هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    مقتل تسعة أشخاص في حادث تحطّم طائرة جنوب البرازيل    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الوظيفة الرمزية لإمارة المؤمنين ترتبط بشكل وثيق بدور التحكيم وحماية الفصل بين السلطات.
نشر في السند يوم 09 - 04 - 2011

بالنسبة للباحث في العلوم الاجتماعية، محمد الطوزي، فإن الإصلاح الذي انطلق بالمغرب ليس تحسينا دستوريا طفيفا، بقدر ما هو إعادة تأسيس للميثاق السياسي الذي يجمع بين الحكام والمحكومين.واعتبر الطوزي أن جلالة الملك محمد السادس «برهن عن جرأة نادرة
من خلال اقتراحه تعديل الميثاق السياسي».
وأبرز أن الأولوية تتمثل في الوقت الراهن في ملكية دستورية، أي نظام يضبط فيه القانون لوحده العلاقات بين الحكام والمحكومين».
هل فوجئتم بالخطاب الملكي للتاسع من مارس؟
إن العمل على العودة إلى الموضوع بعد أسبوعين، دليل على أن التباين ما بين أجندة الملك وانتظارات الرأي العام التي حفزها ربيع الاحتجاجات العربي ضئيل في النهاية. من جهة أخرى، فإن إحداث المجلس الوطني لحقوق الإنسان في الثالث من مارس يدل على أن برنامج الإصلاحات كان معدا منذ شهور.
هل تعتقدون أن مشروع الإصلاحات لم ينتظر الثورات العربية؟
إنه يبين في كل الحالات على أن الملكية تحافظ على قدرتها كاملة على استباق الأحداث.
ما هي مقتضيات الإصلاح التي تراها ذات أهمية أكبر؟
في هذه المرحلة، لا يمكننا الحديث عن مقتضيات، بل بالأحرى حول معايير ذات صلة بتجديد مرتقب. فكما تعرفون، لقد أثار الملك الفصول السبعة المعنية بالإصلاح. ويمكننا الاحتفاظ من بينها على الأقل بثلاثة من المرجح أن تحدث قطيعة، بل تحولا جذريا للنظام. فصل السلط، المساءلة، مسؤولية الحكومة. الأمر الذي يعني أنها ستتمتع بسلطات حقيقية، واستقلالية القضاء. نقطة أساسية أخرى في الخطاب الملكي، الإصلاح الذي يهم المؤسسات الدستورية، بما أن الملكية تشكل جزءا منها، يمكننا أن نستنتج أنه لن يتم استثناؤها من فضاء الإصلاح.
ما رأيكم في المنهجية المتبعة من أجل تنفيذ الإصلاح؟
إنها تعكس بوضوح فلسفة التغيير، الذي يمكنه أن يكون، دون شك، تغييرا جذريا. واسمحوا لي أن أؤكد على هذا، كوني أتخوف من ألا يتم الأخذ بعين الاعتبار، خارج المغرب، الإجراء الكامل للإصلاح. إن الأمر لا يتعلق بتحسين دستوري طفيف، بقدر ما هو إعادة تأسيس للميثاق السياسي الذي يجمع بين الحكام والمحكومين. إن اللجنة التي كلفها الملك لإعداد مشروع الإصلاحات ليست لها مهمة تقنية فقط، إن الكفاءات وانتماءات أعضائها، متخصصون في القانون الدستوري، وفي العلوم السياسية، وممثلون للمجتمع المدني تبرز أنه تم الأخذ بعين الاعتبار حضور كافة مشارب الحقل الاجتماعي والسياسي، ولنا أن نتصور أنها ستكون مدعوة لتأطير النقاش بالبلاد.
