أثار تحفظ الخارجية الجزائرية بشأن قرار مرتقب لفرض حظر جوي على ليبيا شكوك الطبقة السياسية حول الأسباب التي تقف خلف ذلك الموقف، في ظل سقوط عدد كبير من الضحايا من المدنيين على إثر قصف قوات العقيد الليبي لمدن مختلفة. وأرجعت الكثير من الشخصيات السياسية في تصريحات متفرقة للجزيرة نت الموقف الجزائري المتحفّظ إلى تخوف السلطات من أن يكون القرار ذريعة لتدخل قوى أجنبية بالمنطقة، وإنشاء قاعدة عسكرية لقوات حلف شمال الأطلسي (ناتو)، حيث تعتقد الجزائر أن وجود هذه القوات بالقرب منها يهدد أمنها القومي الداخلي. كما أكد هؤلاء أن تميز علاقات النظام الجزائري الدبلوماسية والعسكرية مع العقيد معمر القذّافي تقف دون مواقفة الجزائر على خطوة فرض الحظر الجوي. ويشير الخبراء إلى أنه وبرغم المبررات المنطقية التي تفسر بها القيادة الجزائرية موقفها فإن ما يجري في ليبيا هو "إبادة شعب بالسلاح"، مما يستلزم اتخاذ قرارات حاسمة في اتجاه حماية المواطنين الليبيين من عمليات القصف الكثيفة. تعاون استخباراتي ويوضح الخبراء أن تطورات الأوضاع في ليبيا تطرح علامات استفهام كثيرة بشأن مستقبل عمليات مكافحة ما يعرف بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، الذي ينشط في الصحراء الجزائرية. وتعتقد هذه الأوساط أن العقيد القذافي كان له دور كبير في التبليغ عن عناصر هذا التنظيم الذي يعرف بعلاقاته المتينة مع زعماء القبائل في صحراء الشمال الأفريقي، خاصة داخل الدول التي لها حدود مع الجزائر كمالي وتشاد. ويؤكد الخبراء أن النظام الليبي اضطلع بدور كبير في عمليات تسريب معلومات استخباراتية للجزائر عن تحركات بعض عناصر التنظيم، وأيضا عن شبكات تهريب السلاح النشطة في الصحراء العابرة لليبيا والمهربة غالبيتها نحو الجزائر. كما استفادت الجزائر لوقت طويل من العلاقة القوية التي تربط القذافي بقبائل الطوارق، وهم سكان أقصى الجنوب الجزائري، الذين يشكلون مصدر قلق للسلطات الجزائرية كونهم لا يخضعون لنظامها ويعيشون وفق عاداتهم وتقاليدهم الخاصة. تحوّط للمستقبل ويشرح المتتبعون للملف بأن تحفظ القيادة في الجزائر بشأن قرار فرض الحظر الجوي المرتقب على ليبيا، يرجع كذلك إلى رغبتها في بعث رسالة مشفرة لكل من أوروبا والولايات المتحدة بضرورة الوقوف على الحياد وعدم دعم أية تحركات مستقبلية للمعارضة الجزائرية. ونقلت وكالة رويترز عن محللين قولهم إنهم يتوقعون أن تكون الجزائر المحطة المقبلة لاحتجاجات شعبية واسعة ضد النظام، على غرار ما جرى بتونس ومصر وما يجري حاليا داخل ليبيا. ويضيف هؤلاء أنه في حالة تحقق هذا الاحتمال فإن الوضع سيحمل أبعادا أكثر أهمية بالنظر إلى أن الجزائر تعد من أكبر مزودي أوروبا بالغاز الطبيعي. وعلى النقيض من ذلك، فقد عبرت قوى سياسية مختلفة عن تنديدها بما يجري في ليبيا، واصفة ذلك ب"المجزرة". وأكدت المنظمات الأهلية والسياسية أنها تقف "قلبا وقالبا" إلى جانب الثوار، كما بادر الكثير من خطباء المساجد لتخصيص جانب من دعائهم لإسقاط نظام القذافي ومحاكمته دوليا باعتباره "يريق دماء شعب مسلم مسالم". وقال أحدهم للجزيرة نت إنه سيعمد في جميع دروسه وخطبه للتعبئة لصالح الشعب الليبي المضطهد، مضيفا أنه يرى في الثورة الليبية مثالا لتحرر الشعوب من حكامها المستبدين.