سفير ألمانيا في الرباط يبسُط أمام طلبة مغاربة فرصا واعدة للاندماج المهني    بوريطة: المقاربات الملكية وراء مبادرات رائدة في مجال تعزيز حقوق الإنسان    ولي العهد الأمير الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء الذي يقوم بزيارة قصيرة للمغرب    تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية    متابعة موظفين وسماسرة ومسيري شركات في حالة سراح في قضية التلاعب في تعشير السيارات    هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب        رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'    أبناء "ملايرية" مشهورين يتورطون في اغتصاب مواطنة فرنسية واختطاف صديقها في الدار البيضاء    الحكومة توقف رسوم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام    الصحراء: الممكن من المستحيل في فتح قنصلية الصين..        المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    القوات المسلحة الملكية تفتح تحقيقًا في تحطم طائرة ببنسليمان    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن        رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السودان.. أمام خطر التفتيت في ظل موقف عربي باهت
نشر في التجديد يوم 19 - 08 - 2010

لم يتبق سوى أقل من 150 يوما وينفصل جنوب السودان عن شماله، بعدها بستة أشهر، وفي شهر يوليوز 2011 تحديدا سيتم الإعلان عن مولد دولة جديدة ذات سيادة، ولها علمها الخاص وجيشها الخاص وعملتها الخاصة وسفارات بالخارج، إضافة إلى اسم جديد يتم التباحث حوله الآن! وستعترف كل دول العالم بما فيها سودان الخرطوم بالدولة الجديدة.
هذه خلاصة ما هو متفق عليه في واشنطن، الرسمية وغير الرسمية، بخصوص مستقبل جنوب السودان، وهذا ما توصل له تقرير واشنطن من خلال بحثه واستطلاعاته ومقابلاته مع العديد من الخبراء والمسؤولين المعنيين بالشأن السوداني.
ورغم أن واشنطن لا تهتم كثيرا بالتاريخ، إلا أن حالات حدوث انفصال دولة لتصبح دولتين على أثر صراعات مسلحة موجودة وحية في ذاكرة الكثيرين في أروقة البيت الأبيض، وكأنهم متفقون على تناول هذه النقطة بتجارب عدة دول منها حالة باكستان والهند، وحالة أثيوبيا واريتريا وحالة كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية.
التاسع من يناير 2011 موعد تصويت الجنوبيين فقط على خيار واحد من بين اثنين، إما البقاء في السودان موحدا، وإما الانفصال، وهو استفتاء نص عليه اتفاق السلام الشامل الذي وقع عام ,2005 ويعرف أيضا باتفاق نيفاشا، الذي أنهى أكثر من عقدين من الحرب الأهلية بين شمال وجنوب السودان، وراح ضحيته ما يزيد عن مليوني قتيل وعدة ملايين من اللاجئين.
وتتعالى الأصوات في واشنطن محذرة من أن حكومة الخرطوم ونظام البشير سيعرقلان إجراء استفتاء انفصال جنوب السودان، أو أن لا تعترف بنتائجه، إلا أنهم واثقون من أن نظام البشير سوف يرضخ في النهاية لصوت العقل وتوازنات القوة، ويقبل الدولة الجديدة!
ووسط ظهور دلائل متزايدة على تردي الموقف الأمني داخل جنوب السودان، وعلى عدم الالتزام بتطبيق بنود أساسية من اتفاقية السلام الشامل التي وقعت بين حكومة حزب المؤتمر الوطني الحاكم في شمال السودان، وبين الحركة الشعبية لتحرير السودان، في الجنوب، ترى الولايات المتحدة أن عليها دورا يجب أن تقوم به، مع جماعات الضغط الدولي، وعلى عدة جهات، من أجل دعم التعبير بحرية عن إرادة سكان جنوب السودان، والقيام بما تستطيع من أجل منع العودة إلى تجدد المعارك بين قوات الشمال وقوات الجنوب.
