تعتبر قضية الإجهاض من بين القضايا التي تثير جدلا واسعا داخل المجتمع المغربي، ومن المواضيع الشائكة التي يتصاعد فيها الجدل بين مؤيد ومتحفظ ورافض. غير أنه موضوع مجتمعي ليس وليد اللحظة، حيث تطرح فيه نقاشات موسعة تشمل ما هو ديني وقانوني وطبي. والإجهاض بمعناه العام إسقاط المرأة جنينها لغير تمام مدة الحمل المعروفة (9 أشهر)، وهو صنفان: تلقائي ومستحث كما أنه يملك تسمية أخرى وهي التطريح. غير أن الصنف الذي يُحدث جدلا هو الذي يتم برغبة أو اضطرار سواء من الحامل ذاتها أو من زوجها أو أحد أفراد عائلتها لدواع وأسباب شديدة التنوع. وهناك الإجهاض التلقائي، وهو الذي يحدث نتيجة لمضاعفات أثناء فترة الحمل بنزول الجنين من الرحم إثر صدمات أو حوادث عرضية أو لأسباب طبيعية خالصة. إن الواقع الذي يفرض نفسه على نساء كثيرات ومن خلالهن أسر شتى، يعج بحالات حمل غير مرغوب فيها، بل بحالات يكون فيها الحمل نتيجة اغتصاب تتعرض له الفتيات أو النساء، وحين يحدث ذلك تجد المرأة نفسها في مواجهة مجتمع سريعا ما ينتفض عليها. فالحديث عن الإجهاض قد يصيبنا بالإجهاد لذا نحتاج الكثير من الاجتهاد لتوضيح أسباب وتداعيات اللجوء إليه. أرقام مهولة تدق ناقوس الخطر، يكاد المرء يُذهل من احتلال المغرب المرتبة الأولى عربيا في عمليات الإجهاض حسب دراسة قامت بها »المنظمة العالمية للصحة » سنة 2017، ودراسة أعدتها ‘اليونيسف' تفيد أن 24 رضيعا يتم التخلي عنهم يوميا بالمغرب، إلى جانب عدد رهيب من الأمهات العازبات. ما يدفع للتساؤل عن أسباب اللجوء إلى الإجهاض بين الضرورة الطبية والحمل غير المرغوب فيه، هل الإجهاض حق أم جريمة؟ هل للمرأة حق في الامتناع عن العبور إلى مرحلة الأمومة لسبب يخصها؟ وهل تعتبر مسؤولة عن جسدها وما فيه أم يعتبر هذا الحمل إنسانا منذ لحظة تكونه فيتمتع بحقوقه كاملة وأهمها الحق في الحياة؟ وما حكم الإجهاض في الإسلام؟ بين راحة منشودة وقلب مكسور… إن غريزة الأمومة هي أبرز ما يميز النساء، غير أن القدر يكون أحيانا أقوى ويحتم على إحداهن أن تختار التخلي عن فلذة كبدها عن طريق الإجهاض. (خ.ن) من بين هؤلاء النسوة، فتاة في مقتبل العمر، تعيش بمدينة القنيطرة، لا يتعدى عمرها عشرين سنة، تقول في تصريح ل »العلم »، إن »الشخص الذي كانت معه على علاقة غير شرعية، لازال شابا يدرس ولا يمكنه تحمل مسؤولية الجنين، مضيفة أن أسرته رفضت فكرة ارتباطهما كلية، بدعوى أنها على علاقة بالعديد من الأشخاص، تحكي والقهر يعلو محياها، » صحيح أنني كنت على علاقة بشاب من عائلتي يكبرني ببضع سنوات قبل أن أرتبط به، اتخذنا خطوة الزواج بغية الهجرة إلى الديار الفرنسية، ولأنه قريب من العائلة، كنا نقطن تلك الفترة بمنزل لوالدي بمدينة سيدي يحيى، ومارسنا الجنس، غير أنني لا أعلم إن كنت أحبه أم لا، أما هو فقد كان يحبني،وبعد مرور بضعة أشهر، اكتشفنا أن حياتنا لن تكون وردية أبدا ولن نصل إلى »الفردوس الأوروبي »، فقررنا الطلاق بالتراضي، لأرجع إلى أحضان عائلتي بمدينة القنيطرة، هنا تعرفت على الشخص الذي سيقع معه مشكل حياتي، أحببنا بعضنا ودامت علاقتنا سنة قبل أن يكتشف أنني مطلقة