كأنه لم يكفِ شركة بلاك ووتر الأمريكية ما سفكته من دماءٍ بريئة في العراق وأفغانستان، فقد ولغت عميقاً في دماءهم، وانتهكت حرماتهم، ولم تفرق في قتلها بين مدنيٍ وعسكري، وبين صحفيٍ وإعلامي، وبين رجلٍ وإمرأة، وطفلٍ صغيرٍ وشيخٍ عجوز، فقد سجلت وسائل الإعلام جرائم بلاك ووتر العديدة في العراق وأفغانستان، وكيف أنها كانت تتسلى بأرواح ودماء المدنيين، وأنها كانت تطلق النار عشوائياً وفي كل الاتجاهات، بحجة تأمين بعض الشخصيات، أو مواجهة وملاحقة الأخطار المحدقة بهم، فدماء العراقيين علينا عزيزة، ودماء الأفغان عزيزة، والغريب أن من يدعي أنه ولي الأمر، والمكلف بحماية المواطنين، ودفع الظلم عنهم، هو الذي يتعاقد مع هذه الشركة المجرمة، وهو الذي يسهل أعمالها في بلاده. كأن شركة بلاك ووتر الدموية لم يكفها ما ارتكبته من مجازر وجرائم في بلادنا العربية والإسلامية، حتى تأتي إلى الضفة الغربيةالمحتلة، التي لا ينقصها قتلة، ولا تحتاج إلى مجرمين، ولا تفتقر إلى متآمرين، وتتعاقد بملايين الدولارات، تقتطع مما يسمى أموال المساعدات والمعونة الأمريكية للسلطة الفلسطينية، وتدفع لها مقابل قتلها أهلنا، وملاحقتها لنشطائنا، وانتهاكها لحرماتنا، وإشاعتها للفوضى والخراب في مدننا وقرانا، وإحالتها حياتنا إلى فوضى واضطراب وغيابٍ حقيقي للأمن والسلم المجتمعي. ما الذي ستقدمه شركة خدمات اكسي "بلاك ووتر" الأمريكية لشعبنا الفلسطيني في الضفة الغربية، ألا يكفي أهلنا مئات الجنود الإسرائيليين الذين يجتاحون مدن الضفة وقراها كل يوم، فيقتلون ويعتقلون ويلاحقون، وليس من يمنعهم أو يقاومهم، فهم يدخلون مناطقنا بتنسيقٍ مسبق مع الأجهزة الأمنية الفلسطينية، التي تعرف أنهم قادمون، وأنهم قاتلون لا محالة، وأنهم معتقلون ومخربون، ولن يردعهم عن جرمهم سلطة رام الله، ولا حكومة سلام فياض، أم أنهم سيكونون عقبةً جديدة وكبيرة في طريق الوفاق الوطني الفلسطيني، إذ أن أحداً من الفصائل الفلسطينية لن يقبل بوجودها على أرضنا، ولن يجيز عملها الأمني بين مواطنينا، ولن يسمح لها بتخريب نسيجنا الاجتماعي. وإلى جانب الجنود الإسرائيليين ببزتهم العسكرية، فإن هناك مئات المستعربين الإسرائيليين، الذين ينطقون بلساننا، ويلبسون ثيابنا، ولهم نفس هيئتنا، ويخفون أسلحتهم الجبانة التي يحملونها، ويدخلون كل المناطق في الضفة الغربية، يؤدون ذات الدور الذي يقوم به الجنود الإسرائيليون، وينفذون مهماتهم بخسةٍ ونذالةٍ وجبن، تحميهم مواكباتٌ عسكرية إسرائيلية قريبة، وتتابعهم أجهزة تنصت ومتابعة ومراقبة لصيقة، تحول دون تعرضهم لأي خطر، وتمنع أي محاولة للنيل منهم أو الاشتباك معهم، ولو حدث أن وقع بعضهم في أيدي رجال المقاومة، أو السكان المحليين، فإن الأجهزة الأمنية الفلسطينية، المكلفة بالتنسيق الأمني، تسارع إلى إنقاذهم، وإعادتهم إلى مقراتهم، وتسليمهم إلى أقرب نقطة تنسيق أمني وعسكري مع الإسرائيليين. وإلى جانب هؤولاء وأولئك فإن الأجهزة الأمنية الفلسطينية التابعة لحكومة سلام فياض، لا تتوقف عن الاعتقال، ولا تمتنع عن التعذيب والإساءة والإهانة، وقد تقتل بفعل التعذيب، وقد تنسق مع الإسرائيليين ليقتلوا هم بأنفسهم، أو تقوم أجهزتهم الأمنية بالاعتقال إن هم عجزوا عن القيام بهذا الواجب. فما الذي تريد أن تقوم به شركة بلاك ووتر في الضفة الغربية، وما الذي ستضيفه أكثر