في الوقت نفسه، يرى الكثير من خبراء الشؤون السودانية والأفريقية، أنه لا يوجد على مستوى الدول المؤثرة في المسرح السوداني سوى الولايات المتحدة التي يمكن أن تستخدم نفوذا لدى كلا الفريقين الشمالي والجنوبي، لذا عليها أن تبادر بالقيادة والدفع من أجل إتمام إجراء الاستفتاء في التاسع من يناير كما هو مخطط رغم كل العراقيل الموجودة والعراقيل التي ستظهر قلما اقتربت الأطراف السودانية من موعد الاستفتاء.
اسم الدولية الموعودة
علم دولة جنوب السودان هو علم الحركة الشعبية لتحرير السودان، وهو يتكون من ثلاثة ألوان في شكل أفقي متوازي، ويأتي اللون الأسود في الجزء الأعلى رامزا لشعب جنوب السودان، واللون الأحمر في المنتصف ليشير إلى دم ثورة التحرير والحرية، واللون الأخضر في القاع يشير إلى أرض الجنوب الخضراء، إضافة لمثلث أزرق يتوسطه نجمه ذهبية في إشارة لنجمة بيت لحم ذات الدلالة المسيحية التاريخية.
ويبحث بعض من يتوقعون قيام دولة مستقلة في الجنوب السوداني عقب استفتاء يناير القادم عن اسم مناسب للدولة الجديدة. ويرى خبير الهويات الوطنية سيمون أنهولت، أنه سيتم في الأغلب اختيار اسم من بين جمهورية جنوب السودان أو جمهورية السودان الجديد. إلا أنه يبدو أن هناك معارضة كبيرة لتضمين اسم السودان ضمن اسم الدولة الجديدة، إذ أن السودان مرتبط في الذاكرة السياسية العالمية بصورة مشوهة وغير جيدة، وإذا ما ذكر السودان تذكر معه الحروب الأهلية الطويلة، ويتذكر مآسي دارفور، ومأساة الفقر والفساد. ويرى أنهولت أن شمال السودان لن يغير اسم دولته من السودان إلى شمال السودان، لذا من الأفضل أن يختفي اسم السودان من مسمى دولة الجنوب الجديدة.
في الوقت نفسه، اقترح البعض أن تسمى الدولة الجديدة نفسها باسم دولة النيل، إلا أن المخاوف من رد فعل مصر قد يعيق هذا الطرح.
تمثل حكومة جنوب السودان في الولايات المتحدة، والعديد من دول العالم الأخرى، بعثة تقوم بمهام كتلك التي تقوم بها سفارات الدول الأخرى في العاصمة الأمريكية، وباستقلال عن سفارة دولة السودان.
ويقع مقر بعثة حكومة جنوب السودان في قلب واشنطن، في منطقة ديبونت سيركل، على بعد أقل من 30 مترا فقط من مقر المكتب الثقافي المصري في واشنطن. ويذكر موقع البعثة الالكتروني أن حكومة جنوب السودان تقدر الدعم الكبير الذي تحصل علية من الحكومة الأمريكية، مدعما بتأييد الحزبين الديمقراطي والجمهوري، والذي نتج عنه إقرار اتفاقية السلام الشامل عام ,2005 والتي أنهت عقدين من الحرب الأهلية، والتي نتج عنها مقتل مليوني شخص، وجعل 4 ملايين شخص في عداد اللاجئين.
كذلك يذكر موقع بعثة الجنوب أنها تقوم بمهام عملها طبقا للمادة رقم 46 من الدستور المؤقت لجنوب السودان، والذي ينص على أن حكومة جنوب السودان ستقيم وتحافظ على علاقات طيبة مع الحكومات الأجنبية والمنظمات غير الحكومية الدولية، بما يفيد الطرفين في مجالات التجارة والاستثمار والثقافة والرياضة والقروض والمنح والائتمان، والمساعدات الفنية والشؤون الأخرى المتعلقة بمجال تنمية التعاون.
ويرأس بعثة حكومة جنوب السودان، أيزيكول لول جاتكوث، وفريق العمل يتضمن نائبا لرئيس البعثة يشرف على الشؤون المالية والإدارية. ومسؤول عن شئون الكونغرس والشؤون السياسة وشؤون الأمم المتحدة، ومسؤول آخر يشرف على الشؤون الثقافية والقنصلية شؤون جالية جنوب السودان. ومسؤول آخر مختص بعملية البروتوكول والعلاقات العامة، ومسؤول يتولى الإشراف على شؤون المعلومات والوثائق، وعدد آخر من الإداريين. ولا يختلف تشكيل مكتب بعثة حكومة جنوب السودان كثيرا عن سفارات الدول العربية الأفريقية.
