في تاريخ المغرب الحديث، ومند الاستقلال حتى يومنا هذا، لم تتوفر لرئيس حكومة – وزير أول سابقا – إمكانات كبيرة، ودعم شعبي مهم حسب الرواية الرسمية ، وظروف داخلية ودولية مناسبة للاشتغال، كما هو حال السيد عبد الإله بنكيران اليوم، حيث الوسائل القانونية، والوثيقة الدستورية، والتزكية الشعبية، تشكل دعائم قوية لممارسة اختصاصاته. إلا أن كل ذلك لم يشفع لرئيس الحكومة امتلاك شخصية قوية لممارسة سلطاته التنفيذية المكفولة دستوريا، وظل أقصى ما يقوم به هو البحث عن تبرير الفشل ومحاولة التستر عليه. - الوثيقة الدستورية: التعديلات التي عرفها الدستور المغربي على علاتها – بعد موجة الاحتجاجات التي أحدثها الربيع العربي، أعطت صلاحيات غير مسبوقة لرئيس الحكومة، وخولته سلطات مهمة لتطبيق إصلاحاته، لم تتح لأي وزير أول مغربي من قبل، حيث تعد مسالة الضمانات الدستورية والقانونية آلية مهمة من أجل ضبط المجال، وتوضيح حدوده على المستوى التنفيذي، فيما بين رئيس الحكومة والمؤسسة الملكية. لذلك نعتقد أنها سابقة في حياة المغرب الدستورية. بل أكثر من ذلك فرئيس الحكومة وأغلبيته هم من تخلوا طواعية للملك عن بعض المؤسسات الاستراتيجية ليمتلك فيها سلطة التعيين. - الظروف السياسية المحلية والدولية: جاء بنكيران إلى الحكم على ظهر الربيع العربي، الذي حرك مياها راكدة كثيرة، وغيّر معادلات كبيرة كانت سائدة في المنطقة، وخلق وضعا وتجاذبات جديدة قلبت موازين القوى رأسا على عقب، مثل ما أصبحت عليه الحركات الإسلامية، حيث هي اللاعب الأساسي في المشهد السياسي بكل من المغرب وتونس ومصر، بعدما كان الجميع يتحاشى التعامل معها سواء الداخل أو الخارج، بفعل تصويرهم من طرف الديكتاتوريات العربية كبعبع مخيف. - السند الشعبي: تعتمد حكومة بنكيران على شرعية شعبية، من خلال احتلالها المرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية التي شهدتها البلاد مؤخرا، مما يوفر لها أدوات وأسلحة مهمة لمواجهة العقلية التسلطية والتي لا تؤمن إلا بمنطق التعليمات. مما يجعلها حكومة شعبية لا حكومة تكنوقراط تنتظر الأوامر، عوض تطبيق البرنامج الانتخابي الذي حصلت بموجبه على أغلبية المقاعد والذي هو بمثابة تعاقد بينها وبين الناخبين. لهذه الظروف أمكننا القول أن رئيس الحكومة يتوفر على قدر ليس بالهيّن من الوسائل، والآليات التي يمكنه الاعتماد عليها في تنفيذ سياسته الحكومية، لكن الواقع غير ذلك وهذا ما يبرز من خلال النماذج التالية: دفاتر التحملات: أثارت دفاتر التحملات التي طرحها وزير الإعلام للنقاش الكثير من القيل والقال، وأسالت مدادا كثيرا. وبغض النظر عن المحتوى، فإن ما رافقها من نقاش يطرح تساؤلات عديدة، خاصة وأنها سلكت القنوات الصحيحة قبل الخروج لحيّز الوجود، من استشارة الوزارة مع المعنيين، ومصادقة الهاكا عليها، ونيل موافقة رئيس الحكومة، ليتفاجأ المغاربة بوقفها وإرجائها إلى وقت لاحق وذلك بمبررات واهية. والأكثر غرابة من ذلك رفضها من طرف موظفين بالقنوات العمومية يفترض فيهم تطبيق السياسة الحكومية، لا إبداء الرأي فيها في تحد تام للسيد رئيس الحكومة، والذي برر ذلك بوجود لوبيات تمنعه من وضع سياسته. تعيين العمال والولاة: أثارت عملية تعيين عدد من الولاة والعمال نقاشا كبيرا، على اعتبار أنه لم يلمس أي تغيير، وبدا كأن العملية مجرد تبادل للأماكن بين المسئولين الترابيين ليس إلا، وأن عددا منهم كانوا متهمين بالفساد، بل تمت ترقية بعض المشبوهين، ومنهم من كان بنكيران وحزبه ينعتونهم بالمفسدين للعملية الانتخابية والمحاربين لحزبهم عندما كانوا في المعارضة. غير أن المثير في هذه العملية هي تبريرات رئيس الحكومة حول بقائهم في مناصبهم، بقوله تارة أنه يثق في وزير داخليته وبالتالي قام بقبول اللائحة بناء على الثقة، وبين تبريره بصعوبة معرفة السير الذاتية لكل العمال، ليكتمل الأمر بأبرز وأغرب تفسير ذلك الذي قاله في أسبانيا من أن بعض العمال سيرتهم ليست جيدة ولكنهم يليقون لبعض الأعمال، وفي بعض الأماكن رغم أنهم مفسدون، في مفارقة بنكيرانية عجيبة. المعطلين الحائط القصير لتطبيق القانون: القرار الوحيد الذي اتخذه بنكيران، وهو في قمة إحساسه بالانتصار، وقاله بصوت جهوري عال هو: منع التوظيف المباشر بحجة احترام القانون، ورغم دعوة كل الأحزاب له – بما فيها الأحزاب المشاركة في الحكومة كحزب الاستقلال – إلى توظيف أصحاب محضر 20 يوليو، فإنه أقسم بأغلظ الأيمان على رفض ذلك، حتى ولو أدى الأمر إلى تنازل شعبيته، لكن لماذا لم يقم بنكيران بنفس الأمر عندما رفضت دفاتر التحملات، و كان يفترض فيه أن يخرج مهددا باستقالته عندما رفضت سيطايل والعرايشي وبن الشيخ – وهم مجرد موظفين – دفاتره؟ أم أن المعطلين لا توجد جهات متنفذة تحميهم، وتنهر بنكيران ليمتثل كعادته في صمت. ثم لماذا لم يستطيع أن يفرض سلطته الشكلية – إلا على المعطلين في تجسيد واضح لمبدأ “الحكرة” الذي دأب المغاربة على التعايش معه بشكل سلس مند زمان. يصعب تحديد دور السيد بنكيران، كما أن وضعه محّير، وغير مفهوم، مما يجعلنا نتساءل هل بنكيران رجل سلطة يملك أدوات ينفذ بها برنامجه الانتخابي، أم أنه مجرد موظف حكومي يعاني من تسلط وتعسف رؤسائه؟ خاصة عندما يبرر أسباب فشله في القيام بواجبه، و كذا فرض سلطته، بوجود أنواع من الوحوش المفترسة – عفانا الله وإياكم – كالتماسيح والعفاريت… أو قوله بأن “الملك هو المسؤول عن تنزيل الدستور لأنه رئيس الدولة”. فما دورك السيد بنكيران وأنت تمتلك تفويض شعبي عبر آلية ديمقراطية؟ عبد الرحيم بندغة ……………………………………. [email protected]