شكل القرار الذي أعلنت عنه الدولة المغربية يوم أمس الإثنين فاتح مارس، والمتعلق بقطع المغرب للعلاقات الديبلوماسية مع ألمانية مفاجأة كبيرة في الساحة السياسية المغربية، خصوصا في ظل غموض الأسباب الحقيقية وراء هذا القرار. هذا الغموض جعل العديد من المحليلن يتكهنون بالأسباب التي دفعت المغرب إلى نهج هذا القرار، أمام غياب أي توضيح رسمي، من وزارة الخارجية المغربية، ما عدى المراسلة الموجهة للحكومة من طرف ناصر بوريطة، والذي برر من خلالها هذا القرار بما وصفه ب" سوء التفاهم العميق". فهناك من المحليلين من ذهب إلى أن هذا القرار جراء نتيجة موقف ألمانيا الإقصائي للمغرب في الملف الليبي، وهناك من اعتبر أن رفع علم الجمهورية الصحراوية الوهمية في برلين بمناسبة الذكرى ال45 لتأسيس هذا الكيان الوهمي هو من دفع المغرب إلى إتخاذ هذا الإجراء، فيما رجح البعض أن خلفيات القرار نابعة من ضبط جواسيس ألمان بالمغرب، والتراكمات التي خلفتها المواقف العدائية للدولة الألمانية تجاه القضايا السيادية للمغرب. في هذا الصدد، قال الباحث في العلاقات الدولية، كريم عايش، إن "اقدام المغرب على توقيف كل أشكال الإتصال مع السفارة الألمانية خطوة دبلوماسية جديدة في تاريخ العلاقات الدولية بين المغرب والدول الأجنبية، فالمغرب لم يستدع السفير الألماني ولم يصدر بلاغا ضد الحكومة الألمانية أو المستشارية". وضاف عايش في تصريح ل"فبراير"، أنه "لم يكن البلاغ الاخير واضحا حول الاسباب المؤدية لهذه الخطوة مما فتح الباب حول العديد من التكهنات، ربما لعلها تفسر سبب إعلان القطيعة من الدرجة الثالثة إذا جاز لنا التصنيف"، مشيرا إلى أنه "مهما يكن الأمر فهناك معطيات واضحة لا تقبل مجالا للشك حول وجود عناصر مقنعة ودامغة تؤيد حق المغرب في اتخاذ شكل احتجاجي لإيصال الرسالة لسلطات برلين". الباحث في العلاقات الدولية، شدد على أن "الدبلوماسية الألمانية وفي تجاوز واضح ومفضوح لدور المغرب التطوعي لحل الأزمة في ليبيا، همشته واختارت الإرتكاز على حليفتها الجزائر بخصوص ترتيب قمة برلين لحل الأزمة الليبية، والتي حاولت تجاوز الرباط وباريس وروما لفرض أجندات خارجية لا علاقة لها بإتفاق الصخيرات، إضافة إلى ذلك الحرية التي تتحرك بها المنظمات الداعمة للبوليساريو وغياب موقف وطني ألماني موحد على مستوى المؤسسات من قضية الوحدة الترابية للمغرب". وشدد كريم عايش، على أنه "يعاب على الأوساط السياسية الألمانية اليسارية والإيكولوجية، تبني أطروحات البوليساريو وإغفال كل ما ترتكبه من جرائم وإرهاب في المنطقة، وهو ما يعزز شبهة انتشار البيترودولار الجزائري وسط الساحة السياسية الألمانية والتي يعتبر جزء منها سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية (احتلال)". وأشار عايش إلى أن هذا "الطرح يعزز سبب القطيعة الدبلوماسية المخفظة مع ألمانيا"، مبرزا أن "برلين تتبنى الأطروحات الإنفصالية، وتدعم عبر قناتها "دوتش فيلي" كل الأكاذيب والمزاعم الوهمية التي تسوقها البوليساريو حتى وصلت بها الوقاحة إلى اختلاق أكاذيب حول المؤسسة الملكية في برنامج جعفر تالك". أما فيما يتعلق بشق توقف التعامل مع المنظمات الالمانية المانحة، شدد عايش على أنه "سبق وأن تم التنبيه إلى إزدواجية مواقف هذه المنظمات ومنها فريديريش نيومان التي يوجد مقرها الجهوري بالقاهرة، والتي تتبى مواقف سياسية معادية للمغرب بإعتماد خريطة مبتورة للمغرب في كل المناسبات، و أيضا دعم التوصيات والمقررات التي تهاجم المغرب لصالح الأطروحات المعادية". وأبرز عايش، من جهة نظره أن هذا "يبعد شبه التجسس التي حاول البعض وضعها كفرضية، فأجهزة الاستخبارات المغربية مشهود لها بالإستباقية والكفاءة والحنكة العالية، ولن يخفى عليها أنشطة المنظمات الغير حكومية الأجنبية، كما أن هذه المنظمات تشتغل مع الجامعات والأحزاب السياسية والدوائر الحكومية في أنشطة علمية وأكاديمية ودراسية، والعديد من كوادر وأطر الاحزاب المغربية استفادت من تمويلات لأنشطة وإجتماعات خارج أرض الوطن، لدى تبقى فرضية الإختلاف العميق حول تبني موقف واضح ورسمي بعيدا عن منطق الدسائس والمؤامرات والغموض". وختم عايش كلامه قائلا "المغرب يدرك أن ألمانيا من الدول القوية والحاضرة دوليا لكنها متخبطة سياسيا، وهو ما نبهت إليه الإدارات الأمريكية المتعاقبة حول صفقاتها مع روسيا من خلال بناء أنبوب نورستريم وفضيحة التجسس الأمريكي حول ألمانيا وما إلى ذلك من المشاكل الدبلوماسية التي طبعت العلاقات الألمانية الدولية"، مشدد على أن "المغرب يدرك تماما أنه بهذا التصرف يرسل انذارا كي تتحرك الدبلوماسية الألمانية وتبدأ سلسلة اجتماعات للوصول إلى تفاهمات حول القضايا ذات الاهتمام المشترك". يشار إلى أن وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، في حوار خص به وكالة أوروبا، كان قد أكد على أنه يتعين على أوروبا، في علاقتها مع دول الجوار الجنوبي للحوض المتوسطي، الخروج من منطق الأستاذ والتلميذ.