سخاء أمريكي لتشجيع الانفصال
ولقد ذكرت مصادر صحفية أمريكية أن إدارة الرئيس أوباما، مثلها مثل إدارة الرئيس السابق بوش تقدم دعما ماليا كبيرا لجنوب السودان، ضمن جهودها المكثفة الرامية إلى مساعدة الجنوب على الانفصال عن السودان. وأكدت صحيفة واشنطن تايمز أن واشنطن تقدم دعما ماليا سنويا يقدر بمليار دولار للجنوب السوداني، وأضافت أن هذه المبالغ الضخمة تصرف في إنشاء البنية التحتية وتدريب رجال الأمن وتشكيل ما وصفه بأنه جيش قادر على حماية المنطقة.
وأكد إزيكيل لول جاتكوث، رئيس بعثة حكومة جنوب السودان في واشنطن، أن واشنطن تضخ هذه الأموال للجنوب السوداني بهدف مساعدة الجنوب على الانفصال عن الشمال. ونقلت الصحيفة عن جاتكوث قوله إن من بين أهداف حكومة الولايات المتحدة هو التأكيد على أن يصبح جنوب السودان في عام 2011 دولة قادرة على الاستمرار.
واعتبر جاتكوث أن السنة القادمة ستكون حاسمة بشأن مستقبل البلاد، مضيفا أنه في عام 2010 إما أن نعمرها أو أن نخربها، مشيرا إلى أن الانتخابات قد تقود إلى الحرب إذا شعر المرء بما سماه الغش والخيانة.
وتعد الولايات المتحدة أكبر الدول التي تقدم مساعدات للسودان، إذ قدمت واشنطن أكثر من ستة مليارات دولار للسودان منذ توقيع اتفاقية السلام الشامل عام 2005 من أجل عدم إعاقة استفتاء انفصال جنوب السودان. وتركز المنح الأمريكية على كل القطاعات، ومع عودة ما يقرب من 2 مليون سوداني نازح لبيوتهم في الجنوب، تركز برامج الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في السودان على توفير المواد الغذائية وتحسين الخدمات الصحية، واحترام حقوق الإنسان، والاستقرار والإصلاح الاقتصادي وتوفير التعليم، ودعم عملية السلام. كما تهتم برامج الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بالتركيز على تقوية برامج الحكم الرشيد، ودعم تطبيق بنود اتفاقية السلام الشامل، وتطوير نظام شاملة للوفاء باحتياجات السكان الأساسية، إذ لا يتوفر للجنوب أيا من مقومات الدولة حتى الآن.
وساهمت وكالة التنمية الدولية في تنفيذ الخطوات الهامة التي اتفق على القيام بها في اتفاقية السلام الشاملة، منها التعداد عام ,2008 وانتخابات أبريل ,2010 إضافة إلى استمرار قيامها بخدمات استشارية بخصوص التنظيم لإجراء استفتاء يناير .2011
تدريب أمريكي لجيش جنوبي
أما على المستوى العسكري، فقد رفض ممثل حكومة جنوب السودان في واشنطن، إضافة لدبلوماسي أمريكي معني بالشأن السوداني، التطرق للتعاون العسكري بين واشنطن وحكومة جنوب السودان. إلا أن تقارير إعلامية أمريكية ذكرت أن وزارة الخارجية الأمريكية في أعقاب التوصل لاتفاق السلام الشامل منحت إحدى الشركات الأمريكية الخاصة عقدا للقيام بتأهيل متمردي جنوب السودان وتحويلهم لقوة عسكرية محترفة. واختارت الحكومة الأمريكية شركة دين كورب التي فازت بقيمة العقد المبدئي البالغة 40 مليون دولار للقيام بهذه المهمة. ومن الجدير بالذكر أن منظمة الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان أشارت إلى احتياج الجنوبيين للتدريب تحت إشراف حكومة جنوب السودان.
