الحديث اليوم في المغرب بهاجس جهوية موسعة ومتقدمة..ينهض على تطلع جاد ومتفائل لكسب رهان التنمية الجهوية الحقة كخيار لا محيد عنه بإزاء الصعوبات الكأداء المزمنة والمحبطة ، لمعضلة التنمية الإجتماعية ..وعبثية الإنتخابات التمثيلية المحلية والجهوية والوطنية..وبنيوية الإختلالات الجهوية، والمحلية دهخل نفس الجهة..وقبل ذلك وبعده للمأزق الذي ما يزال يلف قضية الصحراء المغربية. إن لفظتي ،موسعة ومتقدمة ، تقولان ضمنيا أن ما تحقق في مسار التنمية الجهوية عندنا " ضيق " لغة..وممركز تفسيرا أو تأويلا.."متخلف" أو "متأخر" لغة..تسلطي لاتنموي تفسيرا أو تأويلا أيضا..، وبكلام آخر ،متواضع وفاشل.. الجهوية ،برأينا ،اختيار سياسي..(فلسفة..)معاصر في التنمية يقوم على الجهة كمجال مركز للتنمية..الجهة هذه قد تكون صغيرة أو كبيرة الحجم ،إذ أن اختيار سلم خريطة الجهة يخضع لمعايير متغيرة ومتنوعة ،بشرية واجتماعية وتاريخية وثقافية واقتصادية..لكن التجارب الجهوية التنموية الرائدة والناجحة عالميا هي التي انبنت على صغر حجم الجهة.طبيعي هنا أن الصغر نسبي.. وهذا ما يبرر خصوصيات التقطيع الجهوي،وأيضا خصوصيات المضمون القانوني والسياسي والإداري للجهة..وذلك بحسب اختلاف الوضعيات الجغرافية والتاريخية والسياسية والبشرية والتنموية لكل الدول التي اختارت منهجية التنمية الجهوية. لاجدال في أن المغرب عرف مفهوم الجهوية بالمعنى المعاصر مع حلول الإستعماربداية القرن الماضي ،على الأقل من الناحية الإدارية والعسكرية التحكميتين..ومن الناحية الوظيفية الإستغلالية..لهذا ورثت دولة الإستقلال خريطة جهوية جد مختلة ومتباينة..،مع تحول بارز ومتمكن للمغرب الأطلنتي على ما سواه من المحاور الجهوية التقليدية الجنوبية والشرقية والداخلية.. لقد بلور المخطط الخماسي (1968 - 1972)وعيا جهويا واضحا بإزاء الإختلال والتباين الموروثين عن الإستعمار.في هذا السياق يقر الظهير رقم 77. 71 .1 الصادر يوم 16 يونيو 1971 ، والقاضي بإحداث الجهات الإقتصادية السبع ، يقر بقانون جهوي يستهدف " تحقيق تنمية منسجمة ومتوازنة لمختلف أجزاء المملكة.."كما بمنطوق الفصل الثاني من الظهير الآنف. بعد مرور ربع قرن على تجربة 1971 سيستيقظ المغرب ، علاوة على أعراض "السكتة القلبية " ،على جهوية ازدادت ترديا واختلالا وإخفاقا.ليس لأن سلطة الأجهزة الجهوية كانت فقط في إبداء الرأي والمشورة ..(كما يقال) ولكن بالأساس لأن عمر هذه التجربة يحايث عمر مغرب الجمر والرماد..وبإستحضار المستلزمات الأمنية والتحكمية لهذا العمر ،من يستطيع أن يزيغ عن.. أو يتطاول على هواجس المركزة والتركيز التحكميين التقنوقراطيين؟؟ على كل حال، بعد ربع قرن ،سيرتقي دستور 1996 بالجهة الى مستوى جماعة محلية "..تتمتع بالشخصية المعنوية والإستقلال المالي .." ب"..مهمة المساهمة في التنمية الإقتصادية والإجتماعية والثقافية للجماعة الجهوية.." لأجل تحقيق أهداف التنمية الإقتصادية والإجتماعية المنسجمة والمتوازنة..