"ان الثورة هي الانتشال الاقليمي المطلق عندما تغدو دعوة الى أرض جديدة أو شعب جديد." 1 استهلال: ما نعترف به منذ الوهلة الأولى أن تجربة الثورة ليست مجرد فكرة طوباوية ولامن خطأ الفلاسفةبل اختصاصهم المميز وشغلهم الشاغل وحلمهم الدائميزيدون في لهيبها كلما واتت الظروف ويسمحون لها بالانتقال من وضع منكمش الى آخر متفجر على الرغم من أنهم لا يقودونها بصفة ميدانية ولا يقفون وراء اندلاعها بشكل مباشروانما يكتفون فقط بالتنظير لها بشكل مسبق والمشاركة فيها بطريقة معينة وعلاوة على ذلكيعتبرون أحداثها ومجريات أمورها ومآلها المادة المفضلة للتفلسف واستخلاص العبر والدروس. غير أن ما يثير للدهشة ويدعو الى الاستغراب هو أن القاموس السياسي التونسي تراجع عن مقولة الثورة وأسقطها من حساباته منذ انهيار المعسكر الاشتراكي وانتكاسة المشروع القومي وحالة التخويف من التيار الاسلامي وبعد القاء تراث الثورات الفرنسية والأمريكية في الأرشيف والمتحف وتم استبدالها بمفاهيم الاصلاح والتحديث والمقاومة والصمود والممانعة ، ولكن ما يلفت النظر مؤخرا هو تزايد التفاؤل لدى البعض من الناشطين والمثقفين المستقلين وتبني بعض التيارات شعارات راديكالية وأفكار قصووية ومطالبتهم بالتعددية ومناداتهم بالتغيير الجذري والعصيان المدني والتمرد السلمي والقطع مع الماضي. اذا كان العنوان هو "فلسفة الثورة التونسية" فإن صياغته بهذه الكيفية تطرح العديد من المحاذير والصعوبات التي يجب على الفكر الحاذق الانتباه اليها واستنطاقها واستكشاف مسلماتها الضمنية، وأولها هو الحديث عن وجود ثقافة فلسفية للثورة التونسية غذتها ورافقتها وأفضت اليها واستناد رجال الانتفاضة على مخزون فكري ثوري ،أما الصعوبة الثانية فتبرز في الدعوى بإمكانية فهمها واستنباطها وتحديد مجموعة أفكارها والقبض على جملة المبادئ التي وجهتها، والصعوبة الثالثة هي الزعم بالاستفادة من هذه الفلسفة الثورية على الصعيد المجتمعي والحقوقي في احداث القطيعة التامة والعود على بدء. يمكن هاهنا تذكر ما قاله نجيب محفوظ في روايته ثرثرة فوق النيل من كون الثورة يخطط لها الدهاة وينجزها الشجعان ويغنمها الجبناء، واذا كان العنصر الثاني من القولة ينطبق على الثورة التونسية وخاصة الشجاعة التي تحلى بها الثوار والارادة الصلبة التي تسلح بها الشعب في التعامل مع التطورات فإن العنصر الأول الخاص بالتخطيط والدهاء غير متأكد لأنها ثورة مفاجئة ولم يتوقع بها أحد وذلك لقوة القبضة الأمنية وضعف المعارضة وتشتتها، في حين أن القسم الثالث مازال محل أخذ ورد ومن أمور المستقبل ويقتضي الانتظار والتدخل والتدبير وتحقيق الوثبة الجدلية بين النظر والعمل. عندئذ تطرح ثورة الأحرار الاشكاليات الآتية: كيف اندلعت الثورة في الرقعة الجغرافية المغاربية المسماة في الماضي بإفريقية؟ وأي سر أخفته عن الأنظار وحققت به المفاجأة؟ وماهي العوامل والظروف التي ساهمت في تفجر الثورة؟ ولماذا الآن وليس بالأمس أو غدا؟ وماهي القوى المساهمة والمؤثرة فيها؟ وهل توجد وسائل مميزة وآليات خاصة ساعدت على انجاحها؟ وماهي الاستتباعات التي سيجنيها الشعب والمجتمع منها؟ وكيف يجوز لنا الحديث عن تداعيات هذه الثورة على المنطقة المجاورة العربية والاسلامية؟ وهل يفترض أن تتعرض للالتفاف من الداخل عن طريق القوى المحافظة؟ وماهي التحديات التي تواجهها من الخارج؟ وهل يمكن التفاؤل بمستقبل لهذه الثورة وبوجه مختلف لتونس الخضراء؟ ما نراهن عليه هو تفادي الحكم المسبق والقراءة المسقطة والمقارنة الخاطئة لهذه الثورة مع غيرها من الثورات التي حدثت في الماضي وفي سياقات اجتماعية مختلفة وما نعمل على تحقيقه هو محاولة فهم ما حدث من هبة شعبية وانتفاضة اجتماعية وزلزال سياسي أحدث منعطفا في التاريخ سوف يؤرخ لما قبله وما بعده بالنسبة الى الفضاء الجيو- سياسي للمنطقة وما نحرص عليه هو التفكير في شروط مساهمتها في صناعة مستقبل أفضل للوطن والفكر . --------------------------------------- الهامش: 1- جيل دولوز- فليكس غتاري، ماهي الفلسفة، ترجمة مركز الانماء القومي، بيروت، الطبعة الأولى، 1997. ص.113.