هذه ليست هي المرة الأولى التي تفوز فيها شركة دين كورب بعقد من وزارة الخارجية الأمريكية للقيام بمهام في السودان، ففي ماي عام 2003 منحت دين كورب عقد تقديم دعم لوجيستي لقوات منظمة الوحدة الأفريقية لحفظ السلام.
وفي عام 2001 وكلت الشركة بمهمة مساعدة وتسهيل إجراء مفاوضات دبلوماسية بين الجنوبيين وحكومة السودان. وتذكر الشركة أن أولوياتها في السودان تتمحور حول دعم الاستقرار هناك. وفي مقابلة مع وكالة رويترز الإخبارية أكد آل ريجني نائب رئيس شركة دين كورب لتنمية الأعمال الدولية أن حكومة الولايات المتحدة ترى أن من شأن وجود قوة عسكرية مؤهلة ومستقرة المساعدة على دعم الاستقرار، وأكد نائب رئيس الشركة أن أنشطة شركته كلها سلمية ولا تتضمن أنشطة عسكرية. وطبقا لاتفاق السلام الذي وقع بين حكومة الخرطوم ومتمردي جنوب السودان لإنهاء أطول حرب أهلية في تاريخ أفريقيا، يكون هناك جيشان أحدهما في الشمال والآخر في الجنوب.
ومن جانب آخر، توقعت بعض المصادر وجود دوافع خفية وراء هذه الصفقة، وترى أن شركة دين كورب وعقدها الأخير يهدفان إلى تعزيز القدرات العسكرية للجيش الشعبي لتحرير السودان لكي تضعف موقف الخرطوم إذا ما أخلت باتفاق السلام بين الشمال والجنوب. وتؤكد شركة دين كورب أن عقدها مع وزارة الخارجية الأمريكية لا يشمل إرسال أسلحة للجيش الشعبي لتحرير السودان، والعقد يشمل فقط مساعدة وتدريب وتأهيل الجيش الشعبي لتحرير السودان، وليس لتسليحه أو لمساعدته في شن عمليات عسكرية هجومية. إلا أن خبيرا أمريكيا يخشى وجود دور أكبر لشركة دين كورب، وهو دور سيكون غير معترف به رسميا، رغم أن حجم عقد الشركة يبلغ 40 مليون دولار أمريكي مما يستلزم موافقة وإشراف الكونغرس الأمريكي.
ملامح لما بعد الانفصال
ورغم وجود حظر طبقا للعقوبات المفروضة على السودان كونه أحد الدول التي تصنفها الخارجية الأمريكية كراعية للإرهاب منذ أن احتضنت زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن خلال تسعينات القرن الماضي، إلا أن العديد من الشركات حاولت التغلغل للسودان في شماله وجنوبه للوجود في هذه المنطقة الغنية بالموارد والتي سيتم تقسيمها العام القادم لدولتين.
وقبل أن يرفع الحظر عن الشركات الأمريكية للعمل في السودان عام 2006 عقب التوصل لاتفاقية السلام الشامل عام,2005 حاولت شركة بلاك ووتر، طبقا لتقارير إخبارية أمريكية (وهي أكبر الشركات الخاصة التي توفر خدمات أمنية للحكومة الأمريكية ولها وجود كبير في العراق وأفغانستان، وغيرت اسمها مؤخرا بعد الكشف عن مشاركتها في تعذيب محتجزين لديها إلى اسم جديد هو إكس إي) توفير حماية أمنية لكبار مسؤولي حكومة جنوب السودان، وتدريب جيش الجنوب، وحاول أن يساعدها في سعيها للحصول على تعاقدات حكومية، نائب الرئيس الأمريكي الأسبق ديك تشيني، عن طريق معرفته الوثيقة برئيس الشركة إيريك برنس. ولم تقبل الشركة، في المقابل، أتعاب أو أموال مقابل عقد قيمته 100 مليون دولار أمريكي، لكنها طلبت حق الانتفاع بما قيمته 50% مما تحتويه مناجم معادن الحديد والذهب في الجنوب! وقام بالإشراف على مفاوضات مباشرة مع رئيس حكومة جنوب السودان سيلفا كيير نائب رئيس الشركة كريستوفر تايلور، الذي اصطحب معه لجوبا عاصمة الجنوب اثنان من كبار قادة حركات الايفانجليكال المحافظين هاورد فيليب وإيدجر برنس.