لماذا ذهب الملك إلى أبعد من هذا؟
ثمة تفسير يحضر ذهني، في المقام الأول الظرفية السياسية، الربيع العربي، ومطالب حركة 20 فبراير، وهذا لا يكفي لوحده من أجل الإقناع وأعتقد أن عناصر هذا المشروع يجب أن يتم البحث عليها بين ثنايا العمل الذي أنجزه المدافعون عن حقوق الإنسان الذين كانوا يحيطون بإدريس بنزكري [الذي وافته المنية سنة 2007] في إطار هيئة الإنصاف والمصالحة. كما يجب إعادة قراءة التقريرين، الأول المعنون ب«المغرب الممكن»، وتقرير هيئة الإنصاف والمصالحة الذي صادق عليه جلالة الملك سنة 2005 . إن فحوى ذلك كون الحقوق الأساسية للمواطنين والإصلاحات الدستورية قدمت في التقريرين على أنها عناصر غير قابلة للتجزيء. وقتها، كنا نعتقد أن ثمة خطرا يتم تأخيره، وأنه كانت ثمة متنفس محمل بالفرص يجب انتهازها دون التأخر تحت ذريعة وضع التجربة الديمقراطية، بل البلد، في خطر. إن الثورات في تونس ومصر لم تقم إلا بالتسريع بمسار توقف سنة 2005 والذي ناضل لأجل التغلب على عزوف حراس المعبد.
كيف كانت ردة فعل المغاربة؟
كانت غالبية ردود الفعل إيجابية، بل حماسية، بالرغم مما بقي من المتشككين، وهم ليسوا بالضرورة على خطأ، رغم وجود معارضين مهنيين. إن التشكك وكذا اليقظة لهما هنا مكانتهما، لأجل بلوغ الإصلاح الذي يتطلب الجمع ما بين الإرادتين: إرادة الملك، وإرادة البلاد. لا يجب التضحية بشكل مثالي، إن الإصلاح لا يمكنه أن يخدم مصلحة الجميع، وأنه يتوقف على علاقة تجاذب قوة ملائمة. إنه معطى أساسي سوف، دون شك، يؤثر في النقاشات القادمة. إن الملكية ذاتها ليست مثار نقاش، بل مكانتها ودورها، إذا ما تأملنا جيدا في نص الخطاب، مدعوان للتطور والملاءمة والتحول لأجل الإجابة عن انتظارات الرأي العام الشعبي. ويمكن القول، والأمر أساسي في المغرب، بأننا بصدد مفهوم جديد للسلطة، وأن التعبئة حول الإصلاح تعد ضمانة لصحة المجتمع، وستمكن من تيسير، بشكل من الأشكال، مسلسل التغيير وتشجيع الجرأة والتجديد في النقاشات.
هل يمكننا الحديث عن الملكية البرلمانية؟
فعلى المدى القريب أو المتوسط، فإن الملكية البرلمانية تقتضي توفر طبقة سياسية متطلبة، وذات مصداقية، تتحلى بالنضج وتشعر المواطنين بالثقة، وهي أمور مفتقدة في الوقت الراهن. غير انه بالمقابل يمكننا الحديث عن برلمان قوي ومسؤول، وحكومة تضطلع بدورها كاملا، واستقلالية القضاء وهي خطوات متجددة شتى تضمنها الخطاب الملكي لتاسع مارس. والأولوية لملكية دستورية. أي، نظام يضبط فيه القانون لوحده العلاقات بين الحكام والمحكومين والتي تعود بالموروث التاريخي إلى مرتبة الشكليات والمحسنات الجمالية دون أي تأثير على أسس السلطة.
وما هو مصير إمارة المؤمنين؟
إن هذه الوظيفة الرمزية ترتبط بشكل وثيق بدور الحكم وحامي الفصل بين السلطات القضائية والتشريعية والتنفيذية. بفضل هذه الوظيفة، يمكن للملكية، في نظر المغاربة، أن تؤدي مهمتها التاريخية الأخرى، المتمثلة في ضمان التعددية والتنوع. وفي اعتقادي أن وظيفة أمير المؤمنين لن تُطرح عند ذلك، حينما تكون مؤطرة من قبل القانون الدستوري. الانشغالات ذاتها تنطبق حول مسألة لا مسؤولية وقدسية شخص الملك. لا شيء استثنائي بالنسبة للمغرب، ويكفي لأجل الاقتناع بهذا الأمر، أن نلقي نظرة على دساتير الدنمارك، النرويج، بلجيكا، السويد وإسبانيا.
