لائحة الولاة والعمال التي أعلن عنها يوم الجمعة صدمت الكثيرين ممن كانوا يتطلعون إلى رؤية وجوه جديدة ودماء مغايرة في وزارة الداخلية التي كانت ومازالت إحدى أكبر القلاع المحافظة، والتي لم تنخرط إلى الآن في مسار التحول الديمقراطي. ورغم أن رئيس الحكومة قال لأعضاء حزبه إنه وضع رتوشات على اللائحة التي جاءت من مكتبي امحند العنصر والشرقي الضريس، وإن مشاورات مباشرة كانت له مع الملك حول بعض الأسماء تطبيقا للدستور الجديد الذي أعطى لرئيس الحكومة حق اقتراح أسماء الولاة والعمال على الملك، فإن اللائحة الجديدة جاءت خالية من روح التغيير، ومن روح الربيع العربي، والأمل في رؤية البلاد تتجه نحو أسلوب جديد في إدارة السلطة. عبد العالي حامي الدين، عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، تساءل، أول أمس في ندوة بالرباط، عن سر غياب رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران عن حفل تنصيب الولاة والعمال الجدد، وحسن طارق، عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي، تساءل بدوره عن مبرر احتفاظ بنكيران بعدد من الولاة والعمال والمدراء الكبار في وزارة الداخلية رغم أنهم كانوا يجهرون بالعداء لحزب العدالة والتنمية. الأجوبة هنا ليست مهمة، الأسئلة وحدها تستنبط أجوبة ومؤشرات مقلقة عن انزلاقات تدريجية نحو التنازل عن التأويل الديمقراطي للدستور، وتقديم تنازلات غير مبررة وغير مفيدة لا للحكومة ولا للقصر ولا للتجربة المغربية التي تريد أن تسير في طريق ثالث ما بين الجمود السياسي، الذي مازال مهيمنا على جل الدول العربية، وثورات الربيع العربي التي قلبت الطاولة على بنعلي ومبارك والقذافي وعلي عبد الله صالح وبشار الأسد، لكنها لم ترس إلى الآن أنظمة ديمقراطية مستقرة لأسباب معقدة. بدأت الحكومة نصف الملتحية تأكل من رصيدها الشعبي، وتصدم الرأي العام الذي مازال يعلق عليها آمالا كبيرة في أن يرى مغربا جديدا يولد، لا أن يسمع خطابا عن التغيير ويرى واقعا جامدا يشتغل بنفس العقليات السابقة التي أوصلت البلاد إلى السكتة القلبية والعقلية معا. السيد بنكيران لا يشتغل فقط بالوثيقة الدستورية، التي تشكل أساس التعاقد بينه بين باقي الأطراف، بل يشتغل بنظام الأعراف والتقاليد التي تراكمت عبر العقود مكبلة عجلة التغيير، وواضعة رجل المغرب في حذاء صيني من خشب حتى لا تكبر على القالب الموضوع لها. بنكيران يكرر أخطاء اليوسفي الذي راهن على الثقة وليس على التعاقد. المشكلة أن اليوسفي سيجد له المؤرخون أعذارا لن يجدوها لبنكيران الذي بين يديه أوراق رابحة كثيرة يهدرها اليوم، مثل الربيع العربي الذي أضعف السلطوية في العالم العربي، والدستور الجديد الذي أعطى إمكانات كبيرة للتأويل البرلماني للملكية، وعدد مهم من المقاعد في مجلس النواب، وتعاطف كبير في الشارع. كل هذه إمكانات إذا لم يستغلها بنكيران في ولاية حكومية تأسيسية سيضيع على البلاد فرصة لا تعوض للخروج من ورطة الجمود وتحقيق التحول الديمقراطي الذي يحدث قطيعة بين ما قبله وما بعده.