وقد كان ملفتا أن تكشف تقارير إخبارية أمريكية عن قيام رجل الأعمال الأمريكي فيليب هالبيرج، وهو مصرفي متقاعد، بشراء 400 ألف فدان من الأراضي في جنوب السودان، وبمبلغ لم يفصح عنه، لمصلحة شركته التي تسمى جيرش، وهي مساحة أكبر من مساحة إمارة دبي. وقد تم الشراء بهدف معلن هو الاستثمار الزراعي. إلا أن القلق يساور الكثيرين في الخرطوم، إذ أنه لم يكن تم الانتهاء من إعداد قانون الاستثمار وبيع الأراضي.
وقال هالبيرج إنه اشترى قطعة الأرض من عائلة أحد قادة الحركة الشعبية التابع لحكومة الجنوب، من خلال حصوله على حصة الأغلبية في شركة يسيطر عليها ابن فالينو ماتيب بالينو الذي خاض الحرب لفترات إلى جانب الحكومة السودانية ضد الحركة الشعبية لكنه انضم إليها بعد اتفاقية السلام في يناير 2005 بعد أن وقع الجانبان اتفاق سلام، ليصبح نائبا للقائد العام لجيش الحركة.
ما المطلوب عربيا؟
أمام هذا المأزق، مأزق انفصال الجنوب عن الشمال السوداني يتساءل الدكتور عبد الله الأشعل : ما هو موقف الدول العربية؟ هل تعترف بالدولة الجديدة امتثالاً للرغبة الأمريكية أم تعزف عن الاعتراف احتراماً لرغبة الحكومة السودانية؟ فإذا اعترضت الحكومة السودانية أملاً في استجلاب الوحدة أو الفدرالية في وقت لاحق، فلا أظن أن الدول العربية ستكون ملكية أكثر من الملك كما يقولون، خصوصاً أن مصر مثلاً بادرت في وقت مبكر استشرافاً لهذا المصير ومدت جسوراً مع حكومة الجنوب وأنشأت بعثة قنصلية في جوبا عاصمة الجنوب.
إنني أنبه يضيف الأشعل إلى أن المؤامرة على وحدة السودان لا قبل للسودان وحده بمواجهتها، وإذا تسامحت الدول العربية مع انفصال الجنوب، فإن تفكيك السودان قادم وتفتيت الدول العربية يكون قيد النظر ما دامت السابقة قد تم إرساؤها. ولذلك فإنني أطالب بوقفة عاقلة في هذه المأساة، وليس واردا استجداء الحركة الشعبية حتى ترضى بعدم فصل الجنوب، أو بوعود باستثمارات عربية في الجنوب ثمناً لمنع الانفصال، وإنما تكون هذه الوعود في مؤتمر تحضره كل الأطراف وأن تكون جزءاً من حل شامل يحفظ للسودان وحدته.
وأخيراً، وكما أشار أحد كبار المسؤولين السودانيين أثناء لقاء في الخرطوم أوائل يوليوز 2010 لماذا يصر الجنوب على الانفصال وهو منفصل فعلاً وروابطه مع الشمال شكلية، إلا أن يكون الانفصال مقصوداً منه تمزيق السودان وإدخاله في دوامة جديدة من الصراع؟!
والحق أن التصدي للمؤامرة منذ بدايتها أقل كلفة وأبعد نظرا من الاستسلام لأوهام التسوية وسراب السلام، ولكن العالم العربي قد بدأ ينفرط عقده مما لا يدع مجالاً للشك بأن السلام المصري الإسرائيلي رأس الشرور للعالم العربي ومصر في المقدمة.
ونظرا لمخاطر الانفصال على العالم العربي والإسلامي وأفريقيا فقد ترى الدول في العوالم الثلاثة عقد قمة مشتركة لتدارك المخاطر، فالدول العربية والأفريقية هشة وأضعفها بلاء الداخل وتجبّر الخارج، مما أنهك قدرتها على الصمود حتى للحفاظ على وحدتها الداخلية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.