لقد أحالت الاحتجاجات في الأردن على الإصلاحات في المغرب لتحقيق مطالبها. هل ثمة نموذج مغربي يحتذى به بالنسبة للأنظمة في الخليج؟
لقد برهن الملك عن جرأة نادرة من خلال اقتراحه تعديل الميثاق السياسي. واعتقد انه مقتنع على أن السبيل الأمثل للحفاظ على المؤسسة الملكية هو إصلاحها دون المس مع ذلك، كليا، بطبيعة النظام، ولكن من خلال الالتزام بشكل كامل بتأهيلها لمستوى المعايير الدولية. وهذا الخيار لا يتأتى بشكل تلقائي. ويمكن لكل هذا أن يفيد أنه من شأن هذا الخيار أن يساعد الملكيات العربية على التفكير في المسار الخاص بها.
لنقم، إذا ما شئتم ذلك، بعملية استرجاع: كيف عاش المغاربة الأحداث في كل من تونس ومصر؟
لقد عشنا ثلاث لحظات مختلفة: في المستوى الأول حالة الحنق التي كانت سائدة. ولم نكن لنثق بهذا خصوصا في بلد معروف بهدوئه مثل تونس. ثم ثمة فكرتان أساسيتان استوطنتا النفوس: كون التونسيين منصاعون أكثر من كونهم ثوريين وأن نظام بنعلي سيظل أكثر من أي وقت مضى حاضرا. إن هروب الرئيس التونسي فتح الباب أمام اللحظة الثانية: هي أن نأخذ مأخذ الجد الثورة، فالكل أصبح مشدودا إلى قناة الجزيرة .هذا في الوقت الذي كانت تتجاهل فيه القنوات المحلية تماما الأحداث . لقد اكتشفنا تونسيين متعلمين، يعبرون بشكل سلس ومتناسق. وبشجاعة أيضا. اللحظة الثالثة: تتسارع الأحداث ومصر تتمكن من شغل المجال، وقد أحس المغاربة أنهم معنيون بشكل مباشر، ويقولون مع أنفسهم: «لماذا ليس نحن أيضا؟». فبدأت الخطابات المشهورة حول الاستثناء في التفتت. لقد تغيرت النظرة إلى العالم العربي، فبعد أن اشتهر بكونه جامدا وعقيما، هاهو يبرهن على كونه مبدعا في تطوير أنماط فعل غير مسبوقة وعصرية. والمغاربة وليس فقط الشباب اندهشوا لهذا الأمر. لا يمكننا التأكيد بما فيه الكفاية على أن التونسيين والمصريين هم السباقون في التحكم في التكنولوجيات الحديثة لأجل انجاز ثورة ديمقراطية. في حين أنه لحدود الآن كان استعمال الانترنيت من قبل العرب والمسلمين مقترنا بالجهاد الإرهابي.
وفي ما يتعلق بالسلطة، هل تملكها الخوف؟
القلق بدل ذلك. لقد تمت الخشية على وجه التحديد من ألا تتراجع التظاهرات غير المضرة الحاملة للمطالب الاجتماعية الحالية منذ عشرات السنين. فقد سارعت الحكومة، إذن، لاتخاذ إجراءات التهدئة من قبيل مضاعفة ميزانية صندوق المقاصة والتوظيف على عجل لأزيد من ثلاثة آلاف عاطل من حاملي الشهادات.
وماذا عن الطبقة السياسية؟
إذا ما استثنينا المثقفين الذين قاموا بنشر نص وكذلك الجمعيات المدافعة عن حقوق الإنسان الذين عبروا حينها عن تضامنهم مع التونسيين، كانت ردود الفعل متأخرة. فلم تبدأ المواقف في التبلور سوى بعد سقوط مبارك. فبشكل عام، فقد انتابت القيادات الحزبية الخشية والخجل وكانوا في حيرة من أمرهم. لم يودوا أن يعطوا الانطباع إنه بالإمكان أن يصاب المغرب بعدوى، خاصة وأنه في وسائل الإعلام الخارجية بدأ طرح السؤال: بعد بنعلي ومبارك، على من سيأتي الدور؟
والصحافة؟
في البداية كانت التغطيات في حدودها الدنيا، وكل شيء تغير مع التغطية المباشرة لقناة الجزيرة» لأحداث ميدان التحرير، والتي تحولت إلى منبر للثورة. تحمس المغاربة لهذا المسلسل المصري الجديد بلحظاته القوية، مثل ظهور الجمال والبلطجة أو مشاهد التعبير عن الأخوة ما بين الجنود والثوار، فبدأت الصحف تحرص على أن تنسجم مع الرأي العام.
