وأخيرا هناك أخبار سارة قادمة من مجلس النواب، الذي تحول مؤخراً إلى منصة للتعري بعد أن أقدم النائب المحترم، إدريس الراضي، على تقديم حصة «ستربتيز» مثيرة للاشمئزاز على الهواء مباشرة أمام رئيس الحكومة، ليدافع عن نفسه وعن بطنه أمام بنكيران، الذي اتهم النائب الدستوري بأن شبهات فساد تحوم حوله، وبعد أن تحول المجلس الموقر، في عهد كريم غلاب، إلى منصة لإطلاق شتائم، وسباب لا يمكن للكثيرين أن يسمعوه حتى في الأسواق. وخيرا، قدم مجلس النواب، في جلسة لإحدى لجانه، عرضا جيدا واستجوابا مهما، سياسيا واقتصاديا بمناسبة الاستماع إلى الرئيس المدير العام لصندوق الإيداع والتدبير، أنس العلمي، الذي لم يكن يتخيل أن الظروف ستتغير، وأن البرلمان سيصير له أسنان وأظافر، وسيحشر أنفه في إمبراطورية «بلاس بيتري»، التي تشكل الذراع الاقتصادي للمخزن، والتي لا تقدم حسابا، لا للحكومة ولا للبرلمان. البرلمانيون أحرجوا أنس العلمي الذي لم يجب سوى عن القليل من أسئلة النواب، من جهة لأنه لا يملك أجوبة عن جل هذه الأسئلة، مثل خسارة الصندوق ل700 مليون درهم في صفقة «كلوب ميد» حسب الرواية الرسمية للصندوق، وفي رواية أخرى أكثر من هذا الرقم بثلاثة أضعاف، ومثل دخول «السي دي جي» في مجال الإعلام المرئي والمكتوب وخسارة المليارات مما لا يتفق مع دوره ولا وظيفته، ومثل حكاية الأراضي التي تنزع ملكيتها بسهولة من الدولة ومن الخواص ثم تباع لشركات عقار دون أخرى... ومن جهة أخرى، العلمي موظف، وهو لا يستطيع أن يتخلى عن لغة الخشب، التي توضع على رأس قائمة دفتر تحملات المسؤول قبل وصوله إلى مكتبه. الأجوبة عن كل هذه الأسئلة ليست عند العلمي، بل عند السيد الباكوري الذي أصبح زعيما للمعارضة على رأس حزب الجرار. الأجوبة ليست هي المهمة في بعض الأحيان، وفي بعض الملفات، الأسئلة هي المهمة، لأنها تفتح الأعين، وتكسر الصمت، وتدفع من يهمهم الأمر إلى بداية التفكير في الاختلالات التي تطبع سير المؤسسات. جلسة الاستماع التي عقدها مجلس النواب لمدير إمبراطورية «سي دي جي» كان الأولى أن يقوم بها رئيس الحكومة من أول شهر قضاه في رئاسة الحكومة، بعد أن أعطى الدستور الجديد لهذا الأخير الولاية المطلقة على المؤسسات العمومية، التي كانت تعتبر نفسها مؤسسات فوق حكومية، وأنها حكومة ظل لا علاقة لها بحكومة الشمس التي تحترق تحت أشعة الرأي العام. صندوق الإيداع والتدبير مؤسسة اقتصادية أحدثت في بداية الاستقلال للنهوض بالمشاريع الكبرى التي لا يستطيع القطاع الخاص دخولها، والتي لا تحتمل منطق الربح الذي يحرك المستثمرين الخواص، مثل البنيات التحتية ومؤسسات تمويل قطاعات معينة تدخل في استراتيجية الدولة، ولهذا وضعت أموال الدولة وأموال صناديق التقاعد وأموال اليتامى والمحاجير، وغيرها من الأصول التي في عهدة الدولة، حتى يستثمر الصندوق هذه الأموال في ما يرجع على المصلحة العامة بالفائدة. لكن الذي وقع غير ذلك تماماً، ولو أرسل إدريس جطو، القاضي الأول للمجلس الأعلى للحسابات، قضاته للتحقيق في مسار هذا الصندوق على مدار 50 سنة من الاستقلال لاكتشف العجب في صندوق العجب هذا. إن «السي دي جي»، من خلال نوع الأدوار التي أصبح يلعبها، لم يعد صندوقا أو مؤسسة عامة.. صار ذراعا ماليا خاصا لأوساط معينة في الدولة تفعل به وفيه ما تشاء، تدخل إلى رأسمال هذا الجريدة لهدف معين، وتدخل إلى رأسمال قناة فرنسية لهدف معين، تبيع أسهمها هنا لغرض معين، وتدخل في شراكة مع هذا أو ذاك لغرض معين، توظف فلانا أو علانا لأهداف معينة، تربح تارة وتخسر أخرى، لكنها لا تلعب بحذاء اقتصادي بل سياسي، ولا تتبع الحكومة ولا سياساتها بل تتبع جهات في الحكم لها مخططاتها. الآن هل هناك إرادة سياسية لإصلاح هذا الصندوق الذي زاغ عن الأهداف الأولى التي خلق من أجلها أم لا؟ هل حكومة بنكيران قادرة على إرجاع الصندوق إلى السكة الأولى التي خلق من أجلها؟ إذا لم تستطع، فعلى الأقل لا تجعل البارود والحبة من دار القايد، كما يقول المغاربة. إذا أراد الصندوق أن يخدم أجندات أخرى فليفعل، لكن ليس بأموال صناديق التقاعد وأموال اليتامى والمحاجير. ليمول مخططاته من صناديق أخرى، وآنذاك لا يسألنا إلا الدعاء معه. الاستبداد، الذي يقول بنكيران إنه جاء لوضع حد له، ليس له وجه واحد هو الوجه السياسي، بل له أكثر من وجه اقتصادي ومالي وإعلامي...