عن طريق إحدى الصديقات التي كانت هي الأخرى من الحاضرين يوم زفافي، أخبرني بالموضوع وبما أنني أحببته اقترحت عليه العلاقة الجنسية لأبرر أنني لازلت لم أفقد عذريتي، متيقنة من نفسي ومن العملية التي أجريتها (غشاء بكرة اصطناعي)، نعم لكي لا تتزعزع صورة « بنت الناس وبنت دارهم» أمام محيطي العائلي، قمت بزرع غشاء بكرة اصطناعي، لأكتشف أنني حامل فأخبرته، لكنه رفض الفكرة إطلاقا، أخبرت أمي حينها بالواقعة فكانت صدمتها قوية في البداية غير أنها حاولت إيجاد مخرج آمن لي، نصحتها صديقتها بالتوجه إلى طبيب يوافق على إجراء الإجهاض سريًا، وبعد مفاوضات طويلة معه، نجحنا في إقناعه مقابل مبلغ 4000 درهم، تؤكد (خ.ن) أنها ندمت وتضيف: » أحسست بما يسمونه مشاعر الأمومة، ربما لأن الحمل تجاوز الشهر الأول ». قطعة مني… غير بعيد عن مدينة تمارة، حياة، هكذا فضلت تسمية نفسها ل »العلم »، سيدة في عقدها الخامس، قررت الإجهاض لأن زوجها رفض فكرة الإنجاب للمرة الثالثة، خاصة وأن طفليهما أصبحا شابين، تقول حياة: »حاولت إقناعه بشتى الطرق لكن دون جدوى، زوجي رفض الحمل وهددني بالطلاق ». وبالرغم من أن حالتهما مستقرة ماديًا، وزوجها يشتغل بمجال الفلاحة بالديار الفرنسية، إلا أنها التجأت للإجهاض رغم صعوبة الأمر تقول: « لم أندم في البداية لكن مع تقدم الزمن، أحس بوخز الضمير، فأنا الآن في الخمسين من عمري، تخليت عن فلذة كبدي وقطعة مني، لو كنت تركته يعيش لكان أصبح طفلًا جميلًا، فشقيقه سافر إلى الخارج لمتابعة دراسته، وشقيقته تزوجت وكونت هي الأخرى أسرة بالخارج، وأنا وحيدة، دائما ما أعاتب نفسي وأطلب المغفرة من الله، فأنا أعلم أن ذنبي كبير ». شفيق الشرايبي رئيس الجمعية المغربية لمحاربة الإجهاض السري: يجب تقنين الإجهاض بالمغرب وجعله مجانيا في تصريح ل »فبراير.كوم »، بخصوص آخر الإحصائيات حول حالات الإجهاض في المملكة، قال البروفيسور شفيق الشرايبي، رئيس الجمعية المغربية لمحاربة الإجهاض السري، إنه »لا يمكننا أن نعرف إحصائيات حالات الإجهاض بالمغرب، ولا توجد أرقام رسمية ومدققة، نظرا لأن ظاهرة الإجهاض تتم بطريقة سرية، وبالتالي فالأرقام كذلك سرية، باستثناء الأرقام التي تمخضت عن البحث الذي قامت به الجمعية المغربية لمحاربة الإجهاض السري سنة 2010، وتبين إجراء ما بين 600 إلى 800 حالة إجهاض يوميا، ثلثا هذه الأرقام يتم إجراؤه عن طريق أطباء والثلث الآخر يتم بطرق تقليدية والأرقام لازالت نفسها حتى الآن ». وأعرب المتحدث ذاته، عن أسفه من التشدد الذي وقع خلال السنوات الأخيرة والمتمثل حسب قوله في جملة الاعتقالات التي طالت الأطباء المتورطين في إجراء عمليات الإجهاض، ما جعل هؤلاء يتراجعون عن إجرائها وجعل النساء يتوجهن للإجهاض غير الآمن الذي يؤدي إلى مضاعفات ووفيات وكذلك ينجم عنه التخلي عن أطفال إما أحياء أو موتى بالشارع العام خشية العار. وفي السياق نفسه، أضاف شفيق الشرايبي أن:"المطلوب هو تأمين الحماية للمرأة، وهو المبدأ الذي يشكل الركيزة الأساسية لتماسك المجتمع". وخلُص إلى أنه »لا يناضل من أجل الإجهاض ولكن من أجل صحة المرأة »، مضيفا أن »الحل الوحيد