مما تقوم به مختلف الأجهزة الأمنية وقوات المستعربين العاملة، فليس لها من مهمةٍ غير المزيد من القتل، والمزيد من الاعتداء والانتهاك والتخريب، ولكن القتل هذه المرة سيكون بنيرانٍ صديقة، ومن قبل عسكريين أصدقاء، فالولايات المتحدةالأمريكية صديقة للسلطة الفلسطينية، وحريصة على أمنها وحمايتها، فهي مكلفة بمساعدتها، وتقديم العون لها، ولكن المساعدة ليست إنسانية، وليست خيرية، فهم لا يقدمون للشعب الفلسطيني ما ينفعه، أو ينهض به، بل إن مساعدتهم أمنية وعسكرية، لتحقيق المزيد من القتل، كما أن الوفاء بقيمة العقد الذي يبلغ عشرات ملايين الدولارات، سيكون من أموال الدعم والمساعدة، أي أن الفلسطينيين سيدفعون مما هو من المفترض أن يكون حقاً لهم. شركة بلاك وتر القادمة إلى الضفة الغربية هي آخر الابتكارات والتخليعات الأمريكية والإسرائيلية، وهي نتاج الجنرال دايتون وخلفه مولر، ولن يكون لها وظيفة سوى قتل المزيد من الفلسطينيين، ونصب المزيد من الحواجز العسكرية على الطرقات، والتضييق على حركة المواطنين الفلسطينيين، ولن تكون معنية بحماية الفلسطينيين أنفسهم من الأخطار الإسرائيلية، فهم لن يمنعوا الجنود الإسرائيليين من إطلاق النار على مواطنينا، ولن يجبروا المستعربين على التراجع وعدم الغوص في الدماء الفلسطينية، فشركة بلاك ووتر لن تكون لحماية الفلسطينيين من الإسرائيليين، بل ستقوم بتقديم كل المعلومات المتوفر لديها إلى الجانب الإسرائيلي، كما قد يكون من الصعب عليها التحرك والانتقال من مكانٍ لآخر قبل الحصول على إذنٍ وترخيصٍ إسرائيلي مسبق، إذ أن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية هي التي ستزودها بالمعلومات، عن مكان وجود مقاومين أو مطلوبين، ليقوموا بملاحقتهم وقتلهم بنيرانٍ صديقة. شركةٌ سجلها أسود، وصحائفها سود، وأيديها ملطخةٌ بالدماء، إنها مافيا عسكرية، ومرتزقة متعددة الجنسيات، وعصاباتٌ مأجورة، وعناصر موتورة، ونفوسٌ مريضة، نهجها معروف، وإدارتها عنصرية، وأهدافها غير نبيلة، ومرجعيتها القنصلية الأمريكية في القدس، وارتباطها مع جهاز الاستخبارات الأمريكية، ووزارة الدفاع الأمريكية، والخارجية الأمريكية هي التي رشحتها، وأرست العقد عليها، وهي تعلم سجلها الأسود في العالمين العربي والإسلامي، فلماذا نقبل بها، ونوافق عليها، أم أنها جزء من ترتيبات دايتون لتأهيل وتدريب قوات الأمن الفلسطينية على الحماية والقنص والقتل، أم أنها بنداً سرياً من بنود اتفاقيات التنسيق الأمني مع العدو الإسرائيلي، لبعث الطمأنينة في إسرائيل، أم أن شركة بلاك ووتر ذات الوظائف المتعددة، جزء من دولة المؤسسات التي ينوي فياض إقامتها، تمهيداً لإعلان الدولة الفلسطينية، وحراسة الدبلوماسيين والبعثات الأجنبية في أراضي السلطة الفلسطينية، وأنه كما سمح لها بدخول الضفة الغربية، فإنه يخطط ليسمح لها بدخول قطاع غزة، لتعيث فيهما معاً فساداً وخراباً. لا مكان لشركة بلاك ووتر في أرضنا، وبين أهلنا، بل لا مكان لكل الغرباء عن أرضنا، والمتآمرين على شعبنا، كما لن يكون مكانٌ ولا وجود للمحتلين على أرضنا، فعلى السلطة الفلسطينية " السيدة" في رام الله، أن ترفض هذا العقد، وأن تشكر الإدارة الأمريكية على جهودها ومساعيها، وأن تعلن لهم أننا لسنا بحاجة إلى جهودهم كما إلى عونهم، ونسأل الله أن يغنينا عنهم. دمشق في 13/1/2011