هناك عوامل أخرى، ذاتية ساهمت بدورها أيضا في ذلك. وتهم العقليات، الطريقة التي يتصور بها الشباب العالم، وينظرون بها إلى ذواتهم. لقد تابعنا صعود جيل من الشباب لم يعد متخيلهم النضالي يتغذى من المثل العادية. فبين ليلة وضحاها، انتقلت مواجهة الاستعمار، الامبريالية، من اجل الاستقلال أو من اجل فلسطين إلى الصف الثاني. لم تختف هذه المطالب، غير أنه لم يطالب بها أحد من زعماء الحركة. وبالموازاة فقد تغيرت طبيعة التحرك، إذ تم التركيز فيها على الاعتصام والانترنيت إلى ما إلى ذلك. والتوجيهات لم تعد مستوحاة لا من الثقافة الثورية العتيقة، ولا من الاعتبارات الاستراتيجية المتطورة. كانت بسيطة وساذجة حتى وملزمة: «ارحل».
ما الذي أثارك بشكل كبير؟
الاختلاط، أولا وقبل كل شيء، إنها المرة الأولى التي لم تكن فيها مشاركة المرأة، لا رمزية ولا مكملة. لقد كن في قلب حركة التمرد على قدم المساواة من الرجال. لقد أثار القضية المحافظون الذين ليس جميعهم إسلاميون، الذين أثار حفيظتهم وجود الفتيات ليلا في ساحة التحرير، غير انه تم الحسم في هذه المسألة بسرعة. بالنسبة لمصر، كان الحدث ضخما. والظاهرة الثانية التي أثارتني كانت ذات صلة بالتواضع المفروض على الإسلاميين، إذ لم يعودوا يدعون للتحكم في زمام الحركة الاجتماعية. وهذا ما لاحظناه سواء في مصر أو تونس.
ما هي الدروس التي يمكن أن تفيد بها الثورات العربية، سواء في البحث حول الإسلام والمجتمعات الإسلامية؟
لقد عرفت النماذج التي تشكل في المتخيل السياسي قطيعة وتشرذما كبيرين، فبالنسبة لعدد كبير من علماء الدين والمفكرين العرب التقليديين لا يمكن أن يكون «التعدد» إلا مصدرا للاضطراب. والمصطلحات التي تحيل إليها باللغة العربية بينة منها «الغوغاء»، «الدهماء»، إننا لسنا بعيدين عن «الشارع العربي»، وانه لا يمكن أن يأتينا من الشارع أو من الجموع إلا «الفتنة»: الاضطراب، الخلاف، الفوضى. ومن أجل تفاديها من المستحسن التعامل مع الطاغية. فكل شيء هو أفضل من «الفتنة». وبالمقابل فقد أصدر علماء السعودية فتوى لأجل حظر كل مظاهرة ودعوا للتناصح... الذي يحتكرونه. إذن لقد قدمت الثورات الشعبية في كل من تونس ومصر، واحدة تلو الأخرى، تكذيبا تاريخيا حول معتقد الفتنة، الذي سوف يؤثر بالتأكيد حول شرعية السلطات ومصلحة الدولة، إن سلوك شخص مثل القذافي لا يجد لنفسه أي مبرر في نظر المسلمين. إن فكرة إعادة النظام أيضا لا يمكنها إلا أن تخضع من الآن فصاعدا إلى شرط.
