سأتحدث اليوم عن الرياضة وربما أيضا عن الدين، لأنهما في الحقيقة وجهان لعملة واحدة. وأجدني وأنا أطرح نقاش اليوم، أنتظر بفارغ الصبر أول أطروحة يأتي بها علم اجتماع أو علم النفس توضح بما لا يدع مجالا إلى الشك، كيف أن مدربي فرق ومنتخبات كرة القدم يلعبون دورا دينيا بكل ما للكلمة من معنى. دعونا نبدأ القصة من أولها. قبل سنة أو سنتين من الآن، كنا نبحث عن مدرب للمنتخب الوطني المغربي، وكنا يومها كما لو أننا ننتظر قدوم مبعوث آخر الزمان. بدأت العلامات والبشائر تظهر، وبدأ بعض المؤمنين وبعض أنبياء الصحافة الرياضية يعلنون قرب مجيئه المهيب...إنه المهدي المنتظر عند المسلمين. ومن الطبيعي، بعد ظهوره، أن نكون ننتظر من مهدينا المنتظر بعض المعجزات، فهذا أقل ما يمكنه فعله. مع إقرارنا بأن المسيح كان رفع سقف المعجزات عاليا من قبل. على أي بالفعل، بدأت المعجزات تتحقق وتفوق المنتخب المغربي على المنتخب الجزائري بأربعة أهداف لصفر، وهي النتيجة غير المتوقعة التي تشبه معركة حامية الوطيس من تلك المعارك المذكورة في الإنجيل، كتلك التي دارت رحاها بين الفرس والميديين ضد الأخيمينيين، وكلها معارك لا تنتهي إلا بمجازر وحشية وتقتيل للنساء والأطفال، أو أعداء الله كما يسميهم الإنجيل. بعد هذا الفوز، أصبح إريك غيريتس، مرتاحا أكثر في منصبه، وبدأ الجميع يرسل إليه الصلوات والدعوات والبركات، والتي نادرا ما يمكن أن تكون فاعلا أو مسؤولا ولا تمتعض منها، فمثل هذه الدعوات المتفائلة التي تجدها مندسة بين ثنايا وأركان الصحف وفي زوايا صغيرة أسفل صفحاتها مبشرة بمجيء الأفضل مستقبلا، تلقي عليك حملا ثقيلا. كل هذا التفاؤل سقط فجأة عندما حدثت مصيبة المصائب. كان ذلك عندما خسر المغرب أمام كل من تونس والغابون، ثم بالكاد نجح في انتزاع فوز صغير ضد منتخب النيجر. بالرغم من أن المغرب لعب بشكل جيد خلال إقصائيات كأس أمم إفريقيا، وكان قاب قوسين من النصر، وهو كلام كان ليقوله كل محلل رياضي موضوعي في تحليله لطريقة لعب المنتخب، وكنا ساعتها سنترك إيريك غيريتس يعيش بسلام. إلا أننا لسنا هنا بصدد "الموضوعية"، ولا حتى بصدد "الرياضة"، نحن هنا أمام "دين" أو"ديانة". ديانة تقتضي من الشعب المنقاد من طرف كبار القساوسة الذين أعلنوا أنفسهم فقهاء كبار في الرياضة، أن يحرق كل ما كان يعشقه بالأمس. وعليه أن ينادي "ليسقط غيريتس"، ليصير هذا الأخير يلعب دور كبش الفداء المعروف والمذكور في العهد القديم. فنحن فجأة نكتشف ان لهذا المدرب، جميع المساوئ والأخطاء التي تجعله حريا بأن يصير المسيح الدجال. بل أسوء من ذلك، يصبح المدرب سفيها في كرة القدم، وتنطلق التحليلات والتعليقات التي تشرح ما الذي كان ينبغي على المدرب السفيه أن يقوم به، تحليلات من قبيل " لماذا لم يدخل "تارتونبيون" مكان "بوعزة"؟"، و"لماذا قسم رعاياه (لاعبيه) على تشكيلة 4-4-2 في حين أن الله شاء دائما أن تكون التشكيلة 4-3-1-1؟" هكذا تتناسل الحجج على ان المسيح الدجال غيريتس ليس إلا الشيطان في شكله البشري، بل أكثر من ذلك شيطان بلجيكي أحمر السحنة قريب من سحنة المصريين، ما قد يجعل التساؤل عن ما إذا كان غيريتس هو ابن عم الفرعون أم لا؟، تساؤلا جائزا حتى. لا ينقص إذن لإتمام النبوءة، إلا القيام بصلبه ليبدأ فصل جديدة من النبوءات والوعود والآمال المبالغ فيها، والمصائب والخيبات والأمل في ظهور المهدي المنتظر من جديد في شكله البشري. أمام وضع مثل هذا، يمتزج فيه الشعور الديني بال"هوليغانزيم" والنيات السيئة لرجال الإعلام، لا يمكننا إلا أن نتمنى كما في كل الميادين الأخرى، مزيدا من العلمانية، من أجل الغالي والنفيس، مزيدا من العلمانية. عن ميدي آن تي في