منذ المصادقة على الدستور المغربي لسنة 2011، استبشرت الحركة الحقوقية وعموم المواطنين خيرا بالنظر لما حمله القانون الأسمى من مقتضيات متقدمة في مجال حقوق الانسان والحريات. ومن ذلك ما نصت عليه ديباجة الدستور من أنه « إدراكا منها لضرورة إدراج عملها في إطار المنظمات الدولية، فإن المملكة المغربية، العضو العامل النشيط في هذه المنظمات، تتعهد بالتزام ما تقتضيه مواثيقها، من مبادئ وحقوق وواجبات، وتؤكد تشبثها بحقوق الإنسان، كما هي متعارف عليها عالميا ». كما نصت نفس الديباجة على كون المملكة تلتزم ب:' حماية منظومتي حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني والنهوض بهما، والإسهام في تطويرهما ؛ مع مراعاة الطابع الكوني لتلك الحقوق، وعدم قابليتها للتجزيء ». لكن، بعد تسع سنوات من الانتظارية، ظل القانون الجنائي المغربي على حاله، متضمنا لنصوص أقل من يقال عنها أنها تتنافى كل التنافي مع المقتضيات الدستورية وتعارض ما تنص عليه الاتفاقيات والمواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب، وخاصة في مجال الحريات الفردية. هذا الوضع يدفع ثمنه أكثر من 16 ألف مواطن ومواطنة يتابعون كل سنة من طرف النيابة العامة بتهم تتعلق بممارستهم لحرياتهم الفردية. لكن يدفع ثمنه أيضا الوطن الذي تتضرر صورته التي تحرص السلطات العمومية على تسويقها كبلد يبني مساره الديموقراطي، بلد منفتح ومتسامح منخرط في حرب على الإرهاب والتطرف. فأي رسالة يبعثها المشرع المغربي عندما ينص في الفصل 222 من القانون الجنائي على حبس كل مواطن لا يمارس احدى العبادات المتمثلة في الصيام؟ متى كانت الدولة الحديثة والمنفتحة تتدخل بين المواطن وخالقه؟ أليس دور الدولة هو أن » تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية » كما ينص على ذلك الفصل الثالث من الدستور؟ كيف يقبل عقل أن ينص القانون على جريمة عجيبة غريبة سماها « زعزعة عقيدة مسلم »، أليس هذا استخفاف بعقل المواطن المسلم وشيطنة وتحريض على كراهية غير المسلم؟ هذه فقط امثلة عن الاضطهاد الذي يقره القانون ضد حرية الضمير والمعتقد، وهناك أمثلة كثيرة على التضييقات على الحريات الفردية المرتبطة بحرية التعبير والحق في تملك الجسد.. والتي تضرب في العمق كل ما حققه المغرب من مكتسبات في مسلسل بناء الدولة الديموقراطية الحديثة. من هنا نتساءل، كما تتساءل مختلف مكونات الحركة الحقوقية: الم يحن الأوان لكي تخطو المؤسسة التشريعية خطوة تقدمية تقطع مع هذه النصوص التي نخجل منها وتقوم بالتعديلات اللازمة للقانون الجنائي بهدف تكريس سياسة جنائية تتناسب وروح الدستور والتزامات المغرب الدولية وتضمن كرامة المواطنات والمواطنين؟ هذه صرخة حرية تندرج ضمن مسار من الصرخات التي دشنتها جمعية بيت الحكمة منذ اكثر من عقد من الزمن في سبيل إقرار الحريات الفردية. فهل من منصت قبل فوات الأوان؟