عقد المكتب التنفيذي للفيدرالية المغربية لناشري الصحف، يوم الجمعة 31 يناير 2025 بالدار البيضاء، اجتماعه الدوري العادي، الذي خصص لتدارس مستجدات قطاع الصحافة الوطنية، والانشغالات التي تواجه المقاولات الإعلامية، إضافة إلى استعراض برامج عمل الفيدرالية في ظل المتغيرات التي يشهدها المشهد الإعلامي بالمغرب. شهد الاجتماع نقاشًا مستفيضًا حول قضايا جوهرية تهم مستقبل الصحافة الوطنية، حيث عبرت الفيدرالية عن استيائها من انفراد الحكومة ووزارة الاتصال بصياغة القرارات المتعلقة بالدعم العمومي دون أي تشاور جدي مع المنظمات المهنية المعنية، وهو ما اعتبرته الفيدرالية إقصاءً ممنهجًا، رغم كونها الجهة التي وقّعت أول عقد برنامج مع الحكومة، وفازت بجميع مقاعد الناشرين في انتخابات المجلس الوطني للصحافة، كما أنها شريك أساسي في كل برامج الإصلاح والتأهيل منذ أكثر من عشرين سنة، بالإضافة إلى توقيعها أول اتفاقية جماعية في القطاع. وأبرزت الفيدرالية أن المرسوم الحكومي الذي حدد عدد البطاقات المهنية كمعيار للحصول على الدعم العمومي، حمل في طياته شروطًا اعتبرتها "مبالغًا فيها" بالنسبة للصحافة الإلكترونية، والصحافة الجهوية، والأسبوعيات الورقية، إضافة إلى وضعه لمعايير "تعجيزية" حالت دون استفادة معظم المطابع الصحفية من الدعم، فضلًا عن تقليص تمثيلية الناشرين داخل لجنة الدعم، وفرض آلية تصويت تُلزم اللجنة باتخاذ قراراتها برأي واحد، مما يقلص من هامش التعددية داخلها. وانتقدت الفيدرالية أيضًا القرار الوزاري المشترك الذي أقر معايير جديدة من بينها فرض شرط رقم المعاملات، وهو ما جعل الدعم يتحول من دعم للمقاولات الصحفية إلى دعم للرأسمال الإعلامي، مما يتعارض مع التوجه الديمقراطي والحقوقي للبلاد، ويهدد بقاء المقاولات الصحفية الصغرى والمتوسطة والصحافة الجهوية، الأمر الذي قد يؤدي إلى ضرب التعددية الإعلامية في المغرب. كما شددت الفيدرالية على أن هذه المعايير لم تراعِ الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها الصحافة الوطنية بسبب تداعيات جائحة كورونا، وهشاشة سوق الإعلانات، وصعوبات التوزيع، مما يجعلها قرارات بعيدة عن الواقع. وحذرت الفيدرالية من أن استمرار الحكومة في فرض هذه الإجراءات قد يؤدي عمليًا إلى القضاء على العديد من المنابر الإعلامية الجهوية، خصوصًا في الأقاليم الصحراوية ومناطق أخرى بالمملكة، وهو ما اعتبرته "عمى سياسيًا كبيرًا"، قد ينعكس سلبًا على المشهد الإعلامي الوطني، خصوصًا أن العديد من هذه المنابر تلعب دورًا أساسيًا في الدفاع عن القضايا الوطنية والتصدي لحملات التضليل الإعلامي التي تستهدف المغرب. أما بخصوص الحديث عن دعم جهوي مرتقب لفائدة المقاولات الصحفية الجهوية، فقد أكدت الفيدرالية أن هذا الإعلان لا يزال مجرد تصريح لم يُترجم بعد إلى إجراءات عملية، مشيرة إلى أن هذا التوجه يعكس اعتراف الوزارة الضمني بعدم صواب تقديرها الأولي عند إصدار القرار الوزاري المشترك، كما أثارت الفيدرالية مخاوف من أن يتحول هذا الدعم الجهوي إلى أداة انتخابية، مما قد يكرس منطق التمييز وعدم تكافؤ الفرص بين المقاولات الإعلامية. وبالنسبة لمؤسسة التنظيم