادر على إشاعة قِيَم النزاهة والشفافية والتدبير الرشيد، ومؤهل لمواجهة التطور الكمي والنوعي لمظاهر الفساد، مع الاستئناس بالمعايير المتعارف عليها بخصوص هيئات مكافحة الفساد، خاصة ما يتعلق منها بالاستقلالية وتوسيع مجال التدخل والجمع بين الحكامة والوقاية والمكافحة. وفي هذا الاتجاه، يقول الوزير، تَبَنَّى مشروع القانون 46.19، مفهوما موسعا للفساد، ينسجم مع ما جاء به الفصل 36 من الدستور المُحدِث للهيئة الوطنية للنزاهة، كما يتجاوب مع مقتضيات الاتفاقية الأممية لمكافحة الفساد. وقد حدد هذا المشروع عدة صلاحيات لهذه الهيئة،سواء تلك المرتبطة بالاستشارة والاقتراح والإشراف والتنسيق وتقييمالسياسات العمومية المتعلقة بالوقاية من الفساد ومكافحته، أو صلاحياتها المتعلقة بتلقي ومعالجة الشكايات والتبليغات والتصدي التلقائي والتحري بشأن ملفات الفساد وتحويلها إلى قضايا قادرة على أن تَأخذ طريقها نحو سُلطات المتابعة الجنائية أو التأديبية، بما سيمكن هذه الهيئة من تَصْريف الصلاحيات الأفقية والعمودية المخولة لها بمقتضى الدستور، بحسب المسؤول نفسه. ويتضمن هذا المشروعأربعا وخمسين (54) مادة موزعة على سبعة(7) أبواب، إذ يَعْرِض الباب الأول الأحكام التمهيدية العامة المتعلقة بمهام الهيئة، وكيفيات تأليفها وتنظيمها وقواعد سيرها وحالات التنافي، وكذا وضعيتها القانونية، كما يقدم تعريفا للفساد تم توسيع مفهومه ليشمل الجرائم المنصوص عليها في التشريع الجنائي وكذا الجرائم المنصوص عليها بموجب تشريعات خاصة، باستعمال صياغة تشريعية تسمح باستيعاب ما قد يُجَرِّمُه المُشَرِّع مستقبلا من أفعال. كما أصبح مفهوم الفساد يَشْمَل أيضا المخالفات الإدارية والمالية المنصوص عليها في الفصل 36 من الدستور، والتي تشكل سلوكات تتسم بالانحراف وعدم حماية المصالح العامة، وتناقض القواعد المهنية، ومبادئ الحكامة وقيم الشفافية والنزاهة. وخصص الباب الثاني مهام الهيئة ويتضمن أربع مواد،تتمحور حول مهام الهيئة في مجال نشر قيم النزاهة والوقاية من الفساد والإسهام في مكافحته، وعلاقة الهيئة بالحكومة والبرلمان وعلاقتها بالقضايا المعروضة على القضاء أو تلك التي تشكل موضوع أبحاث تمهيدية. فعلى مستوى مهام الهيئة، وَسَّع هذا المشروع مجالات تدخل الهيئة حيث أصبحت تمارس مجموعة من الاختصاصات على مستوى نشر قيم النزاهة والوقاية من الفساد، من قبيل الاستشارة والاقتراح والإشراف والتنسيق وإبداء الرأي والمساهمة في تقييم السياسات العمومية المتعلقة بمجال الوقاية من الفساد ومكافحته؛ بالإضافة إلى اختصاصات جديدة على مستوى الإسهام في مكافحة الفساد إلى جانب باقي السلطات والهيئات الأخرى المعنية، تتمثل في تلقي ومعالجة الشكايات والتبليغات والتحري بشأنها وإنجاز التحقيقات الإدارية وكذا التصدي التلقائي لأفعال الفساد وتحويلها إلى قضايا قادرة على أن تأخذ طريقها نحو سلطات المتابعة الجنائية أو التأديبية. كما سَيُصْبِح بإمكان الهيئة، بمقتضى هذا المشروع، القيام بالتصدي التلقائي للفساد وفق نفس الإجراءات المتبعة في حالتي التبليغ والشكاية، والقيام بالتحقيقات الإدارية بناء على طلب من السلطات العمومية، عندما يتعلق الأمر بوقائع تتضمن شُبهة فساد، ويتم هذا التحقيق بصفة منفردة أو مشتركة