نشر الصحافي سليمان الريسوني على أحد المواقع مقالا اختار له عنوانا مثيرا: « لا تلعبوا مع شباط وإلياس ». و سيرا على المنوال الذي اخترته عندما يسمح لي الوقت بذلك، بالتفاعل مع بعض الكتابات بردود أو مقالات رأي أو تدوينات شخصية على الفضاء الأزرق؛ ارتأيت أن أتفاعل مع مقال الريسوني، من باب أن التفاعل مع الذين قد لا تتفق معهم في أمور وتتفق معهم في أمور أخرى، من شأنه أن يساهم في توضيح بعض المعطيات والكشف عن بعض الحقائق التي قد تغيب عن الكثير من القراء. وقيمة هذا التفاعل تزداد عندما يتعلق الأمر بالكلام عن تنظيمات سياسية تشكل جزءا لا يتجزأ من التاريخ السياسي لبلادنا. وبالرغم من كون المقال يتضمن بعض التقديرات التي لا تعدو أن تكون مجرد ادعاءات لا تقوم على معطيات صحيحة يمكن التأكد منها بالاستناد إلى وقائع أو وثائق؛ ورغم أنني لا أتفق مع ما جاء في المقال، فيما يخصني أنا شخصيا، فقد تعمدت نشره في الموقع الرسمي لحزب الأصالة والمعاصرة الذي أتولى مسؤولية أمانته العامة. وهذه إشارة إلى أننا في الحزب لا يحلو لنا الاستماع فقط للمعزوفات التي نلحنها نحن، بل إن البيت البامي لا يخشى من الرأي الآخر، وإن أركانه تتوطد و تتقوى أكثر بالإنصات إلى الآراء المخالفة والاستفادة من الانتقادات البناءة . وأنا أقرأ المقال، أجدني أتساءل عما يقصده الكاتب من العزلة التي « يعيشها البام والتي لا يعتقد أن حزبا عاشها في التاريخ » (هكذا وبالإطلاق). لم أدرك فهمه للعزلة مع حزب اختار بعيد ترسيم نتائج انتخابات السابع من أكتوبر الاصطفاف في خط المعارضة. فإذا كان المقصود بالعزلة هو الركون إلى صف المعارضة، فهذا أمر صحيح. وقد حرصنا رغم ما يكتب ويقال، على أن نحترم صناديق الإقتراع التي بوأتنا مرتبة لا تخول لنا قيادة الأغلبية. ولم نسع يوما للوقوف على باب أحد من أجل كسب الألقاب الوزارية أو تبوء المناصب الحكومية. فالمسؤوليات الحكومية في أدبيات حزبنا هي تكليف نحمله على أعتاقنا، وليس تشريفا نضعه على صدورنا. ولذلك لا تجدنا نتهافت ونبيض ونصفر بتعنتٍ، مثلما نشاهد مع الأسف مع الحزب الأول، من أجل حقيبة وزارية أو الكرسي الأول في الحكومة. فلو كان هؤلاء ينظرون إلى المسؤوليات باعتبارها تكليفا وليس تشريفا، لما رأيتهم يدفعون بمصالح المواطنين ورهانات الوطن الاقتصادية إلى الهاوية، ويستكينون إلى راحة البلوكاج ودفعهم إلى استدامته. أما إذا كانت العزلة في نظر الكاتب هي الانزواء والانسحاب من الساحة السياسية، فهذا قول تفنده الوقائع وتدحضه الأنشطة المؤسساتية والتنظيمية التي لا يكاد يمر أسبوع دون نشاط حزبي واجتماع لأجهزته الوطنية والجهوية والإقليمية، ولمنتخبيه في مختلف المؤسسات التمثيلية. ويكفي مراجعة موقع البام الإلكتروني للتيقن أن الحزب ينبض حركة ونشاطا منذ الإعلان عن نتائج الانتخابات إلى اليوم. وليتيقن الكاتب أكثر بالتفاف المنتخبين والمناضلين بإطارهم الحزبي، وبأنهم مناضلون متشبثون بحزبهم وبفرقهم من أصغر مجلس جماعي إلى مجلس النواب. ولا أدل على ذلك تخلي نوابنا عن تعويضاتهم عن فترة عطالة مجلس النواب. الإدعاء الآخر للسيد الريسوني هو خلطه الحابل بالنابل بزعمه أن البام مزروع من جهات لم يسمها، مخلصا في ذلك لثقافة التماسيح والعفاريت التي يبدو أنها قد نالت حتى بأذهان المثقفين والصحافيين الذين أنزههم عن أية نية سيئة. فحزب الأصالة والمعاصرة هو ثمرة تضافر إرادات وفعاليات سياسية مختلفة، مثقفة وغير متعلمة، ولم يكن إلياس العماري إلا واحدا من بين هذه الإرادات. وانخراطه في هذا الحزب كان تتويجا لمسار نضالي بدأ مبكرا، في الحركة التلاميذية والحقوقية وفي الحركة الأمازيغية وفي الحركة الحزبية اليسارية ببلادنا. وتجربتي النضالية المتواضعة لم تكن غامضة ولا قذرة. فيكفي مراجعة المذكرات والقصاصات الصحفية لسنوات الثمانينات والتسعينات لتعرف أن هذا العبد الضعيف كان حاضرا إلى جانب رفاقه في مختلف المحطات النضالية التي تؤرخ للتحولات السياسية ببلادنا. والسرية الوحيدة التي مارستها هي تلك المرتبطة بالمناورات الضرورية لعدم السقوط بين أيدي قوى القمع التي لا يعرف شراستها إلا من ذاق مرارتها. وإذا كانت في جعبة الكاتب حجة دامغة للعبي مهمات قذرة في أي مجال قد يخطر على باله، فسأكون له من الشاكرين إذا كشفه للرأي العام. وفي الأخير، ألتمس من صاحب المقال العذر، إذا شعر بأن تفاعلي مع ما ورد في مقاله قد جانب اللياقة في الكلام، فاختلافي مع ما ورد في مقاله عن شخصي لا ينقص من تقديري لشخصه. فتمثلات السيد سليمان الريسوني قد حجبت عنه إدراك حقائق الأمور، وورطته في غمض عينيه عن رؤية طبيعة الأشياء، ليلبس نظارات معتمة بضباب الكلام العام الذي يطلق على عواهنه. فعجبي من صحافي محترف، أقدره وأجله، أن يتسرب إلى غياهب سيكولوجيتي ليكتشف أن ميولاتي انتحارية. ولكي أفند قراءته لنفسيتي، أهمس في أذنه وأقول له، لا تبلغ عني بجريمة محاولة الانتحار. فأنا من طينة أولئك الذين وصفهم الشاعر العظيم محمود درويش بأنهم يحبون الحياة إذا ما استطاعوا إليها سبيلا.