احتضنت إحدى قاعات المركب السينمائي «ميغاراما» العرض ما قبل الأول للفيلم المغربي «يا خيل الله»، لمخرجه نبيل عيوش، وذلك صباح يوم الثلاثاء، ليكون الفيلم متاحا للجمهور في القاعات السينمائية المغربية، ابتداء من يومه الأربعاء. وقد شارك الفيلم الطويل في عدة مهرجانات عالمية، من بينها مهرجان «كان» بفرنسا. كما تمكن الجمهور المغربي من مشاهدة آخر عمل لعيوش، خلال مهرجان مراكش الدولي، الذي دخله ضمن مسابقته الرسمية، وتمكن من الظفر بإعجاب الجمهور، إلا أنه لم يتمكن من الحصول على أية جائزة من جوائز المهرجان. يرصد نبيل عيوش، من خلال فيلمه، أدق التفاصيل التي كانت وراء العملية الإرهابية التي هزت المغرب يوم 16 من ماي 2003. وقد اختار المخرج المغربي أن ينقل لجمهوره الأسباب والخلفيات التي رمت بشباب حي «سيدي مومن»، لتفجير أنفسهم وخلق الحدث آنذاك. إلا أن المخرج لم يرو قصة هؤلاء بأفواه من رؤوا وسمعوا فقط، بل روى القصة بأفواههم ونقلها بأعينهم، ليخرج مشاهد الفيلم بعد مشاهدته، واصفا إياهم بالضحايا بذل الإرهابيين. هذه هي الرسالة التي أراد الفنان التشكيلي والكاتب ماحي بينبين إيصالها، لقرائ روايته «نجوم سيدي مومن»، والتي حولها نبيل عيوش لفيلم طويل. كعادته، لم يختر عيوش نجوما للمشاركة في أفلامه السينمائية، بل صنع نجوما من أبطال فيلمه. فقد كان هذا هو الشأن بالنسبة لفيلم «علي زاوا»، الذي اختار فيه المخرج المغربي وجوها غير معروفة، تمكنت من أداء أدوارها ببراعة. تنقل كاميرا عيوش المشاهد إلى أفقر الأحياء البيضاوية وأخطرها، وهو «حي سيدي مومن». اختار المخرج أن يكون المشهد الأول لمباراة لكرة القدم، يستمتع بلعبها أطفال الحي. لتنشب مشادات بين الفريقين، كلمات نابية وحركات سوقية هابطة، هذه هي اللغة التي يفهمها هؤلاء. فهم لم يخيروا ليكون لهم خيار آخر. بعد الصراع الذي نشب، تظهر إحدى اللقطات البطل الشجاع الذي يأتي ليدافع عن أخيه وعن أبناء حيه. بدوره يتكلم لغتهم، ما إن ظهر حتى تراجع أبناء الحي الآخر إلى الوراء، فقد حضر حميد وفي يده سلسلة غليظة يضرب بها كل من اقترب منه. من الملعب إلى الحي، يسلط نبيل عيوش الضوء بوضوح، وبمشاهد فوقية للكاميرا، على الحي الصفيحي، الذي يظهر الفقر على منازله المتهرئة التي لا تدفء من برد ولا تقي من مطر. حميد هو الأخ الأكبر لنبيل، يعيش الأخوان في بيت واحد مع أم تعمل بكد لتوفير لقمة العيش لأسرتها، وأب مصاب بالزهايمر لا يقوى على تذكر حتى أبنائه، وأخ أكبر فقد صوابه. حميد هو رجل البيت، ومساعد أمه على توفير لقمة العيش، بالإضافة إلى أنه سند وحماية أخيه نبيل. لا يدور فيلم نبيل عيوش حول نبيل وحميد فقط، بل إن الأخ الأصغر يصادق أمين الذي تعمل أمه كراقصة «شيخة». ليس لأمين في الدنيا سوى أمه التي لا تعرف سوى الرقص والغناء لجلب لقمة العيش. بسبب مهنة أمه، كان العار يلحق بأمين، حيثما رحل وارتحل. كان هو الفتى المغلوب على أمره، الذي لا يستطيع الدفاع عن نفسه، حتى عندما يقرر أصدقاءه اغتصابه على مرأى من الجميع. يعمل حميد بائعا للمخدرات، فهو مرة أخرى لم يخير إن كان يرغب في عمل محترم أم لا. رغم الصورة المرعبة التي صور لنا بها نبيل عيوش هؤلاء الأطفال «الشمكارة»، إلا أن صفات البشر لم تغب عنهم، هم أيضا يحبون ويحنون ويتعاطفون مع بعضهم. فحميد يرفض باستمرار أن يشغل معه أخاه الأصغر، قائلا له ذات يوم :»يلا مشينا فيها ما نمشيوش بجوج». لم يكن لحميد رادع، فالسلطة تحميه ورجال الأمن يؤمنون له عمله، ويتلقون مقابلا على تغاضيهم عنه وحمايته أيضا. لم يكن حميد يهاب شيئا، إلى أن قرر في يوم من الأيام ضرب أحد رجال الشرطة. كان لتهوره ثمن باهظ، فقد قلبت حياته رأسا على عقب. ألقي القبض على حميد، ووجدت الأسرة نفسها دون معيل، ووجد نبيل نفسه دون سند. ليضطر لمواجهة ضنك الحياة. قضى حميد سنتين في السجن، ليخرج منه إنسانا آخر، فقد أصبح الشاب رجلا «صالحا» يؤدي صلواته، ويقترن برفقة حسنة، وينهى عن المنكر ويأمر بالمعروف. تمكنت إحدى الجماعات التي تختبئ في ظل الإسلام، لفعل ما ينهى عنه دين الاعتدال، من ضمه إلى صفوفها. وإذا كان حميد هو الذي منع أخاه من الاتجار في المخدرات سابقا، فإنه هو الذي حثه على الانضمام معه إلى جماعة إسلامية، ظنا منه أن ذلك هو الطريق الصحيح. نجوم فيلم نبيل عيوش، كانوا مؤهلين لفعل أي شيء، فالفقر والجوع والدعارة والاغتصاب والمخدرات والجهل، كلها عوامل تجعل من الإنسان آلة يسهل التحكم فيها. تمكن عيوش بقوة أن ينقل لنا تفاصيل عملية غسل الدماغ التي تعرض لها الشباب الباحث عن الحياة في الآخرة، بعد أن أعجزته الظروف على عيشها في الواقع. من الصلوات الجماعية إلى مشاهدة الأشرطة الدينية، مرورا بالتدريب على القتال وحياة المعسكرات، والتمرينات على استعمال المتفجرات وأساليب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. الفيلم الذي انتهى بحادث تفجير «دار إسبانيا»، قدم لنا أهم المحطات التي عاشها المغرب من سنة 1994 إلى سنة 2003، خاصة حادث وفاة الحسن الثاني.