ساعات قليلة تفصل بين الخرطوموجوبا ... اسلاك شائكة وحدود ، والدعم الامريكي على أشده ، الحدث المغاير الاول عام 2011 ، ساعات قليلة تصبح بعدها هيئة الاممالمتحدة ب 193 دولة ذات سيادة بغض النظر عن التدخلات الخارجية. السودان أمام حراك شعبي كثيف ، رقصات الجنوبيون لا تتناغم مع العزف المنفرد لأحلام وحدة العرب ، قال احدهم لي مرة ( حين كنا نحلم بوحدة من المحيط الى الخليج ، سنحلم في القادم من الايام بقطر عربي موحد) ، وصدق القائل واخفق الجميع في ردم المشاكل المفتعلة ، فالبلد الاكبر عربيا وافريقيا سيصبح الاصغر ، اليوم جوبا ، وغدا دارفور ، والبشير يحلم بعصاة موسى. الساعات الاخيرة التي ننتظر لا تشكل يوما غائما على شمال السودان فقط بل تعتبر يوما مفصليا في التاريخ العربي المعاصر ، نستطيع من خلالها تأكيد فشل الاستراتيجية العربية الغائبة ، ونجاح الخطوات التمهيدية لقصقصة العراق واليمن وربما لبنان والجزائر على المدى اللا بعيد. الرئيس البشير ودع الجنوب بزيارته الاخيرة ، كأنه يعلم مسبقا على كل حال انه لن يزور هذه الارض مجداد على الاقل خلال فترة حكمه المتبقية ، وان الوادع بات حكما سابقا للاستفتاء أمام الكم الهائل من الدعم للانفصال ، غربيا ، وعربيا بعض الشيء . مصر تلاعبت باخلاقها والنيل سيصلها ملوثاً بالحمم الانفصالية ، فالاقباط يسهرون في شوارع الاسكندرية والامريكان كعادتهم ، اهلا للخيانة. حين فتحت القاهرة الباب لحركة تحرير السودان الحاكمة للجنوب قبل الانفصال وبعده ومددت استضافتها لقادة الحركة والناطقين باسمها في فنادقها وفتحت لهم منابرها الاعلامية للدفاع عن قضية الانفصال ودعمت الجنوب اكثر مما دعمته الخرطوم في ظل الوحدة واتفاق السلام عبر ربط خمسة من مدنه بالكهرباء وفتح فرع لجامعة الاسكندرية في جوبا كان عليها ذات الوقت ان تعلم ان من يحفر حفرة لأخيه سيقع فيها ، وان تأخر الوقت لذلك. على اي حال فإن كل الدلائل المنطقية واللوجستية تشير الى الانفصال وان جوبا ستصبح بعد ساعات عاصمة لجمهورية جنوب النيل او النيل او ان المجموعة الافريقية التي تتحكم بمنابع نهر النيل ستجد نفسها أمام خيارات اقليمية جديدة للتحكم بحرب المياه القادمة. السودان خسر الحرب ، والشمال البشيري لن يستطع ايجاد منافذ جديدة لها ، والتهديدات بدستور الاسلام سيضعه امام محنة مكافحة الارهاب ، الآلة الامريكية جاهزة للتدخل دوما ، والمحاكم لا تزال قائمة. عندما يرحل جنوب السودان الحالي ويستقل بدولته، سيكون لشمال السودان جنوب آخر تمثلة منطقتي جبال النوبة وجنوب النيل الأزرق، وهذه المناطق لا تخلو من المشاكل أولها إن كثير من كوادر الحركة الشعبية الحاكمة في الجنوب كانوا من هاتين المنطقتين، وهذا ما يثير شهية كثيرين في هذه المناطق أو غيرها لإلحاقها بالجنوب القديم المستقل جديدا. كما ان أكثر ما يهدد بقاء دولة الشمال على حالها بعد الانفصال، هو ما يمكن أن ينشأ بسبب مشكلة دارفور، حيث لا يطالب الدارفوريون بدولة مستقلة في الوسط فقط بل تتجاوز أحلامهم الخريطة الحالية باختصار حدود دولة الشمال في رقعة ضيقة في العمق حتى الحدود المصرية. حين فشلت الارادة العربية المتمثلة بالجامعة العربية من قمع هذا التقطيع المتعمد لم تكن وحدها معنية بهذا النزيف المر ، فالحكومة السودانية لها الدور الاكبر في الاستهتار التاريخي الذي يحدث ، البشير راع وهو مسؤول عن رعيته ، إن كانوا في الخرطوم او دارفور او جوبا ، وبطبيعة الحال وضمن تطور منظور الجغرافيا السياسية ، فإنه لم يكن اهلا للرعية ، وبقي الكرسي كالعادة غشاء اعمى العيون. من اين لنا بطبيب عيون في السودان ؟ السودان لم تكن الاولى في الانفصال ، فقبلها اليمن السعيد ، وحين عادت اليمن كانت للظروف المحيطة سببا في عودة الوحدة ، غير اننا نفهم ان طبيعة الظروف الراهنة والمستقبلية لن تمنح هذا الحلم من جديد في السودان. افتتحنا عشرية ثانية من القرن الحاضر بنكبة عربية ستبقى جمرة في المعدة ، كيف لنا ان نميز ملامح آخرها . السؤال ... هل سيتغير مجرى النيل ليصبح من الشمال الى الجنوب؟ برسم مصر مبارك ، وسودان البشير.