"هل فقد بنكيران مصداقيته؟"..هكذا عنونت الأسبوعية الفرنسية"جون أفريك" مقالا مطولا، تحدثت فيه عن المعالم الرئيسية لحكومة عبد الإله بنكيران خلال عام 2013، وأهم المحطات التي ميزت ترأسه للحكومة. المجلة الفرنسية خلصت إلى أن سنة 2013 عرفت تأخر أهم الإصلاحات السياسية، كما تميزت أيضا بدخول حزب التجمع الوطني للأحرار للحكومة، واستعادة القصر لزمام السلطة والمبادرة خصوصا في بعض القطاعات الحيوية، والتي أسندت إلى وجوه تقنوقراطية في النسخة الثانية من الحكومة.
وفيما يلي مقال "جون أفريك" كما ترجمته "فبرايركوم"
يبدو أن رئيس الحكومة المغربية، عبد الإله بنكيران، قد تأخر في إعطاء مضمون حقيقي للتغيير الذي وعد به الناخبين في عام 2011. وارتدى بالمقابل قبعة مغايرة، وانخرط في حرب كلامية مع المعارضة.
بعد مرور أزيد من سنتين على تشكيل الحكومة لم يقتنع العديد من المهتمين بالشأن السياسي بالمغرب بعد بحقيقة أن حزب العدالة والتنمية الإسلامي هو الذي يترأس الحكومة. فهم لازالوا على وقع الصدمة".
2013...سنة بطأ الإصلاحات
بعد خروج حركة 20 فبراير إلى الشارع في أعقاب الانتفاضات التي هزت العديد من دول العالم العربي، تمكن عبد الإله بنكيران من التفاوض بمهارة ضد جزء من نشطاء الحركة، قبل أن تدفع فيما بعد الحركات الاحتجاجية التي عرفها المغرب إلى الإعلان عن الإصلاح الدستوري في عام 2011.
اغتنم الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، عبد الإله بنكيران، فرصة الربيع العربي، وتمكن من الظفر بالانتخابات التشريعية لعام 2011، حيث اعتبره العديد من المغاربة كعلاج للأزمات والمشاكل التي تعرفها البلاد.
وبعد مرور زهاء ثلاث سنوات، على اندلاع الانتفاضات بدول العالم العربي، لازال يعتبر بنكيران نفسه إلى اليوم ضامن الاستقرار، وشريان حياة المؤسسة الملكية. "واليوم يمكننا أن نطرح هذا السؤال: لماذا يصلح بنكيران؟"، يتساءل عبد الله الترابي، المتخصص في الإسلام السياسي.
إذا عدنا إلى الوراء شيئا ما، فسنجد بطبيعة الحال، أن زعيم الإسلاميين، عبد الإله بنكيران، قد استغل جميع مقابلاته الصحفية المطولة للتأكيد على أنه ليس معارضا للقصر، وبأن علاقته مع المؤسسة الملكية تنبني على التعايش والتعاون، ولاتوجد خلافات بينه وبين الملك. إلا أن هذا الخطاب التصالحي في واقع الأمر يبدو مخالفا للواقع.
خيم على سنة 2013 صراع بين بنكيران وحميد شباط، الحليف الرئيسي لحزب العدالة والتنمية بمجلس النواب ب60 مقعدا، قبل أن يتمكن رائد الشعبوية ، من تصعيد لهجته ضد الإسلاميين ، كما أن سنة 2013 بالمغرب قد تميزت بكونها سنة بيضاء على المستوى السياسي، حيث عرفت تباطأ الإصلاحات الرئيسية كإصلاح صندوق المقاصة، و أنظمة التقاعد، وإصدار القوانين التنظيمية، كما أن عبد الإله بنكيران بالكاد تمكن من تعويض خروج حزب الاستقلال من الائتلاف الحكومي، وتعويضه بعدو الأمس، حزب التجمع الوطني للأحرار.
برز القصر أثناء تشكيل النسخة الثانية من الحكومة كقوة نافذة، حيث تمكن الملك من فرض أجندته على حكومة عبد الإله بنكيران، سواء في مجال التعليم، أو الهجرة، أو إعادة تأهيل مدينة الدارالبيضاء." أما بالنسبة لزعيم الإسلاميين، يضيف الترابي، فان الاختبار الحقيقي له ولحزبه، سيكون في سنة2016، حيث يتوجب "البجيدي"، الذي أسند العديد من الحقائب الوزارية لتقنوقراط التجمع الوطني للأحرار لتعزيز طمأنة رجال الأعمال على وجه الخصوص، الفوز في الانتخابات التشريعية للحفاظ على رئاسة الحكومة.
الوفا... سلاح بنكيران السري في الحرب ضد المعارضة
استغل بنكيران كسياسي محنك، انقسامات المعارضة . فالكتلة أصيبت بالانهيار في عام 2011 . والاشتراكيون ما زالوا يبحثون لهم عن موطئ قدم رفقة زعيمهم الجديد، إدريس لشكر، الذي لازالت الشكوك تحوم حول شرعيته. أما بالنسبة لحميد شباط، فيبدو أنه خسر على المدى القصير، مواجهته مع الإسلاميين.
أما الأسوأ في هذا المسلسل، فهو من نصيب حزب العدالة والتنمية، الذي وجد نفسه في وضع حرج وهو يرأس حكومة ما بعد الربيع العربي) (... . أما بالنسبة لمحمد الوفا، فقد أضحى السلاح السري لبنكيران في حربه ضد المعارضة. فقد عرف وزير الشؤون الاقتصادية و العامة في حكومة بنكيران الثانية، بانشقاقه عن حزب الاستقلال، وطرده من صفوف حزب علال الفاسي، بسبب عدم انضباطه وتقيده لمقررات والقوانين الداخلية لحزب الميزان.
عرف عن الوفا أنه الوزير الوحيد من وزراء الاستقلال الذي رفض تقديم الاستقالة من الحكومة، ولمكافأته على هذه المعارضة ، حافظ له بنكيران على منصبه.
كان يعتقد في الوهلة الأولى قبل تشكيل الحكومة الثانية أن الوفا سيحافظ على حقيبته بوزارة التربية الوطنية، إلا أن الانتقادات اللاذعة التي وجهها الملك محمد السادس ضد سياسة الحكومة في القطاع في شهر يوليوز الماضي، جعلته يدرك فيما بعد أن حفاظه على تلك الحقيبة ليست خيارا بين يديه، وأن مهمته على رأس وزارة التربية الوطنية أصبحت وشيكة.
بعد ميلاد النسخة الثانية من الحكومة، نقل الوفا إلى وزارة الشؤون العامة والحكامة، وتمكن من الحفاظ على منصبه، بسبب قربه من رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، والذي لازال يثني إلى اليوم على مؤهلات الرجل " المتميزة" كما يحلو له أن يصرح كل مرة. فجميع الأشياء كان مخططا لها، من أجل الإطاحة ب"منافس سياسي" من حجم حزب الاستقلال، حتى ولو كان الأمر على شكل ضربات صامتة.