أنهى التعديل الوزاري للعاشر من شهر أكتوبر الجاري بالمغرب، أزمة حكومية دامت ستة أشهر، وهو التعديل الذي عرف عودة قوية لحزب التجمع الوطني للأحرار، ولوزراء تقتوقراط. كانت هذه هي الخلاصة، التي توصلت إليها مجلة "جون أفريك" الفرنسية، في مقال تحليلي خصصته لقراء مسار تشكيل حكومة عبد الإله بنكيران، وأهم السمات، التي طبعت خروج النسخة الثانية مكن الحكومة إلى الوجود.
" إلى العمل !كانت هذه هي الوصية التي قدمها الملك محمد السادس لوزرائه بعد أن حثهم على العودة إلى العمل، مباشرة بعد أن أخدت للجميع صورة جماعية، جرى التقاطها يوم 10 أكتوبر الجاري.
ففي الوقت الذي تغيرت فيه حقائب بعض الوزراء، دخل إلى الحكومة الجديدة خمسة عشر وزيرا. وبعد خمسة أيام فقط، جرى تنفيذ أوامر الملك محمد السادس، حيث عقد مجلس للحكومة، عرف تقديم الخطوط العريضة للقانون المالي لسنة 2014، تلاها مجلس وزاري مع الملك محمد السادس، للموافقة على المشروع. "لقد حان الوقت لإعادة تشغيل الآلة الحكومية، وعلينا التحلي بروح المسؤولية في أوقات الأزمات " هكذا صرح نبيل بنعبد الله .
مساومات صعبة:
سيتطلب انسحاب حزب الاستقلال من الحكومة، وتعيين الوزراء الجدد، التي انتهت بدخول حزب التجمع الوطني للأحرار، وقتا طويلا من عبد الإله بنكيران، دام ستة أشهر. فقد كان على رئيس الحكومة أن يضيف الكثير من الماء إلى كوب الشاي، من أجل تشكيل ائتلافه الحكومي، فقد توصل عبد الإله بنكيران، الذي رفض املاءات حميد شباط، زعيم حزب الاستقلال، بإجراء تعديل حكومي، إلى اتفاق مواتي مع صلاح الدين مزوار، زعيم التجمع الوطني للأحرار، أفضى إلى حصول التجمعيين على ثمانية حقائب وزارية. "حزب التجمع الوطني للأحرار حصل على حقائب أكبر من التي طالبنا بها" هكذا علق أحد الاستقلاليين.
فمنذ انسحاب حزبه من الائتلاف الحكومي، تحول حميد شباط لما يشبه عقدة "أديب"، ولأكبر معارض لحزب العدالة والتنمية، كما تدل على ذلك المعركة الشرسة بين الحزبين خلال الانتخابات الجزئية التشريعية بدائرة مولاي عقوب في الثالث من أكتوبر الجاري.
يتموقع حزب التجمع الوطني للأحرار، المعروف بقربه من رجال الأعمال، إلى حد ما ضمن أحزاب الوسط ، فقد سبق لقائده صلاح الدين مزوار، أن شكل تحالفا قصير الأجل، من ثمانية أحزاب عرف ب "G8"، لمحاصرة الإسلاميين، في نونبر من عام 2011، لكنه لم يعمر طويلا. كما أن كان أعضاء حزب التجمع الوطني للأحرار يصرون دائما على أن أداء الحكومة، أداء ضعيف، لاسيما في الميدان الاقتصادي. أما صلاح الدين مزوار، فقد سبق وأن خاض سجالا سياسيا مع أحد أبرز قيادي حزب العدالة والتنمية، ويتعلق الأمر بعبد الله بوانو، رئيس الفريق البرلماني لحزب العدالة والتنمية بمجلس النواب، والبرلماني عن مدينة وجدة، محمد أفتاتي، حول قضية البريمات، والتعويضات، التي كان يتبادلها صلاح الدين مزوار، حينما كان وزيرا للاقتصاد والمالية، مع نور الدين بنسودة، الخازن العام للملكة، وقد تسربت آنذاك وثائق تخص هذه التعويضات للصحافة، لكن مفاوضات تشكيل الحكومة عجلت بطي فصول هذا الملف، حيث اتفق الكل على المضي إلى الأمام، وأجراء المفاوضات.
مغادرة العثماني : ضربة قاسية للبيجيدي: لم يكن من السهل على البيجيدي معالجة قضية صلاح الدين مزوار ، فقائد حزب الحمامة، طالب أثناء المفاوضات، بالحصول على حقيبة الاقتصاد والمالية كاملة، الأمر الذي كان يعني بالنسبة لعبد الإله بنكيران، التخلي عن إدريس الأزمي الإدريسي، كوزير منتدب مكلف بالميزانية، إلا أن الأزمي كان يعتبر عين البيجيدي على ميزانية المملكة، كما كان خبيرا في قضايا المالية "الغامضة"، بحكم مساره المهني في هذا المجال.
حاول صلاح الدين مزوار، تعويض عزيز أخنوش على رأس وزارة الاقتصاد والمالية، التي عين بها من قبل . أخنوش الذي دخل إلى وزارة الفلاحة سنة 2007، تحت راية التجمع الوطني للأحرار، قبل أن يغادر الحزب مجددا، ليلتحق بحكومة عبد الإله بنكيران في نسختها الأولى في يناير من عام 2012.
وأمام رغبة عبد الإله بنكيران في الاحتفاظ بإدريس الأزمي الإدريسي، أخرج صلاح الدين مزوار ورقة وزارة الشؤون الخارجية والتعاون، فعلى رأس الدبلوماسية المغربية سيتمتع رئيس التجمع الوطني للأحرار بحرية مطلقة. وعلى غرار سلفه سعد الدين العثماني، الذي كان مدعوما بيوسف العمراني، كدبلوماسي من الوزن الثقيل، فقد تم دعم صلاح الدين مزوار بدوره، بمباركة بوعيدة (38 عام)، كوزيرة منتدبة من حزبه، وهي التي تعتبر من النجوم الصاعدة في حزب التجمع الوطني للأحرار.
تنحدر مباركة بوعيدة، من منطقة الصحراء، فهي ابنة أحد المقاولين الصحراويين، الذين يملكون شركة للهيدروكاربورات، حيث سبق وأن انتخبت في سنة 2007، كبرلمانية عن مدينة كلميم، كما انتخبت أيضا بمجلس مدينة الدارالبيضاء في سنة 2009.
أما مغادرة سعد الدين العثماني لوزارة الشؤون الخارجية والتعاون، فقد شكل ضربة قاسية لحزب العدالة والتنمية، الذي وجد نفسه في الآن ذاته، مجبرا على التخلي عن وزارة مهمة، وعلى أحد أبرز رجالاته الأقوياء. وهو الشيء الذي اعتبر في نظر البعض "خطأ في الكاستينغ"، حيث كان موقف العثماني الرافض للانقلاب على الرئيس المصري محمد مرسي، كافيا للإطاحة به من الخارجية، ليستعد بعده للعودة إلى عيادته كطبيب نفساني بالعاصمة الرباط. كما سجلت حكومة بنكيران الثانية عودة جديدة للوزراء التقنوقراط، ليس فقط لأن حزب التجمع الوطني للأحرار يضم رجال أعمال ومقاولين، لكن أيضا، لأن قطاعات جد مهمة أسندت لشخصيات لا لون حزبي لها، حيث باتوا يشكلون 8 وزراء من أصل 38 وزيرا.