للحد من هذه الظاهرة أو على الأقل للتقليص منها في حال وقوع الحمل هو إعطاء الحق للسيدة الحامل إن كانت لا تتوفر تماما على الإمكانيات، عوض لجوئها للإجهاض التقليدي الذي يعتبر خطيرا جدا »، ويقترح بدل ذلك »فتح أبواب المستشفيات للسيدات مادام الأمر يتعلق بالتوقف الإرادي عن الحمل من أجل إيقافه بشكل آمن ». سعيد جعفر، باحث في علم الاجتماع ورجل قانون: الإجهاض ظاهرة قديمة حديثة تختلف أسبابها وتمظهراتها أكد سعيد جعفر، الباحث في علم الاجتماع ورجل القانون، أننا »أمام فعل مجتمعي وظاهرة مجتمعية ليست جديدة سواء بالمجتمع المغربي، أو باقي المجتمعات الأخرى، تواجدت تواجد الإنسان، كانت لديه علاقات جنسية غير أنه لسبب من الأسباب في عدم الرغبة لزيادة طرف آخر اقتصاديا كان أم ثقافيا أم صحيا.. أو علاقة بالقبيلة أو التقاليد والعادات، كان يتم اللجوء إلى الإجهاض ». والسؤال الذي يُطرح، يقول سعيد جعفر، هو مرتبط بفعل الإجرام بذاته، هل يجب أن يكون فعلا مجرٌما من الناحية القانونية أم أن الأمر يتعلق بحرية فردية؟ وقال »يبدو أن النطاق القانوني لجريمة الإجهاض سيكون موضع نقاش كبير خصوصا أنه، الآن في الدورة الخريفية يُعرض مشروع القانون الجنائي للمناقشة والمصادقة في لجنة العدل والتشريع، حيث غالبا ما سيكون النقاش محتدما ما بين تيارين سياسيين حول مدى توسيع الحالات المسموح بإجهاضها أو العكس، خاصة من طرف الجهات التي تنادي بعدم تجريم الإجهاض كليا بما في ذلك تجريم العلاقات الجنسية الرضائية، مقابل الجهات التي تتمسك بتجريم العلاقات الجنسية والتي تعتقد أنها فساد والإبقاء على عقوبة الفساد في القانون الجنائي ». وأضاف »تقديري كباحث في علم الاجتماع منخرط في المجتمع المغربي أن المجتمع اليوم يعرف تحولات جديدة، أجيال جديدة من الشباب والشابات هي في الحقيقة تعبر أكثر عن تملكها لأجسادها ويظهر ذلك في أشكال اللباس، قصات الشعر… فهذا التحول المجتمعي، هو تحول كبير يستفاد منه أن الشباب اليوم ولاؤهم لفردانيتهم أكثر من ولائهم للجماعة ولمواضعاتها، ويستوجب على السلطة السياسية أن تعمل أكثر على تصفية الأجواء والظروف من أجل نقلات أكثر حداثة لمواكبة ومصاحبة المجتمع حتى لا ينفلت من بين أيدينا ». في هذا الصدد، أكدت أمينة الشرقاوي محامية بهيئة الرباط، أن »الجانب القانوني قد جرم في الفصلين 449 و 454 من القانون الجنائي المغربي الإجهاض، وحدد عقوبته من سنة إلى 5 سنوات، إذا كان الفاعل الرئيسي هو شخص آخر، أما إذا كانت المرأة نفسها فعقوبتها من 6 أشهر إلى سنتين ». وفي انتظار خروج القانون الجديد إلى حيز الوجود، يتهيب الأطباء من إجراء عمليات إجهاض في مختلف الفضاءات بما فيها المستشفيات والمصحات، حتى وإن كانت الحالات تندرج ضمن مقتضيات الفصل 453 من القانون الجنائي المغربي المعمول به حاليا، الذي ينص على « لا عقاب على الإجهاض، إذا استوجبته ضرورة المحافظة على صحة الأم متى قام به علانية طبيب أو جراح بإذن من الزوج. ولا يطالب بهذا الإذن، إذا ارتأى الطبيب أن حياة الأم في خطر، غير أنه يجب عليه أن يشعر بذلك الطبيب الرئيس للعمالة أو الإقليم. وعند عدم وجود