مع أي جهة مختصة أخرى، وذلك بالنظر لما تتمتع به الهيئة من استقلالية. ويتطرق مشروع القانون في بابه الثالث لمكونات أجهزة الهيئة وهي مجلس الهيئة ورئيس الهيئة واللجان الدائمة ومرصد الهيئة، فبالإضافة إلى المقتضيات المتعلقةبكيفيات التعيين، وحالات التنافي وفقدان العضوية والاختصاصات وكيفيات سير أشغال المجلس، أَدْخَل مشروع القانون مجموعة من الاختصاصات المنوطة بأجهزة الهيئة، من أبرزهااعتماد مأمورين محلفين وإلزامهمبمجموعة من الضوابط المهنية، أهمها الحياد والسرية والانضباط للمساطر الخاصة بعملهم والقوانين الجاري بها العمل، إحداث لجنة دائمة لدى مجلس الهيئة تتكون من الرئيس وثلاثة نواب له، معينين من قبل مجلسها، تُكَلَّفُ بدراسة ملفات القضايا المتعلقة بحالات الفساد المعروضة عليها من قبل الرئيس، في ضوء المحاضر المنجزة بشأنها والوثائق والمستندات والمعلومات ذات الصلة، واتخاذ القرارات المتعلقة بها باسم المجلس. وفي نفس السياق، خَوَّل مشروع هذا القانون لرئيس الهيئة كل الآليات اللازمة لتمكين الهيئة من ممارسة اختصاصاتها، كما هو الشأن بالنسبة لصلاحيات الرئيس في إعداد جميع المشاريع المزمع عرضها على مجلس الهيئة قصد المصادقة. لقد تضمن مشروع القانون، بحسب بنشعبون، أيضا في بابه الرابع المقتضيات المتعلقة بكيفيات تلقي التبليغات والشكايات والمعلومات والقيام بإجراءات البحث والتحري، حيث عمل المشروع على تحصين مهام المأمورين من خلال منحهم مجموعة من الضمانات التي تُسَهِّل قيامهم بمهام الأبحاث والتحريات، بالإضافة إلى إمكانية الولوج إلى مقرات أشخاص القانون العام، بعد إشعار الرؤساء والمسؤولين المعنيين، وكذا المقرات المهنية والاجتماعية للأشخاص الخاضعين للقانون الخاص. وفي هذه الحالة أَلْزَم مشروع هذا القانون مشاركة ضباط الشرطة القضائية مع التقيد بمقتضيات قانون المسطرة الجنائية في هذا المجال، وفق الضوابط والإجراءات المنصوص عليها في التشريع الجاري به العمل، كما يمكن للهيئة أن تلتمس من النيابة العامة تسخير القوة العمومية لمؤازرة مأموريها. وبغرض تمكين الهيئة من مواكبة قضايا الفساد المعروضة على القضاء، خَوَّلَ لها المشروع إمكانية الانتصاب كمطالبة بالحق المدني في القضايا المتعلقة بالفساد المعروضة على القضاء، وذلك في حالة عدم تقديم الوكيل القضائي للمملكة لمطالبه المدنية نيابة عن الدولة داخل أجل ثلاثة أشهر. وتعتبر المقتضيات المتعلقة بهذه المطالبة مُكَمِّلَة لما هو منصوص عليه في قانون المسطرة الجنائية توخيا للفعالية والنجاعة في عمل مؤسسات الدولة. وبالنسبة للتنظيم الإداري والمالي،حددالباب الخامسمن هذا المشروعموارد ونفقات الهيئة والقواعد المُحاسباتية التي تخضع لها وسلطات المراقبة المالية. كما تطرق البابان السادس والسابع للأحكام الختامية والانتقالية المتعلقة أساسا بواجبات الرئيس والأعضاء والأمين العام والمأمورين وحالات تنازع المصالح، وتعويضات نواب الرئيس وباقي الأعضاء، وكيفية تقديم التقرير السنوي ونشر الآراء التي تدلي بها الهيئة والدراسات والتقارير التي تنجزها، وأحكام متعلقة بالانتقال من النظام الحاليللهيئة المركزية للوقاية من الرشوة إلى النظام الجديد للهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها.