جاءت هذه الرسالة من شهيد الى أمه، فى 27 يونيو 2013
كنت أظن يا أمى أن الثورة ستحقق لك العدل والكرامة، لكن الدماء أغرقت الشوارع والميادين دون أن يتحقق الحلم، شهدت عذابك يا أمى دون أن أملك القوة فى طفولتى لأخفف عنك، كنت أود أن أضحى بحياتى كى يعتدل ميزان العدل، فلا تحزنى أن مت، فقط ضعى يدك على رأسى ولا تفارقينى فأنت الوحيدة التى يمكن أن ترانى وأنا أموت.
وإذا جاءت زوجاتى فأغلقى بينى وبينهن الباب حتى لا يشمتن فى موتى، وإذا جاء أبى فامنعيه من الدخول، فهو الذى أدخلنى كلية التجارة رغم إرادتى، وتعرفين أننى لم أحب التجارة ولا أبى، منذ رأيته فى الليل معها، كنت طفلا وضربنى فى الصباح لأشرب اللبن، وكل صباح أصبح يضربنى، فأشرب اللبن ثم أتقيؤه، كان يهددنى بالموت إن قلت لك، حملت الثقل فى قلبى، تغسلين سرواله وفى أنفك رائحة الخيانة تشمين، وفى عينيك أدرك أنك تعرفين، تغسلين وتطبخين وحتى يعود آخر الليل تنتظرين، ترين الكذب فى عينيه وتصمتين، لو أنك نطقت مرة، لو أنك رفضت أو تمردت؟ لو ذهبت إلى رجل آخر؟ ربما نمى لدى إحساس بالعدالة.
كنت أسمع المدرس يقول العين بالعين والخيانة بالخيانة، وظلت خيانة أبى محفورة فى الكون بلا فعل منك يمسحها، يزداد الخلل فى ميزان العدالة حين أراك فى وجهه تبتسمين، لم يكف أبى عن خيانتك ولم تكفى عن الوفاء له، ثم اعترفت لك يا أمى، لكنك لم تسمعى وإن سمعت تصمتى، لم أفهم لماذا تقابلين الخيانة بالوفاء ثم عرفت أنك كنت تخافين، وكل ليلة تبكين، وفى النوم تحلمين أنك نفذت تعاليم العين بالعين والخيانة بالخيانة، لكنك فى الصباح تتراجعين، لو أنك قاومت الظلم مرة؟ لو أنك دافعت عن حقك؟ ربما عرفت أنا العدالة، إن عجزت عن الدفاع عن حقك فهل تدافعين عن حقى يا أمى؟
ترين أبى يظلمنى ويضربنى، وفى كل صراع بينى وبينه تقفين تتفرجين، وإذا اشتد الصراع تنحازين إليه وعنه تدافعين، هو على صواب دائما وأنت عن الحق لا تدافعين، لو أنك قلت مرة إنه أخطأ، لو أنك حكمت مرة بالعدل؟ ربما عرفت أنا العدل، ربما قابلت الوفاء بالوفاء، لكنى أصبحت مثلك يا أمى أقابل الخيانة بالوفاء، وأصبحت مثل أبى أخون من تخلص لى وأخلص لمن تخوننى، أول امرأة فى حياتى كانت الخادمة الصغيرة تشمر جلبابها وتنثنى لتمسح البلاط فيصعد الدم إلى رأسى ثم يهبط ساخنا إلى أسفل، وتغلقين عليها باب المطبخ بالمفتاح، كنت أرى أبى يسرق المفتاح، ولم أقل لك، وإن قلت فأنت لا تسمعين، وإن سمعت تصمتى، فأصبحت أصمت مثلك وأخاف أن أنهض فى الليل فأراه معها فى المطبخ، وأحبس البول حتى الصباح، ويقول أبى إننى أبول فى الفراش، وأمشى فى النوم، وأقول إننى رأيته معها فترتعدين ولا تصدقين، وإذا ضربنى وقفت معه وعن الحق لا تدافعين، لو أنك وقفت مع الحق مرة؟
ربما فعلت مثلك، لكنك أبدا لم تفعلى، وسرقت من جيبك المفتاح، وحين يرانى أبى يصمت وحين أراه أصمت، وأصبحت لى حياة علنية تتناقض مع حياتى السرية، سأموت يا أمى فهل يعتدل ميزان العدل؟