الفائدة الوحيدة التي تحققها غرفة ومستخدمو إثارة حروب الإلهاء هي تبرير ما يتم هدره من أموال عامة على أهداف خاصة ضيقة لا تعني الشعب في شيء. غير هذا الكسب المادي فإن اللعبة أصبحت مفضوحة بفضل ارتفاع منسوب الوعي الشعبي وتحطم كثير من الحواجز المانعة للرؤية التي كانت تحجب ما يختفي وراءها من مكر ودسائس وخدع. والحمد لله من قبل ومن بعد على الريح الطيبة التي بعثها في الشعوب توقظ الوسنان وتكون صرصرا على الفسدة تجتث ما يمكرون. أروني من لا يدرك اليوم على تمام الوضوح، غير قلة معزولة، أن ارتفاع حمأة الحرب على المعارضين والخصوم يحكمها هدفان واضحان وضوح الشمس في غشت، وهما: الهدف الأول: محاولة تحويل الأنظار عن الموجة المتعاظمة يوما عن يوم بتنامي التوجه بشكل مباشر إلى المسؤولين الأوائل المباشرين عن تدبير السياسات العامة ونتائجها، وارتفاع حدة واتساع مجال الاحتجاج الشعبي على كل مظاهر الاستبداد والفساد. ومحاولة محو الآثار السياسية والاجتماعية والنفسية لحملة المقاطعة الاقتصادية، وإثارة ضجيج يغطي عن صراخ مئات المعتقلين السياسيين وأنين أمهات ونساء وأطفال المناطق التي شن عليها المخزن حركاته التي زادت الساكنة آلاما إلى آلامها في مختلف جهات المغرب. فمن يحاول هذا كمن يمسك قرني التاريخ لإعادته إلى الوراء. الهدف الثاني: محاولة إشغال وإنهاك المعارضين والخصوم وضرب بعضهم ببعض. وهو هدف، إذا ما تجاوزنا ما يمكن أن يحققه لأصحابه من تنفيس ظرفي عن أحقاد وغيض وكراهية تجاه خصومهم، فإنه في الواقع أصبح يأتي بعكس ما يرجه مهندسوه من نتائج، فما يزيد المستهدفين إلا قوة وتعاطفا معهم شعبيا ونخبويا، وتكفي إطلالة على تركيبة لجان التضامن مع المستهدفين من مختلف الاتجاهات لنقف على فشل محاولات العزل، بل إن منسوب المساندة يرتفع، والهجوم على الخصوم ما يزيد المكونات إلا وعيا بضرورة التكاثف ووضع الخلافات جانبا لمواجهة الخصم المشترك. وهنا تكمن رسالة أخرى أكثر أهمية، ولا أدري كيف لا يدركها محركو الحروب الفاشلة، وهي أنهم لم يعودوا يستثنون أحدا من حربهم حتى من يشتغلون من داخل مربعهم، فيكفي أن يخرج أحد قليلا عن هامش ضيق من المربع حتى يكون هدفا لأشد الأسلحة خبثا. وهذا ليس له من نتيجة مباشرة غير مزيد من فقدان الثقة في السياسات الرسمية ومجالاتها ومربعاتها ودوائرها وشخوصها. وفي كل خير والخير أمام