الذاتي، جددت الفيدرالية موقفها الرافض للوضع الحالي، مؤكدة أن ما يوجد اليوم ليس مجلسًا وطنياً منتخبًا، بل مجرد لجنة مؤقتة تم تعيينها من طرف الحكومة، في مخالفة واضحة لدستور المملكة ولمبدأ الاستقلالية في التنظيم الذاتي. وأعربت الفيدرالية عن استغرابها من غياب أي مؤشر على الاستعداد لتنظيم انتخابات حقيقية وفق مقتضيات الفصل 28 من الدستور، رغم اقتراب انتهاء ولاية اللجنة المؤقتة. وإلى جانب هذه القضايا التنظيمية، شددت الفيدرالية على أن مستقبل الصحافة المغربية يحتاج إلى مقاربة شاملة تتجاوز النقاشات المتعلقة بالدعم العمومي والتنظيم الذاتي، إذ دعت إلى ضرورة تطوير الإطار القانوني للقطاع وتعزيز حرية الصحافة، مع إقرار إصلاحات من شأنها ضخ نفس ديمقراطي جديد في المشهد الإعلامي المغربي. كما أكدت على ضرورة تحسين جودة التكوين والتكوين المستمر، وضمان بيئة ملائمة لممارسة مهنية مسؤولة ترتكز على أخلاقيات المهنة، والتصدي لمظاهر التشهير والقذف والابتزاز والأخبار الزائفة التي تسيء لمصداقية الصحافة الوطنية. وفيما يتعلق بالشق الاقتصادي، اعتبرت الفيدرالية أن من الضروري إعادة تنظيم قطاع الإشهار والإعلانات بشكل يضمن شفافية أكبر، ويتيح توزيعًا أكثر إنصافًا لمداخيل الصحف والمقاولات الإعلامية، كما شددت على أهمية إيجاد حلول جذرية لمعضلة توزيع الصحف الورقية، ومعالجة إشكالات شركة التوزيع الحصرية التي تعاني من اختلالات كبرى تؤثر سلبًا على استمرارية الصحف الورقية. ومن بين القضايا التي أكدت الفيدرالية على ضرورة الانكباب عليها، تعزيز الحوار الاجتماعي داخل قطاع الصحافة، حيث دعت إلى ضرورة التوصل إلى اتفاقية جماعية عادلة، تضمن تحسين الأوضاع الاجتماعية للصحفيين والعاملين في القطاع، وتأخذ في الاعتبار التحديات الاقتصادية الحقيقية التي تواجه المقاولات الصحفية، لضمان استقرارها واستمرارها. كما لفتت الفيدرالية الانتباه إلى ما وصفته بحالة "التشرذم المهني" غير المسبوق الذي يعيشه القطاع، مشيرة إلى أن التوتر الحاصل بين مختلف التنظيمات المهنية يعيق تحقيق أي تقدم حقيقي، مما يستدعي تجاوز الخلافات الهامشية، والعمل على تنسيق المواقف بين مختلف الفاعلين في المجال الصحفي، وذلك من خلال بلورة رؤية مشتركة تضع مصلحة المهنة فوق كل الاعتبارات الأخرى. وفي هذا السياق، جددت الفيدرالية دعوتها لكافة ناشري الصحف الورقية والإلكترونية إلى العمل على تحقيق وحدة تنظيمية أو، على الأقل، التنسيق فيما بينهم لضمان تكامل الأدوار وتوحيد الجهود في مواجهة التحديات الراهنة. كما وجهت نداءً مماثلًا إلى التنظيمات النقابية للصحفيين، حاثة إياها على تجاوز الحسابات الضيقة والانخراط في حوار مسؤول يساهم في بناء مستقبل أكثر استقرارًا للمهنة. وفي ختام اجتماعها، أعلنت الفيدرالية المغربية لناشري الصحف عن شروعها في التحضير لتنظيم ندوة وطنية كبرى ستخصص لدراسة أوضاع المهنة واستشراف آفاقها، معربة عن أملها في أن تكون هذه الندوة محطة لتأسيس فهم مشترك بين جميع الفاعلين، والتوافق على حلول واقعية وملموسة تعزز مكانة الصحافة المغربية، وتضمن استدامتها في ظل التحولات التي يعرفها المشهد الإعلامي الوطني والدولي.