الساعة تشير إلى السادسة إلا عشر دقائق. النظرات عينها وعدد مبالغ فيه من العناصر الأمنية، الأفواه إياها التي ترفع التقارير عن كل الوجوه المارة أمامهم عبر أجهزة الاتصال أو باستعمال هواتفهم النقالة. سيارات الإسعاف والمطافئ والأكتاف العريضة المزينة بمختلف النياشين السرية منها والعلنية.. كل شيء يشي بالهدوء الذي يسبق العاصفة. هذا ما عاينته "فبراير.كوم" بمجرد ما وصلت إلى عين المكان. ولم تمر إلا لحظات حتى حل نفر من الشباب والشابات يحملون حقائبهم على ظهورهم، وما إن لمحهم رجال الأمن حتى بدأت عملية التفريق قبل أن يجتمعوا أصلا. الكل يصيح والكل يعطي التعليمات.. صودرت اللافتات من وسط حقيبة ظهرية لأحد المتظاهرين، وانخرط الطرفان في لعبة الكر والفر. تناسلت التساؤلات عن مدى "قانونية المنع"؟ من اتخذ قرار المنع وما هي مسوغاته القانونية؟ وهل من تعليل قانوني وفق ماينص عليه القانون 00-03، وإعلان بالمنع للمنظمين وفق ما ينص عليه القانون؟ أليس لرجل السلطة حدود يؤطرها القانون أم التعليمات؟ بشكل موازي انخرط كل الحضور الأمني في الصياح وإعطاء التعليمات في لعبة تبادل الأدوار، فيمكن أن تسمع نفس العبارة من الباشا ثم القائد ثم ضابط الأمن ثم لمقدم ثم رجل القوات المساعدة...المهم الكل في الموعد وأي موعد.. ظهرت أنياب العناصر الأمنية مبكرا. ظهرت حتى قبل أن يطلعوا على فحوى الاحتجاج، وقبل أن ترفع اللافتات أو تردد أي من الشعارات، وهذا ما يؤكد أن الحسم في التدخل اتخذ بشكل قبلي. فقد تحول رجال السلطة من ممارسة عنف لفظي الى ممارسة عنف مادي عبر إعطاء التعليمات بحظر التجول بالساحة المقابلة للبرلمان. لم يفرق التدخل الأمني بين مشارك ومشاركة، وبين داعي للوقفة وبين صحافي ذنبه الوحيد أن مهنته تحتم عليه الحضور لعين المكان وممارسة الحق في الاخبار الذي يكفله الدستور الجديد، ومن ثم توثيق مايقع بالقلم والصوت والصورة، أحد المارة صرح ل"فبراير.كوم" إن كنا في دولة الحق والقانون، وإذا كان رجل الأمن هذا يمارس مهامه في إطار قانوني سليم، فلما الخوف من الكاميرا ومن توثيق التدخل؟ "فبراير.كوم" عاينت الفضاضة التي استعملت في تفريق الصحافيين والداعين إلى الوقفة على حد سواء في فترات متباينة من زمن تغطية الوقفة الاحتجاجية. "صحافي اولا ماشي صحافي سر تقو.."!! دفع، ركل، صفعة، صحافي أو مصور ناشط أو أحد المارة إمرأة أو رجل...العنف لم يفرق بين أحد كما ستشهادون في أشرطة التقطها عدسة موقعكم الاخباري "فبراير.كوم". ولم تفرق الركلات ولعبة الدفع بين صحافي "الصباح" وصحافي "وكالة الأنباء الفرنسية"، وهذا ما حدث مع زميلنا الصحافي عمر بروكسي الذي ضُرب بشدة في وجهه إلى أن سال الدم من شفتيه. ظلت عناصر القوات المساعدة تتربص بصحافي يومية "الصباح" عبد المجيد ابزيوات الى أن أسقطته أرضا، مع العلم أنه من واحد من أبرز الصحافيين المصوريين المعروفين لدى السلطات الذي يبادلونه التحية من فرط ما غطى التظاهرات التي تنظم أمام البرلمان!! وكادت أن تتعرض الصحافية نجاة بوعبدلاوي لركلة في بطنها وهي التي خضعت مؤخرات لعملية جراحية على مستوى البطن ... هكذا نزف الصحافيون في وقفة الولاء للكرامة ضد طقوس البيعة!