قديماً، توقف المد العثماني عند الحدود الجزائرية المغربية ولم يستطع العثمانيون دخول بلادنا. ويبدو أن طيب رجب أردوغان فهم ذلك جيداً، فقرَر هذه المرة بداية زيارته للمغرب العربي من المغرب لعل وعسى "يجيب الله التيسير". لكن الرياح جرت بما لا تشتهيه السفن، لأن رئيس حكومة المغرب فشل في تنظيم أول زيارة لرئيس وزراء أجنبي يقوم بدعوته. ومرَت زيارة أردوغان وكأن الرجل أتى ليرتاح سويعاتٍ قليلة قبل بدء جدول أعماله الاقتصادي الجاد والغني مع الجزائريين. والحقيقة هي أن السيد أردوغان حل ضيفاً على حزب العدالة والتنمية، وليس ضيفاً على الدولة المغربية. ويبدو أن السيد أردوغان حقق أهداف زيارته ونقل التعليمات لمن يهمه الأمر ليلاً، ومضى في طريقه غير مبالٍ لا ببنكيران و لا بغيره.
فرئيس الوزراء التركي رفض تسلُم دكتوراه فخرية بالرباط، وتسلَم دكتوراه فخرية بالجزائر. والسيد رئيس الوزراء التركي، الذي أخذه بنكيران ووزراء العدالة والتنمية إلى "الضريح"، ألقى خطاباً أمام البرلمان الجزائري. والسيد رئيس الوزراء التركي، الذي جاء ليخبر رئيس حكومة المغرب بأن ملك المغرب سيزور تركيا العام المقبل ودعا رجال الأعمال المغاربة للقائه بتركيا، افتتح مصانع تركية بالجزائر تساوي الملايير وتخلق آلاف فرص الشغل.
مصيبتنا الكبرى، التي ابتلانا الله بها، هي أن حكومتنا المحترمة فاشلة في كل شيء : حكومة لم تستطع التعامل لا مع حلفائها ولا مع معارضيها، ولم تستطع تحقيق أي إنجاز لا اقتصادي ولا سياسي ولا اجتماعي لا مع حلفائها ولا مع معارضيها.
وفي الواقع لا ندري ما محل السيد بنكيران من الإعراب ؟ ولا نعرف ما هو دوره بالضبط ؟ هل هو فعلاً رئيس حكومة يملك حق التوقيع على القرارات ويرأس حكومة مكونة من 30 وزير ووزيرة واحدة يجب أن تحاسب عن عملها وبرنامجها، أم هو مجرد مواطن وجد نفسه بين ليلة وضحاها رئيساً للحكومة ؟
ببساطة السيد بنكيران كان و لا زال "شاهد ما شفش حاجة".
والحقيقة المرة هي أن بنكيران و أردوغان وجهان لعملة واحدة، فالأول يمثل حقيقة الفكر الأصولي المحافظ الذي يفتقد لكل شيء ولا يملك سوى خطاب شعبوي يتاجر بهموم الناس، والثاني يمثل رمز الدكتاتورية المغلفة بالإنجازات الاقتصادية. وأوجه الشبه كثيرة بين الرجلين، فالسيد بنكيران يجلد بضعة آلاف من المعطلين في الشوارع منذ عامين ويرفض تنفيذ حكم قضائي بتشغيلهم، والسيد أردوغان يجلد الآلاف من المواطنين الأتراك لأنهم يريدون الحفاظ على أشجار حديقة وسط عاصمتهم يريد أردوغان اقتلاعها.
وعندما يتحدث المعارضون في المغرب، فالسيد بنكيران يذكرهم بعدد الأصوات التي حصل عليها في الانتخابات، ولو استدعى الأمر فهو يهدد بالنزول إلى الشارع للدفاع عن الشرعية المزعومة. وكذلك يفعل أردوغان مع معارضيه، فبعد عودته من جولته المغاربية ذكَر معارضيه بفوزه بالانتخابات وبأنه قادر على حشد الملايين في الشوارع. ويبدو أن البلدان تختلف، لكن مدرسة الإخوان واحدة لا تعترف إلا بالصوت الواحد والرأي الواحد والفكر الواحد والتَقيَة حتى التَمكُن ثم التَنكُر للجميع.
هؤلاء الناس يختزلون الديمقراطية في الانتخابات فقط، لكن الديمقراطية أوسع وأشمل. الديمقراطية ثقافة تنتشر وتعاش في كل يوم وفي كل حين وفي كل مكان وليس فقط يوم الاقتراع.
بنكيران وأردوغان وجهان لعملة واحدة فعلاً : فالأول يرى في صديقه التركي قدوةً استطاع التحكم في الدولة وأمعائها و غلف ديكتاتوريته بإنجازات اقتصادية، والثاني يرى في صديقه المغربي وجهه الحقيقي دون مساحيق.