المتابع للشأن الحزبي المغربي ما بعد الحراك العربي يقف على مجموعة من الممارسات والألفاظ التي دخلت إلى القاموس السياسي، وكثر التراشق الكلامي وصل حد التخوين والاتهام بالارتباط بتنظيمات خارج المغرب. هذه الظاهرة الجديدة طفت على السطح مع قيادات بعينها، تخللتها أحيانا مشادات كلامية لا تمت إلى الاخلاق السياسة بأي صله، وهو ما أعطى مشهدا سياسيا مترهلا، ومرحلة سياسية وصفها البعض بالعقم والجفاف وبالردة السياسية. يرى رشيد لزرق، باحث في العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض بمراكش، أن « الردة السياسية التي عرفها المغرب بعد التعاقد الدستوري تمثلت في بزوغ مرحلة الشعبوية، التي عوض تثبيت الخيار الديمقراطي، عملت على جعل المنظومة الحزبية أحزابا أفرادا ». مما أدى، حسب لزرق، إلى « شخصنة الصراع السياسي، وتغيير البنى الحزبية بجعلها قائمة على أفراد، فبتنا نسمع حزب بنكيران وإلياس وشباط ولشكر… عوض حزب المؤسسات، وباتت تتحرك وفق مزاجها السياسي، في ضرب واضح لإرهاصات العمل وفق منطق حزب المؤسسة، لكون القيادات الشعبوية اتجهت إلى رهان الضبط وإحكام القبضة وإقصاء كل المخالفين ». وتابع نفس المتحدث في تصريح خص به « فبراير » » في المقابل عملت شبكة التابعين على أساس زبائني، وقامت، باسم القرب أو الامتداد الشعبي، بتجميع قيادات المغلوبين حولها، الذين يقومون بكل الأعمال إلا الممارسة السياسية بمفهومها النبيل، أملا في الحماية السياسية أو في الوصول إلى المصالح، والاضطراب التي تشهده القيادات الشعبوية يفسر في كون السياق السياسي أفرز مصالح متضاربة ». وخلص الباحث في العلوم السياسية إلى أن ماسبق ذكره هو الذي يفسر « الاهتزازات التنظيمية، وعدم بروز حركات للتغيير هو نتيجة لكون القيادات الشعبوية فرضت مركزيتها بمختلف الطرق، وولدت مشهدا حزبيا يسوده الاضطراب على مستوى التحالفات، التي تظل سمتها الأساسية التغيير بشكل مستمر دون أساس إيديولوجي أو فكري وذي رؤية سياسية، فأضحت البنية الحزبية تعاني الجمود، ولا توجد بها ممارسة سياسية وحراك سياسي، بفعل أن شبكة الاتباع تفتقر إلى الفكرة السياسية ». هذا الوضع القائم أفرز لنا « دوات حزبية لا تملك كوادر سياسية قوية، وانحصرت الصراعات التنظيمية في الوصول إلى مواقع قيادية. هذا الواقع أفرز ارتدادات عطلت القنوات المؤسساتية، وولدت أزمة وساطة، وباتت هذه الموجة الشعبوية خطرا على الدولة والمجتمع، بفعل ممارستها لغة التكتيكات والمصالح الآنية، الأمر الذي يفرض التغيير الذي يمر لزاما بتجديد الطبقة السياسية المتجاوزة، وبروز وجوه شابة متحررة من عقد الماضي، وقادرة على المبادرة، والانسجام مع دستور 2011، وإقناع المزاج العام الذي أصبحت له ثقافة متقدمة ». وتحدث لزرق عن المجتمع باعتباره الحاضنة للاحزاب ولامتدادها السياسي وقال » فالمجتمع عكس الانطباع السائد بكونه محافظا بالمعنى الديني وإنما بالمعنى الثقافي هو الأقرب إلى الهدوء وعدم المغامرة، لأن العناصر المتحكمة في التنظيمات السياسية نهجت سياسة ضبط بحث في تحقيق تقاعد سياسي، وعملت على نهج سياسة التكتيكات، وإقصاء كل القوى الداعية إلى التعاقد من أجل المشروع ». وسجل لزرق أن هذه » العقلية الاقصائية » » هي التي حالت دون إيجاد نخبة مؤثّرة من جيل الشباب الواعي والمسؤول، فمنذ الاستقلال إلى اليوم نجد نفس الشعارات وبروز ظاهرة المرشح الوحيد، التي هي ضرب في الاتجاه التصاعدي للتجربة الديمقراطية، الأمر الذي يفرض بقوة الحاجة إلى تجديد ما يُسمى بالنخبة السياسية، وفي الواقع انتهى عهد النخبة السياسية الشعبوية، من أجل المضي في مسار الدول الصاعدة وبناء ديمقراطي مغربي حقيقي ينطلق من مطالب المغاربة ». ودعا المتحدث نفسه إلى إيجاد « حلول مغربية تنطلق من مطالبنا وشعاراتنا وإمكانياتنا، وتحقق التنمية المستدامة، في ظل سيادة دولة القانون والمواطنة، عبر الانطلاق من معطيات الواقع من أجل تجاوزه عبر جعل الصراع السياسي صراع بدائل وليس صراع نزعات ذاتية ».