يعيش المجتمع المغربي تحولات قيمية عميقة وغير منتظرة خصوصا لدى الشباب المغربي الذي طالما عرف في العقود السابقة بتفاؤله ونشاطه ونضاليته، اليوم شباب المغرب عازف عن كل شئ، عن السياسة وعن الثقافة وحتى عن ممارسة الرياضة وان كان تتبع المباريات الرياضية يستهويه بشكل كبير وغير طبيعي اطلاقا. المجتمع المغربي يتطرف شيئا فشيئا وفضيلة التسامح وقيمة احترام اختلاف الاراء بدأت تتلاشى تدريجيا لديه، التفكيك المتواتر للشبكات والخلايا الارهابية بالمغرب مؤشر على أن الارهاب يخترق المجتمع المغربي، كتابات الشباب على جدران المدارس والمؤسسات العمومية والتي تحتوي عبارات الكراهية والسب والشتم ورفع شباب مغاربة لافتات ترمز لتنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام تمنع لبس البكينيات على الشواطئ المغربية بدعوى احترام الشهر الفضيل أو تهديد المفطرين في رمضان بالقتل والتحريض ضد الفنانين والاساءة لهم، كلها ظواهر جديدة في المجتمع المغربي رغم أنها لحد الان تبدو متفرقة وهامشية الا أنها تحمل بذور تحول قيمي في المجتمع المغربي بغالبيته الشابة نحو التطرف والعنف والذي قد يلبس لبوس الدين في المستقبل مما سيشكل تهديداجديا لأمن واستقرار المغرب أي عندما يتزوج العنف بالدين فمعنى ذلك استنساخ النماذج الداعشية الأخرى. في هذا الصدد اتفق مع المرحوم الدكتور شاكر النابلسي عندما قال في كتابه القيم أسئلة الحمقى والذي انصح بقراءته ص 51″هناك حقيقة تاريخية وهي ان الارهاب الذي نشهده لو لم يوجد الآن لوجد في المستقبل القريب ، نتيجة لعدة عوامل مجتمعة ومتضامنة، منها انظمة التعليم الديني على نحو خاص، ومنها معدلات البطالة المرتفعة، وانتشار الامية الابجدية والثقافية، وارتفاع معدلات الفساد السياسي والمالي المنتشر، وهي كلها اسباب لا ترى الأصولية لها حل الا العنف، وبالعنف في وجه من تعتقد أنه يحمي الانظمة التي تمارس كل هذه الكبائر » المغرب لا بد أن ينتبه الى ان المجتمع المغربي ينحو نحو العنف وانهيار القيم التسامحية، ولانعتقد أن اغراق شاشات التلفازات المغربية ببرامج التعرية الفنية والثقافية والموسيقى الصاخبة قادرة على حل اشكالات قيمية أعمق بكثير وتحتاج إلى تدبير ثقافي وسياسي وديني حكيم وجرئ. الدولة المغربية عليها أن لا تلعب دور الزرافة التي تدفن راسها في الرمال ظنا ان لا أحد يراها، وان تعترف بان قتل النخب السياسية والفكرية وتدجين المجتمع المدني وتمييع الحياة السياسية رغم انها قوت موقع الدولة كدولة استبدادية محتكرة للمجال العام، ولكنها ستفشل في مواجهة التطرف الحالي بالطرق الأمنية فقط لأن النخب والفئات الوسطى التي كانت ستقوم بها العمل تم وأدها في الماضي واقصائها من المشاركة السياسية الحقيقية، فتقزيم الاحزاب التاريخية وضرب استقلالية قرارها السياسي وافراغ المجتمع المدني من مضمونه النضالي وتعبئته من اجل التنمية الحجرية الاسمنتية فقط وتغييب دوره التنويري والاحتجاجي كسلطة مستقلة مراقبة للسياسات العمومية، هذا الفراغ الكبير الناتج عن استراتيجية الدولة في ما مضى في اضعاف الجميع من أجل السيادة المطلقة للدولة ستؤدي الدولة والمجتمع معا ثمن هذا الاضعاف وهذا الفراغ السياسي في المجتمع في شكل عنف وتطرف وقلاقل. يبقى أن نقول بأن اصلاح التعليم ودعم حرية الفاعليين السياسيين والاجتماعيين والاعلاميين والمؤسساتيين وتدشين إصلاح ديني وفصل منهجي بين الدين والسياسة كلها تدابير استعجالية يجب أن يقوم بها الفاعل الرسمي المغربي أي الدولة قبل أن يتدعشن المجتمع المغربي ويصير الاستثناء المغربي سرابا.