لا أعرف لماذا « كلفني » أحد مواقع التواصل الاجتماعي بتأسيس ائتلاف جديد للمعارضة السورية. ولا أدري من أين استقى معلومته، الخاطئة جملةً وتفصيلاً، والعارية تماماً عن الصحة. ربما كان سبب قراءته الخاطئة إعلاني في اجتماع هيئته العامة الأخير العزوف عن حضور جلساته، من الآن فصاعداً، في حال تواصات مشاحنات أعضائه، فاعتقد محرر الموقع أنني خرجت من الائتلاف، لأنني سأشكل بديلا له! أو ربما شجعت مواقفي النقدية من سياسات الائتلاف وتركيبته الاعتقاد بأنني أريد تأسيس غيره. أخيراً، ربما كانت لدى من فبرك الخبر رغبة شخصية في وجود ائتلاف جديد، يقوم على أنقاض الحالي، وأراد تكليفي بتشكيله، من دون أخذ رأيي أو استشارتي. ليس من المعقول أن يشكل أحد ائتلافاً جديداً، لمجرد أن موقفه نقدي من ائتلاف قائم، فالأمور ليست هكذا، ولا يجوز أن تكون مزاجية، أو إرادية. ومن يعرف عدد الدول التي تدخلت في تشكيل الائتلاف الحالي الذي يساوي تقريباً عدد أعضائه، يعلم أنها لن تسمح لأحد بإقامة بديل له، خصوصاً إن كان يريد مثلي استعادة قرار السوريين المستقل، أو يسعى إلى علاقاتٍ تتسم بالندية مع الأطراف الخارجية المتحكمة بالمعضلة السورية، التي تتولى إدارتها بكل عناية وحرص. كما أنه ليس باستطاعة أي فرد تشكيل ائتلافٍ مستقلٍ، يعيش من معونات وأعطياتٍ ومنح خارجية، ويخضع لإرادات عربية وأجنبية متناقضة، حتى إذا امتلك قدرات سوبرمانية وخارقة. ومن يعرف بنية مؤسسات الثورة السياسية والعسكرية، وتعقيدات الساحة السورية، ونوعية بعض قادتها، يدرك أن إصلاح الائتلاف لا يكفي وحده لانتشالنا من ورطتنا، وتحريرنا من غفلتنا، ويفهم أن بقاء الائتلاف الحالي على بنيته يجعل الائتلاف البديل أسير واقع هش ومأزوم، يحتم فشله. تكمن مشكلة الائتلاف في امتناعه عن بذل أي جهد جدي، أو منظم، لتغيير وضعه الذاتي، وبالتالي أوضاعه الموضوعية، أو التأثير عليها. في ظل وضع قائم محتجز ومتخلف، وحال موضوعية مليئة بالعيوب، لا يمكن إصلاح أي تنظيم من دون مبادرة قيادته أو موافقتها. لكن مشكلة الائتلاف تكمن هنا بالذات: في رفض قيادته إصلاحه وإفادتها من عيوبه التي تدفعها إلى تعميق انقساماته، كي لا يصير أداة أو حاضنة أي تغيير. في وضع هذه حاله، يصير إقدام أي شخص على مجرد التفكير بتأسيس ائتلاف جديد ضرباً من رغبة عبثية شديدة الإيذاء، حتى إن كان غبياً إلى حدٍ يتجاهل معه دور الخارج المقرر في إدامة بنيته الراهنة، الكابحة للإصلاح والتغيير، وإسهام قياداته وكتله في المحافظة على عيوبه وأخطائه، علماً أن أي إصلاح مستقل سيقضي، تماماً، على موارد الائتلاف المالية، وبالتالي، على فرص تأسيسه واستمراره في وجه خارج جعل من المحال استقلاله، أو انفكاكه عنه، أو تحصينه، من دون تدخلاته في كل كبيرة وصغيرة من شؤونه، وإدارته بالوكالة في أحسن الأحوال، كما في الحد من رغبته في القرار الوطني المستقل، وقدرته على إحرازه، ما دام مجرد سعيه إلى أمر كهذا يفضي إلى حرمانه من لقمة العيش وطلقات البندقية. هذا التعقيد تعززه مصالح تشد أطرافاً في الائتلاف إلى هذه الجهات، وأطرافاً أخرى إلى تلك، وتؤكده علاقاتها مع داعميها المتصارعين، فلا يعقل أن أكون أحمق إلى الحد الذي أقدم معه على تأسيس ائتلاف جديد، أعرف أن قيامه استحالة، وأنه سيضر بشعبنا الذي يريد الوضوح، ولا يحتاج إلى مزيد من البلبلة والضياع، بينما تفلت قضيته أكثر فأكثر من يديه.