لنعد إلى المغرب، هل يمكن اعتبار احتجاجات 20 فبراير تاريخا مفصليا وحاسما؟
هذا أمر لا يمكن إنكاره، إذا ما وضعنا أنفسنا في صف الفاعلين الذين نظموها «الفايسبوكيون»، غير أنه لا يمكن أن تكون كذلك إلا إذا كان لها ما يتبعها. انه موعد تاريخي مع وقف التنفيذ. إن الأحزاب الكبرى اتخذت لنفسها مسافة وأنهم حرضوا على عدم الثقة، في الوقت الذي لم يكونوا فيه معادين. إحساسهم بالغيرة كان باديا لكونهم تجاوزهم الفايسبوكيون، المبتدئون، والأميون في السياسة. وهذا أمر عار من الصحة. فمنذ عشر سنوات، مكن انخراط أحزاب الاشتراكيين، الاستقلال، إلخ في السلطة، الذي عرف انطلاقته مع «حكومة التناوب» والتي تم تشكيلها سنة 1998، من تحرير عدد كبير من الفضاءات السياسية، التي سيتم احتلالها بشكل سريع من قبل مختلف الحركات الاجتماعية :العاطلون الحاصلون على الشهادات، تنسيقيات غلاء المعيشة، الجمعيات النسائية المدافعة عن المساواة في الإرث أو الحق في الاستفادة من الأراضي السلالية «للنساء السلاليات»، حركات الحقوق المدنية، الإفطار العلني في رمضان
لقد ابتعدوا كونهم يشعرون أن وضعهم أفضل في منظمة تقليدية، تفرض ولاء استثنائيا لا يتماشى ومنطق الشبكة، كما نصادف أيضا مناضلين من الحركة الأمازيغية، وكذلك الشباب المستائين من زعاماتهم المتوالية، وهذه حالة حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (الاشتراكيون) وعلى مستوى أقل حزب التقدم والإشراكية وعلى الخصوص حزب العدالة والتنمية (الإسلاميون)، التي مست فيه الاستقالات الأجهزة المسيرة. إن الفاعلين الجدد، وعلى العكس من فكرة أخرى سائدة، فهم شباب لا يعيشون فراغا في الثقافة السياسية، إنهم من أكبر مستهلكي الموسوعة ويكيبيديا، وكذلك سلسلة من المصادر المتوفرة على شبكة الانترنيت: الأخبار، الأرشيف، الفيديوهات، الصور... متزودون بثقافة الامتزاج، وتجدهم لا يهتمون بأصل الأفكار، بل بفائدتها الملموسة. إنهم لا يولون اهتماما لمدى تناسق المذاهب بل يتوجهون إلى ما هو أساسي، إن أحسن مثال يكمن في العتاب الموجه إلى الملك، «جلالة الملك نحبك، لكننا نريد إصلاحات». لقد كان خطابا غير وارد منذ عشر سنوات: وقتها تم الحسم في المواقف، مع أو ضد.
بعث محمد العوني الطالب المغربي في نيويورك برسالة إلى الملك على اليوتوب غداة 20 فبراير، هل كان هذا العنوان الأبرز...
إن تسجيل الفيديو، الذي لم تتجاوز مدته سبع دقائق، خلق الحدث. لقد تمت مشاهدته من قبل أزيد من 500 ألف شخص. إن هذه الشخصية كما خطابها توضح التحول الذي سبق وأن تطرقنا إليه. إنه يرفض أن يتمتع الملك بلقب الجلالة ويخاطب فيه رئيس الدولة أكثر منه أمير المؤمنين، ويطالب بنوع من السذاجة انه سيقضي على كل الأمراض التي تنخر المجتمع المغربي: الفساد، الاستغلال، المحسوبية، الحكرة. لقد امتزج خطابه المشبع بالغضب والانتقادات الحادة بحب الوطن والملك. بعد مهاجمته بشكل عنيف اضطر أن يوضح بشكل جلي موقفه معلنا كون الملكية بالنسبة إليه هي اختيار يمليه العقل والمصلحة الوطنية. إن هذا الموقف سيسترعي الانتباه: إنه حدث تم تحت سماء المغرب، وهذا أمر غير مسبوق تماما.
إلى أبعد من هذا، وبشكل أكثر شمولية، هل يمكننا الحديث عن تصور جديد للملكية؟
إن الشرعية التاريخية والدينية للملكية، كما قام بإبرازها سنوات 1970-1980 الملك الحسن الثاني، لم تعد المرجعية الوحيدة، وفي كل الحالات تبدو أنها لم تعد كافية. فمنذ زمن طويل اعتبرت المعارضة (اليسار) بشكل ضمني أن هدف الديمقراطية لا تستوعبه بالشكل الكافي الملكية. إن انخراط الجميع في دستور سنة 1996 أحدث تحولا كليا بخصوص المسألة الدستورية. ومنذ حينها لم تعد الملكية مثار مساءلة، إن حكومة التناوب التي قادها عبد الرحمان اليوسفي كرست هذا التطور الرئيسي، في حين أن الإجماع بدأ في التفتت. إن النقاشات حول 20 فبراير كانت مفيدة جدا. لا تتم مناقشة طبيعة الملكية بقدر ما تتم مناقشة فعاليتها. ليس النظام من هو في موضع المساءلة، بل هي الحكامة». ومن الآن فصاعدا، ففي نظر المغاربة، فإن الملكية تستمد قوتها، وسبب وجودها من مدى نفعها وليس من التاريخ أو الإسلام. ونحن الآن بصدد ما سبق أن أسماه «ماكس فيبر» «طلب الشرعية العقلانية» التي تضعها في مركز للحكومة، المؤسسة، الدستور ودولة القانون.
عندما نسأل المغاربة، خاصة البسطاء منهم، فإنهم لا يطالبون بتقليص صلاحيات الملك، بل بزيادتها...
الجميع يضع الملك بعيدا عن كل نزاع، ولا يمكن قبول ربطه بحزب، عرق أو تصور ديني. ثمة ارتباط بثقافة امبريالية تمنح الملك مهمة تدبير التنوع وصيانته، حتى لو طرح ذلك بعض المخاطر من أجل الحفاظ على مكانة متقدمة داخل المجتمع. ونجد في بعض الانتقادات رغبة في الحفاظ على الملكية. وينبغي القول إن مفهوم «الملكية التنفيذية» المعمول به منذ بداية الحكم أضعف المؤسسة، لأنه يخلق إجماعا ضعيفا حول مسائل أساسية (الجميع متفق مع الملك)، يشجع على اللامسؤولية، يطمس معالم المسافة الفاصلة بين الأغلبية والمعارضة، يلغي كل معاني اللعبة السياسية. والنتيجة أن الخطاب السائد يأخذ الكثير من الشعبوية: الملك جيد، لكن محيطه هو الفاسد، وكذا الحكومة، البرلمان، الأحزاب...
وفي ما يتعلق بجانب الأعمال، هل يمكن التوفيق بين دور المقاول ومهمة قائد الدولة دون الوقوع في تجاوزات؟
لقد كشفت 20حركة فبراير عدم التوافق، لدى الرأي العام، بين الأعمال والسياسة. ما كان يقال بصوت خفيض أضحى اليوم كمطلب يجمع عليه الكل. أعتقد ان الحفاظ على الملكية يمر عبر حياديتها في مجال الأعمال. نتحدث هنا عن تضارب المصالح على رأس الدولة وعن مخاطر حقيقية للشطط في استغلال الموقع. البعض يقدم حلا جاهزا: أن يكون الملك مساهما سلبيا متخليا عن أي موقع احتكاري، حيث يقوم، من خلال حضور رمزي في المجال الاقتصادي، بدور الرافعة كما هو الشأن بالنسبة للصناديق الملكية. ومن هذا المنطلق، يمكن للملك حماية المقاولات المعنية من سوء استغلال الإدارة والعدالة.
هل يمكن تصور وجود بوابات للحوار بين القصر ونشطاء الفيسبوك كما سبق أن حدث مع اليساريين؟
هذا ممكن إذا ما عدنا إلى قدرة النظام الملكي في المغرب على التأثير على المنشقين. والتاريخ يشهد على أن الملوك تنازلوا غير ما مرة عن سلطاتهم الرمزية. فالسلطان تراجع عن الرفع من الجبايات، فوض الاصلاحات أو استبقها من أجل إيجاد أرضية للتفاهم مع خصومه في عهد السيبة، لكنه حافظ على حكمه في بلاد المخزن، أي المناطق التي قبلت سلطته، وكذلك على مناطق السيبة، التي كانت ترفض تلك السلطات. وما فعله محمد السادس يوم تاسع مارس يتماشى تماما وتلك التقاليد.
هل تريدون القول إن نشطاء الفيسبوك هم «سيبة»؟
أنا أتوجس من هذه الكلمة. لكن توفر الفاعلين الجدد على تجربة سياسية معينة يشجعهم على التعامل مع السلطة. والبقية تأتي من القدرة الاستباقية للنظام الملكي.
ما مصدر شعبية محمد السادس؟
شبابه، أسلوبه، قربه... فهو يسعى أن يكون محبوبا أكثر من أن يكون مصدر خوف، وهذا ما عاد عليه بالفضل. لا يمكن تصور ثورة ضده، والمحتجون الأكثر راديكالية يعتقدون ويقولون إنه لا يمكن أن تكون ثمة ثورة إلا معه.
مجلة «لاغوفي» الفرنسية -عدد ابريل2011 .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.