مدينة بركان، أو المدينة المضطهدة، اضطهاد مزدوج تعيشه عاصمة البرتقال، الأول من لدن الساهرين على تسييرها، والثاني من أفراد جعلوا من مسقط رأسهم مكان لصلة الرحم، وكأن المدينة تحولت لدار عبادة يتقربون فيها إلى الله. لنمعن أكثر في القول الأخير، مدينة بركان أنجبت خيرة شباب هذا الوطن وفي شتى مجالات الحياة، بالمغرب وخارجه، لكن فضلوا الغربة والامعان في اقصاء المدينة على النهوض بها. رجل كان استثنائيا، في سرب المهمشين لأصلهم، القاص والروائي محمد العتروس، جرب المهجر وذاق ويلاته، لكن الحنين إلى تربة الوطن جعلته يعجل بعودته، ليرسم بذلك اشعاعا له ولمدينته، وطنيا وجهويا. بكتاباته الرزينة وبابتسامته المعهودة، استطاع العتروس وزملائه، أن ينيروا عاصمة البرتقال أدبا. في هذا الحوار، تستضيف « فبراير » محمد العتروس، للبحث في بعض الإشكالات التي تعاني منها المدينة في المستوى الثقافي، ولنقرب الجمهور أكثر لنجم سطع وسط الظلمات. * مرحبا الأستاذ العتروس…أي جنس أدبي يجد القاص محمد العتروس فيه نفسه أكثر؟ في البداية شكرا لموقع « فبراير » على هذه الاستضافة…علاقة بسؤالكم فإنني أكتب القصة كما أكتب القصيدة كما أكتب الرواية. ولكني قد أجد نفسي في القصة القصيرة بشكل من الأشكال أكثر مما أجدها في النص السردي الطويل، وذلك لأن لي معها تاريخا طويلا ولي معها كذلك محبة خاصة في القلب. * يبدو العنوان شيئا ما لافتا في أعمالك. كيف تختار عناوين أعمالك؟ العناوين تختار نفسها في الكثير من الأحيان. العناوين تأتي انطلاقا من النصوص، وكذلك انطلاقا من رؤية المجموعة. في بعض الأحيان تأتي عبارة عن جزء لقصة معينة، وفي بعض الأحيان، لا وجود للعنوان داخل المجموعة، أي أنه لا يأخذ عنوانا لنص معين من داخل المجموعة، ولكن العنوان يعتبر رابط أو الخيط الخفي الذي يربط بين مجموعة من النصوص سواء على المستوى الفني أو سواء على المستوى المضموني أو الرؤيا الجمالية. * هل يمكن لك أن تقرب قراءك من مطبخك السردي؟ أحسنت القول بالنسبة للمطبخ السردي، ربما لأن الإبداع هو مطبخ، ومطبخ خاص جدا للكاتب حيث يتعامل فيه بمقادير معينة لكي يعطيك نكهة خاصة به كما البصمات. فبصمات الانسان تختلف من شخص لآخر ولا تجد البصمة نفسها لنفس الشخص وكذلك النكهة، كما نقول الطبخة التي تعدها لك أمك، لن تجدها عند أي شخص آخر سواء كانت زوجتك، أو شاف أو طباخ ماهر، هنا الخصوصية، خصوصية الإبداع. بالنسبة لمطبخي السردي، أحاول أن أخذ من مجموعة من القراءات وهاته القراءات تعطيني شخصيتي بالإضافة إلى الذات، أي أنني آخذ من المقروء وآخذ من التجربة الشخصية الذاتية لكي أنتج نصا تكون له خصوصية. -هل تعتبر أن النظرة إلى المجتمع من الداخل أقسى وأمر من النظرة إليه من الخارج؟ أحلاهما مر. ولكن الأقصى والأقسى هو نظرتنا إلى الذات. النظرة إلى الذات دائما حينما تكون بأثر رجعي فقد تكون مؤلمة جدا. بالنسبة لي على مستوى الكتابة، حاولت أن أعبر عن الذات أولا، حاولت أن أعبر عن الآخر، حاولت أن أعبر عن المجتمع من خلال إلتقاطات، ربما تكون اجتماعية في تمظهرات خاصة، ربما تكون اقتصادية، ربما تكون سياسية ولكن برؤية فنية معينة. هاته التركيبة هي التي أحاول أن أشتغل عليها لكي أنتج نصا جميلا. الكاتب ليس هو المسيح الذي ننتظر منه أن يخرج هذا العالم من الركود ومن الفساد، ولكن الكاتب هو الذي يحاول أن يؤشر على مواقع هذا الجرح وأن يحرك في القارئ وفي المجتمع الرغبة في التغيير. * كيف تنظر إلى مسألة الجمال الإبداعي والأدبي؟ لا يمكن لا أن نتصور كاتبا دون بعد سياسي أو بعد اجتماعي، ولكن الذي أرفضه شخصيا هو طغيان الطابع الأيديولوجي على الكتابة الإبداعية الفنية. الكتابة الإبداعية شيء والمقال السياسي والمقال الأيديولوجي شيء آخر، إذن يجب أن نضع فرقا. وكذلك أن لا نخون السياسي أو لا نخون الكاتب الناقد الاجتماعي، ولكن حينما نكون في مجال الأدب والابداع، فيجب أن نكون مخلصين له ويجب أن نغلب الجانب الفني والجانب الجمالي على الجوانب الأخرى، وهذا كان مشكلا لمغرب الستينات والسبعينات، حيث كان يطغى البعد الأيديولوجي على البعد الفني الأدبي وبذلك أقصينا مجموعة من الكتاب لاختلافنا معهم على مستوى النظرة الاجتماعية والنظرة السياسية والنظرة الأيديولوجية. اسم كعبدالكريم غلاب مثلا، كاتب كبير ولكن النقد المغربي الأيديولوجي لم ينصفه في تلك المرحلة، الآن نعرف بأننا فقدنا اسما كبيرا في قيمة عبد الكريم غلاب الذي هو في قيمة نجيب محفوظ أو يوسف ادريس أو غيرهم من الكتاب المشارقة. لهذا نجد أننا في المغرب نقتل آباءنا بمحاولة التعتيم عليهم أو بمحاولة ممارسة نقد أيديولوجي خاص. * الفضاءات متنوعة في أعمالك. كيف تختار فضاءاتك؟ بالنسبة لكتاباتي في نصوصي القصصية وفي نصي الروائي الوحيد الذي هو أوراق الرماد تتجاذبه مجموعة من الفضاءات، فضاءات واقعية في أحايين كثيرة وفضاءات متخيلة وكذلك فضاءات توهم بالواقعية. الإيهام بالواقع عندي لعبة، هاته اللعبة أحاول أن أشتغل عليها كما أحاول أن أشتغل على لعبة اللغة وكما أحاول أن أشتغل على الخيال. كتاباتي يتقاسمها فضائين بالخصوص، فضاء الوطن وفضاء الغربة، فضاء بركان وفضاء باريس، فضاء الحي وفضاء المدينة، فضاء البيت وفضاء الغرفة. إذن هي فضاءات مغلقة، فضاءات مفتوحة ومشرعة على آفاق متعددة. باريس تحضر عندي كفضاء للآخر، ولكن هذا الفضاء للآخر انطلاقا منه ومن وعيي به واحتكاكي به استطعت أن أنفتح على الذات وأن أعود إلى الذات. لم أعي ذاتي كمغربي وككاتب وكمحمد العتروس إلا من خلال انفتاحي ومعرفتي بالآخر الذي هو الأوروبي والانسان الغربي. لم أعي حجم مأساتي كمواطن مغربي إلا بوعيي بحجم مأساتي كمغترب في فرنسا. وكذلك فضاءات بركان لم أعيها إلا بعد أن استذكرتها وأعدت إنتاجها من جديد انطلاقا من شوارع مدينة بركان انطلاقا من سينيماءاتها انطلاقا من الكوميسارية التي حاولت أن أسترجع من خلال رواية أوراق الرماد طريقة تعامل الإدارة المغربية مع المواطن المغربي وما إلى ذلك. * حققت تراكما كبيرا في مجاميعك القصصية. ماذا يضيف هذا التراكم للقصة المغربية؟ بكل تواضع، مجاميعي القصصية، كلها، حاولت أن أقول شيئا، شيئا ما، أنا نفسي حينما بدأت الكتابة لم أكن أعيي هذا الشيء، ربما يأتي معي هذا الشيء انطلاقا من الخارج، هو شيء لا شعوري أحاول أن أنقله للآخر، ولكن الإضافة التي يمكن أن أقدمها للقصة المغربية أراها انطلاقا مما سأحاول أن أقدمه لقصتي الخاصة، أي ألا أشبه ذاتي وألا أشبه قصتي التي تسبق. لهذا أحاول دائما الاشتغال من الداخل، الاشتغال من داخل قصتي نفسها، أي أن مجموعة هذا القادم التي بدأت بها سنة 1994 رهاني هو ألا تشبهها مجموعة الشجرة العمياء، كذلك الشجرة العمياء لا يمكن أن تشبه مجموعة ماروكان، لأن لكل تجربة تجربتها الخاصة ودينامية اشتغالها الخاصة والداخلية. * يتوزع وقتك بين العمل الجمعوي والعمل الإبداعي. هل أثر العمل الجمعوي على الإبداعي في كتاباتك؟ هو بطبيعة الحال، لأن العمل الجمعوي هو عمل تطوعي. إذن العمل التطوعي له أهداف. حينما نكون في مدينة ظلمتها الجغرافية جاءت في أقصى الوطن ومغلقة الحدود مع الجيران ولا آفاق لها إذن يجب أن ننتج فلسفة أخرى لتصريف طاقات مبدعة للآخر والآخر هنا هو المغربي/ المركز. انطلاقا من هاته الرؤية يجب أن نضحي وأول من يضحي هو المثقف، التضحية بالوقت، التضحية بالجهد، التضحية بالمال والتضحية بالعلاقات كذلك. الابداع بشكل عام حينما تجعل منه مقيدا بعمل تطوعي أو بعمل جمعوي سيؤثر عليه هذا العمل الجمعوي، من ناحية الانتاج، من ناحية التركيز، من ناحية القيمة كذلك، من ناحية المقروء كذلك لأن الكتابة هي أولا تفرغ، تفرغ للقراءة أولا وبعد ذلك تفرغ للكتابة. هذا الوقت قد لا أجده أثناء اشتغالي في العمل الجمعوي ولكن في نفس الوقت أجد أن هذا العمل الذي قدمته لهاته المدينة ينتج مبدعين شباب، ينتج ملتقيات، ينتج تسويق لهذه المدينة ثقافيا على المستوى الوطني والعربي، إذن لم يذهب هذا الجهد سدى. * كيف استطاع العتروس أن ينطلق من مدينة « مهمشة » ليبسط اسمه في الساحة الثقافية المغربية؟ بالنسبة لتجربتي، تجربة خاصة، حيث انه في بداية وأواسط الثمانينات لم تكن لدينا في مدينة بركان إلا مكتبة واحدة وهذا كان مسألة مؤثرة جدا في انفتاحنا على الآخر. الجرائد كانت تصل الساعة الثانية بعد الزوال وفي بعض الأحيان الجرائد تأتي يوما بعد صدورها والمجلات كذلك. إذن هذا التهميش أنتج مواجهة، أنتج صداما وأنتج كذلك رغبة في الرقي بهذا الابداع. حينها كنا نحاول أن نراسل جرائد ذلك الوقت لكي ينشروا لنا قصصنا وأشعارنا ولكن تلك الجرائد كانت تمارس علينا الاقصاء بحكم تواجدنا في الجغرافيا المكلومة كما قلت. إذن هذا الاقصاء أدى بنا إلى الانفتاح على أوروبا والانفتاح على البلدان الشرقية، يعني العالم العربي الآخر فجئناهم من حيث لم ينتظروا وإثبات أسمائنا أتت من خلال إثباتنا في العالم العربي وفي المجلات والمنابر المهجرية بالأساس. * ما العلاقة بين المطالعة والكتابة؟ هي علاقة وطيدة، لا يمكن أن نكتب إن لم نقرأ. لماذا؟ اللغة من أين نأتي بها؟ أولا من المقروء والمحفوظ. إذن إذا لم يكن لك مقروءا جيدا وجميلا فلن يكون لك كتابة جيدة وجميلة. لن تكون لك لغة جميلة. إذا لم تقرأ مثلا القواعد والإملاء والنحو وما إلى ذلك، فلن يكون لك لغة صحيحة وصائبة. إذن من هنا تأتي وكذلك المعرفة. المعرفة تنتج انطلاقا من الكتب. الكتب هي المصدر الأساس للمعرفة، لكن الكتابة الإبداعية لديها مصدر آخر. ما هو هذا المصدر؟ هذا المصدر هو التجربة الإنسانية والحياتية التي يعيشها المبدع. لا يمكن أن تكون كتابة ناجحة وجيدة، إذا لم يتوفر فيها هذان الشرطان، شرط المقروئية الجيدة وشرط التجربة الحياتية الغنية. * هل تؤثر الموهبة في مسار الكاتب والمبدع؟ فعلا الموهبة ضرورية ولكن محمود عباس العقاد دخل المدرسة ولم يتمم دراسته بعد الشهادة الابتدائية وما أدراك ما الشهادة الابتدائية في الثلاثينات والعشرينات وإنما عباس محمود العقاد هو موسوعة لديه مقروء ومخزون وتجربة حياتية كبيرة وغنية جدا. إذن الموهبة ضرورية ولكن يجب أن تصقل بالقراءة، ولا نقصد بالقراءة هو المستوى الأكاديمي، لدينا العديد من الدكاترة ومن خريجي الجامعات ولكنهم غير منتجين، أغلبهم غير منتجين والدليل هو ما ينتجه أساتذة الجامعة سنويا مخزي ومشاركاتهم في المجلات والبحوث العلمية المحكمة مخجل جدا. * هل تساهم المقررات الدراسية بالمغرب في انتاج مبدعين؟ لا أظن ذلك. لدينا في المغرب مشكل المنظومة التربوية. مشكل التعليم هو مشكل عميق ومشكل بنيوي يجب أن نجد له حلا جذريا. فالمسؤولين لا يبحثون عن الحلول الحقيقية. المشكل ليس في المناهج فقط بل في المنظومة ككل. حينما نقترح التعليم التعاقدي فهنا أزمة، أي أننا لن ننتج تلميذا إلا تلميذا متعاقدا معك. هذه هي الإشكالية بالنسبة للتعليم، فما بالك بالمسألة التي هي جزئية والتي هي الإبداعية في التعليم أو الابداع الموازي، لأنه شكل من أشكال الأنشطة الموازية. هاته الأنشطة الموازية يقوم بها بعض الأساتذة الغيورين بدعم من بعض الكتاب أو بعض المبدعين أو بعض الجمعيات. * قدوتك في كتابة القصة؟ ليس لدي قدوة معينة، ولكن لدي آباء متعددين. أول أب وهو والدتي في الحكي حينما كانت تحكي لي حكايا الشعبية والأحجية فهي إذن من ساعدتني على أن أطور وأن تحرك في المخيلة بالعوالم العجائبية بالشخصيات الفنطستيكية بتطور الأحداث بالتتبع المنطقي لهاته الأشياء. ثانيا هناك كتاب عديدون عرب وأجانب من بينهم نذكر بورخيص، عبدالفتاح كيليطو، أحمد بوزفور، عبدالجبار اسحيمي، محمد زفزاف، يوسف ادريس، زكريا تامر… يعني هناك أسماء متعددة في الكتابة. * ما هي المرجعية التي كانت مؤسسة في تصورك الإبداعي؟ هناك كتب عديدة وهناك نصوص عديدة. وقد أصبت حين قلت الكتب ولم تقل الأسماء، لأن في بعض الأحيان يعجبك كاتب في نص ما ولا يعجبك في نص آخر. من بين النصوص المؤثرة في تجربتي أذكر مثلا النمور في اليوم العاشر لزكريا تامر، بيت من لحم ليوسف ادريس، الغابر الظاهر والوح المحفوظ لأحمد بوزفور، الأوتوروت لمصطفى المسناوي، اشتباكات لأمين الخمليشي ولا ننسى نجيب محفوظ في ثلاثيته، لا أنسى صنع الله إبراهيم حادث النصف متر لصبري موسى. عدد كبير من النصوص التي أثرت في بشكل أو بآخر. ولكن هاته النصوص نحاول نحن ككتاب أن نستشفها جميعا لننتج نصا يمكن أن نجد فيه بصمة من بصماتنا وتجربة من تجاربنا يمكن أ، تصمد كما صمدت هذه النصوص. * ما سر استلهام الكتاب من أبناء جيلك من الشرق؟ ربما لا أظن ذلك إذا كنا نتحدث عن القصة بشكل خاص. فالقصة المغربية منذ تأسيسها عرفت هذا البعد، الانفتاح على الغرب والانفتاح على الشرق. يعني هناك مصدرين. وهذين المصدرين لم يكن الكتاب ليستشفوا منهما إلا ليبدعوا قصة مغربية. بمعنى أنك حينما تقرأ القصة المغربية تجد فيها اللغة المغربية أو الخصوصية المغربية وهنا أتحدث عن القصة المغربية في أجمل نماذجها مثلا عبدالجبار اسحيمي، ادريس الخوري، ادريس الصغير، أحمد بوزفور وما إلى ذلك. هؤلاء القصاصون حاولوا أن يؤسسوا لمغربة القصة القصيرة المغربية انطلاقا من اللغة انطلاقا من الفضاءات انطلاقا من الحكايا التي لا تجدها في المشرق وانطلاقا من الروح، تجد روحا مغربية في تلك النصوص. إذن القصة المغربية عرفت خصوصيتها. ربما الرواية أخذت منحى آخر بالتأثر بالنماذج المشرقية أكثر ولكن القصة أخذت حتى من النماذج الغربية فنحن لدينا مختبر للقصة القصيرة مثلا مجموعة البحث في القصة القصيرة فهي التي عرفت العالم العربي بأهم نماذج القصة البرتغالية أو القصة الأمريكولاتينة والقصة الاسبانية. * ما سبب خفوت الاشعاع الثقافي بمدينة بركان؟ للساحة الثقافية بمدينة بركان وإقليم بركان على وجه الخصوص أريد أن أشير إلى نوع من « ستاتيستيك » بالنسبة للإنتاجات الأدبية. من سنة 1977 أول كتاب ابداعي يصدر بإقليم بركان وهو كتاب للسي عبد الكريم برشيد إلى 2012 صدر مائة وكتابين (102 كتب) إذن هذه الحصيلة كانت قليلة بالنسبة لمدينة بركان أو لإقليم بركان ولكنها في نفس الوقت هي كبيرة بالنسبة للنسمة السكانية في هذا الإقليم. بعد 2012 تسارع الإنتاج في هذا الإقليم. إذن لم يكن هناك خفوتا في الإصدارات ولكن هناك تدني في قيمة هذه الإصدارات. حينما كنا نصدر في سنة 1977 ديوان لعبد الرحمان بوعلي ومسرحية لعبد الكريم برشيد فهذا الديوان هو وطني وهذه المسرحية هي إضافة للمسرح العربي، ولكن حاليا نجد العديد من الانتاجات هي دون المستوى، هذا لا ينفي أن هناك إنتاجات أخرى في مستوى عال. * من كان وراء بروز العديد من الشباب المبدع بمدينة بركان؟ الجهد تتقاسمه العديد من الجهات. أولا هؤلاء الشباب في ذاتهم لديهم مواهب لو لم تكن لديهم مواهب واستعداد لما أصبحوا مبدعين كبار. ثانيا جهد من طرف بعض الأساتذة من داخل المؤسسات التعليمية ونحن لا ننفي ذلك، فإذا ذكرنا جهد الأساتذة فإننا نذكر أولا جهد الأستاذ محمد الكاوط وكذلك بعض المبدعين بالإضافة إلى جمعية كان لها السبق في الانفتاح على هؤلاء الشباب ثم بعد ذلك حينما انحلت هذه الجمعية وتحول إلى جمعية الشرق للتنمية والتواصل التي حاولت أن تنظم ملتقيات وطنية للشباب وتعطي الأسبقية لشباب الإقليم وكذلك بإصدار منتوجاتهم وابداعاتهم في كتب وباحتكاكهم مع كتاب كبار من مختلف الوطن. وهذا ما جعلنا نسوق هذه التجربة الشبابية إلى المغرب وإلى الوطن العربي كذلك فبعضهم فاز بجوائز عربية وبعضهم فاز بجوائز وطنية معروفة في ملتقيات كملتقى زاكورة للسينما سيناريو، ملتقى زاكورة للقصة القصيرة التي فاز فيها شاب من شبابنا، ملتقى طنجة وما إلى ذلك. إذن هي تجربة يتشارك فيها العديد من الأفراد والعديد من الجهات لتنتج هاته النتائج المعتبرة والتي نحن نفتخر بها كمدينة بركان لأننا نعتبر من الأوائل الذين انفتحوا على الشباب بهذا الشكل الإستراتيجي برؤية معينة واستراتيجية معينة تؤدي إلى أهداف وإلى نتائج واضحة. * ما سبب تراجع العمل المسرحي بمدينة بركان؟ جهة الشرق كانت معروفة بشيئين. أولا بالشعر في وجدة وبالمسرح في بركان. وقد أنتج بركان العديد من الأسماء من بينهم كما ذكر الاستاذ عبد الكريم برشيد، الأستاذ مصطفى الرمضاني، الأستاذ محمد قيسامي، الاستاذ محمد جلال أعراب والعديد من الأسماء التي حفرت أسماءها بماء من ذهب في المسرح المغربي. البناية. المسرح هو بناية في الأساس، أي أنك لا يمكن أن تقيم مسرحا وتنجحه بدون بناية. حاول عبد الكريم برشيد أ، ينتج مسرح الحلقة والمسرح الاحتفالي وأنتج نظرية في ذلك وهو المعروف بها عربيا وعالميا ولكن نعود لنجمع الجمهور في بناية معينة وبركان ليست لها بناية. إذن البنية التحتية الثقافية لا توجد بالأساس في مدينة بركان. فمن غير المعقول أن تكون مدينة بحجم مدينة بركان ولا تتوفر على مركب ثقافي. أول مركب ثقافي موقوف منذ 2011 إلى الآن متوقف لأشغال فيه لأسباب لا نعرفها. إذن السؤال مطروح على الجهات المسؤولة داخل الإقليم لكي يفسروا لنا ويشرحوا لنا ما المشكل في ألا تكون لمدينة بركان مركب ثقافي ولا تكون له بنايات مسرحية ولا يكون له مندوبية ثقافية في هاته الجهة. * ختاما، رسالة للمسؤولين والساهرين على الشأن الثقافي بمدينة بركان. دعم الثقافة بهذا الإقليم. لأن دعم الثقافة هو في الحقيقة دعم للتنمية البشرية في المجتمع، هو دعم للمستقبل. يحب أن نراهن على الثقافة برهاننا على الشباب وبرهاننا على التنمية وكذلك ما يجب أن يوجه لهؤلاء المسؤولين أنهم يتحملوا مسؤولياتهم التاريخية ولحقيقية في تردي الأوضاع ليس الثقافية وحسب، لأن الثقافة وجه من وجوه التطور ووجه من وجوه التخلف كذلك إذن يتحملوا مسؤولياتهم في هذا الشأن. قصة قصيرة مختارة من كتابات القاص محمد العتروس ظلي ابن لوني ودمي يطأ على ظلي بالقدم قلت له: معذرة سيدي ومن في مثل حالي لا يعتذر لكن ظلي يؤلمني ثم نحيت قدمه ومسحت رأسي في الظل نفضت من عليه أثر موطأ القدم وتابعت سيري إلى حيث أدري لكن ظل ابن لوني ودمي تابعني بتكشيرة ووطأني بالقدم.