الزوج أو إذا امتنع الزوج من إعطاء موافقته أو عاقه عن ذلك عائق، فإنه لا يسوغ للطبيب أو الجراح أن يقوم بالعملية الجراحية أو يستعمل علاجا يمكن أن يترتب عنه الإجهاض إلا بعد شهادة مكتوبة من الطبيب الرئيس للعمالة أو الإقليم، يصرح فيها بأن صحة الأم لا تمكن المحافظة عليها إلا باستعمال مثل هذا العلاج ». وتضيف الأستاذة الشرقاوي، أنه قد يتبادر إلى الذهن أن نبيح الإجهاض كليا مادام أنه يتم في السر، فلماذا لا يتم تحت المراقبة الطبية؟ إذا فتحنا هذا الباب فقد نفتح الباب على مصراعيه أمام تسهيل الرذيلة، ربما الحل يكمن في توسيع الحالات التي تبيح الإجهاض، لأنه في جميع الأحوال، هناك حق آخر في الميزان هو حق الجنين في الحياة. عبد الله اكديرة رئيس المجلس العلمي المحلي بالرباط * ماذا تقول الشريعة الإسلامية في قضية الإجهاض؟ وما الحالات التي يجوز فيها إجهاض المرأة لجنينها ؟ كل الشرائع السماوية تحرم الإجهاض ولا تبقي مجالا له لقوله تعالى: {ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم وإن قتلهم كان خطأ كبيرا}، إلا ما كان اضطراريا ويفرض إنقاذ حياة الحامل، فإذا كان لابد من الترجيح فإننا نرجح حياة الأم لأنها هي الأصل، نضحي بالفرع من أجل الأصل، والأم هي الأصل، ثم إن الأم حياة كاملة، بينما حياة الجنين حياة ناقصة لأنها لا توازي الحياة الحقيقية للأم، وفي هذه الحالة يمكن أن نضحي بالجنين من أجل حياة الأم. * ما حكم الإجهاض قبل أن تُنفخ الروح في الجنين؟ لا أتفق مع ما يقال لأن ليس له معنى، يوم يلقح الجنين يصبح كائنا حيا، ينقسم ويتكون وتتكون أعضاؤه لينشأ فيما بعد كإنسان كامل سوي. أما بخصوص الحديث الذي يتكلم فيه رسول الله عليه الصلاة والسلام على نفخ الروح فهو مدة معينة يتكون فيها الجنين تكوُنا كاملا. * ما كفارة الإجهاض؟ الدية. رئيس الحكومة يعبر عن رفضه لإباحة الإجهاض وقد عبّر رئيس الحكومة سعد الدين العثماني لوسائل إعلامية محلية، عن رفضه المطلق للدعوات الحقوقية التي تنادي بإباحة الإجهاض. وفي هذا الصدد قال العثماني، يوم 30 شتنبر2019 بأكادير، إنّ الإجهاض "أمر حسمت فيه اللجنة التي شكلها جلالة الملك ممثلة في لجنة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، ووزارة العدل، ووزارة الصحة، وأعطى المجلس العلمي الأعلى رأيه في هذا الموضوع، من أجل أن نقوم بأقصى ما يمكن في إطار الثوابت الدينية". وتشبث العثماني برفضه الدعوات المنادية بإباحة الإجهاض في المملكة، وعبّر عن ذلك بالقول "حْنا مسلمين، واش غادي نبدلوا كاع هادشي كامل، ما يمكنش"، مضيفا: "مبدئيا وتاريخيا واليوم دستوريا، نحن مسلمون". يضعنا موضوع الإجهاض وجها لوجه أمام حالة اجتماعية ضاربة في القِدم، غير أنها تتخذ تمظهرات مختلفة خاصة في ظل التطور الاجتماعي والثقافي والتكنولوجي، الذي يشهده المغرب على غرار باقي بلدان المعمور. وسواء كان المرء مؤيدا أم معارضا، فإنه مطالب بالوعي بضرورة الحد من المضاعفات الخطيرة للإجهاض الذي يجرى في عيادات خاصة وفي ظروف غير آمنة، هذا فضلا عن عمليات الإجهاض التقليدية التي ترتفع نسبتها في المدن والضواحي الفقيرة.