منذ قيام الثورة الشعبية فى يناير 2011 واستمرارها حتى كتابة هذا المقال، دفع الشعب المصرى من دماء أبنائه وبناته الكثير، بقدر ما ندفع نحصل على ما نريد، لا تأتى الحرية منحة الحرية تُنتزع بالقوة الثورية وليس بالرجوات والطلبات التى تقدم لرب العائلة أو الدولة، كم دفع الشعب وكم دفعت النساء لتحصل على الكرامة والحرية والعدالة؟ كثيرون خائفون من الثورة الحالية ضد العقلية الدينية التى تريد تطبيق شريعة الحزب الحاكم على الدستور الوطنى للمصريين والمصريات جميعاً. التاريخ يؤكد أن المعركة الشعبية ضد الحكم الدينى بكل أشكاله كانت ضرورية للتحرر العقلى والسياسى والاجتماعى والأخلاقى. غرقت أوروبا فى حروب دموية حتى خرجت من سجن الكنيسة والشريعة والكتاب المقدس تاريخ الأديان، مسيحية يهودية إسلامية هندوكية بوذية أو غيرها، سلسلة لا تنقطع من الحروب الدموية تحت اسم الرب. هل علينا أن نمر بهذه المرحلة لنتحرر؟ بعض الشخصيات فى التاريخ أدركت خطورة سيطرة الفكر الدينى على الدولة والعلم. الفيلسوف «ابن رشد» فى القرن الثانى عشر، لعب فكره المتقدم دورا بارزا فى تطوير عقل أوروبا وانعتاقها من الحكم المسيحى فى العصور الوسطى والحديثة بينما حرقنا نحن كتب ابن رشد، وشوهنا اسمه واعتبرناه كافرا. تأثر رئيس الولاياتالمتحدة توماس جيفرسون بأفكار الفلاسفة العالميين، ومنهم ابن رشد، خاصة إعلاء العقل وربط الخلود بالعمل لصالح المجتمع وليس ممارسة الطقوس والعبادات. وقرر «جيفرسون» عام 1800 إصدار كتاب يعيد فيه تفسير الإنجيل ويحذف منه كل الأجزاء التى لا يقبلها العقل، ومنها قصة مولد المسيح، وخروجه من القبر حياً وغيرها من المعجزات غير المعقولة. رغم اتهامه بالإلحاد والكفر نجح توماس جيفرسون مرتين فى الانتخابات الرئاسية؟ الأجيال الجديدة من الشباب الأمريكى وأساتذة الجامعات يرون أن عقلانية جيفرسون (ومن أتوا بعده حتى باراك أوباما) ارتبطت بالسوق والرأسمالية أكثر منها بالعدالة الاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية. فى جامعة ميشيجين، هذا الخريف 2012، دار النقاش بينى وبين الأساتذة فى القسم الأدبى حول الفلسفة البراجماتية التى تركز على مصلحة الفرد وليس العدالة والمبادئ، هل يرجع ذلك إلى انكماش الوازع الدينى فى الدولة والمجتمع؟ بيانات عام 2011 تقول إن 92٪ من الشعب الأمريكى يؤمنون بوجود الله، لكنه إيمان يورث عبر الأجيال مثل المال والعقار ولا علاقة له بالمبادئ. تساءل أستاذ: وهل الإيمان بوجود الله يجعل الرجل منا أكثر تمسكا بالعدالة والأخلاق؟ تكلم أستاذ آخر عن الحرب الدموية التى أدت إلى تحرير هولندا من الحكم الكاثوليكى الإسبانى، وإعلان استقلالها عام 1581، وانقسام الشعب الهولندى حول فكرة العدالة الاجتماعية والاقتصادية بعد انقسامه حول فكرة وجود الله، وقال أستاذ: لم تتقدم هولندا اقتصاديا واجتماعيا إلا بعد تحررها من الكنيسة والكتاب المقدس، لكنه تقدم رأسمالى استبدل الرب بأرباح السوق، كيف نخرج من سجن السوق والرب معا؟ العلم لا يحل المشكلة لأنه يعجز عن خلق مجتمع فاضل. وصاح أستاذ شاب: مدينة أفلاطون الفاضلة لم تكن عادلة، وبالتالى لم تكن فاضلة، العلم أو الفلسفة مثل الدين لا يؤدى إلى الفضيلة أى العدالة، لابد من تغيير النظام السياسى الاقتصادى الثقافى والتعليمى، ليس أمامنا إلا الانضمام إلى المظاهرات الأخيرة «احتلوا وول ستريت»، ثورة ال99٪ الفقراء (بمن فيهم نحن الطبقة الوسطى) ضد ال1٪ الذين يملكون كل شىء، هل نحن أقل من الشعب المصرى الذى يصنع اليوم ثورة عظيمة؟ وصفق له الجميع طويلا.