وذلك بتفعيل الديمقراطية المحلية (= اللامركزية السياسية)،وترسيخ عدم التركيز الإداري . وهكذا تم تقسيم التراب المغربي الى 16 جهة اعتمادا على مبادئ ومعايير متنوعة (طبيعية وبشرية ووظيفية وجيواستراتيجية..).ولئن تزامنت هذه السياسة الجهوية الجديدة مع جهود ترابية سياسية وتنموية دؤوبة ومحترمة لجلالة الملك محمد السادس ،ولحكومة التناوب التوافقي ،فإن الحصيلة التنموية الجهوية ،ظلت بعد مرور 14 سنة ،دون المستوى المرجو..لعدة أسباب ،منها. - انشغال حكومات التناوب بالإصلاحات الوطنية الكبرى ..إذ أن الإنفتاح السياسي الذي أعقب عام 1998 فرض التركيز على هذه الإصلاحات بما هي حاجات وطنية ضرورية وملحة ومنتظرة..على الأقل في السنوات الآولى من تجربة التناوب التوافقي..ومع ذلك لم تغفل ،هذه التجربة،الإهتمام بإعداد التراب الوطني .لنتذكر هنا جهود الوزير المكلف بإداد التراب الوطني محمد اليازغي ،على الأقل من ناحية توفير مونوغرافيات جهوية تعريفية ومعلوماتية(من المعلومات).. ولنتذكر العراقيل التي نصبت في وجه الوزير الأول عبد الرحمان اليوسفي في ولو.. اجتماعه بالعمال والولاة.. إنه العطب المزمن المتمثل في وصاية أجهزة السلطة على التراب الوطني ..وكأن دولتنا لا ،ولن تثق إلا في خدامها الأوفياء..وأما ممثلي المجتمع فعديمو الصدقية والوفاء والجدية ، من حيث أن هذه السياسة / النظرة جوهرانية مطلقة..لا يسعني ،هنا،إلا أن أقول أن الخلل متبادل..في الدولة وفي تمثيلية المجتمع معا.أما لماذا ..وكيف..و الى متى..فأسئلة مؤرقة لامجال لها في هذه الورقة. - العيوب التي شابت التقطيع الجهوي (16 جهة).صحيح أنه ليس هناك من تقطيع مثالي ..كما هو صحيح،أيضا، أن الإشكال ليس في عدد الجهات بذاته(صغير أم كبير)،إنما أجدني متفقا مع من لاحظ أن هذا العدد(16 )تحكم فيه أساسا مؤشر عدد السكان ..إذ أن مراقبة عدد سكان المغرب جهويا / أمنيا عام 1971 اقتضت سبع جهات ..وعام 1996 اقتضت 16 جهة.. بالنظر،طبعا،الى ارتفاع وتيرة النمو الديمغرافي.والمراقبة تعني،أيضا، استمرار الهواجس الأمنية التحكمية . ليس،طبعا،من زاوية أن الأمن حق من حقوق الناس..وهذا حق نعيش ترديه المؤسف يوميا..ولكن من زاوية حق أجهزة ومؤسسات ورمزيات السلطة أفقيا وعموديا في الأمن السياسي والإجتماعي والثقافي..إذ لامفرلهذا "الحق" ،طبعا،من سياسة الوصاية والتحكم.. استمرار هذه الهواجس جعل التقطيع الجهوي متنافرا،لامنسجما ولامتوازنا في عدة حالات / جهات،على عكس ماهو موجود في الواقع والتاريخ والثقافة والإقتصاد..(كمثل حالة تاونات التي أصبحت مفصولة عن فاس..أو حالة الدارالبيضاء كمدينة جهة..دون محيط جهوي..(ربما بسبب أنها جهة الجهات..أو عاصمة الجهات..)وحالة مكناس / الشمال الضاربة في تافيلالت / الجنوب..وغيرهم..) وقد روعي في تزكية هذه الهواجس رصد وتوفير مدينة / عاصمة لكل جهة..فبدا التقطيع هذا وكأنه توزيع (أو وزيعة..)لتراب المغرب فيما بين المدن الكبرى المتوسطة..استباقا،ربما،لمتغير التزايد المتصاعد للساكنة الحضرية.. حتى أضحت هذه المدن "عواصم" مركزية جهوية تخضع إليها باقي حواضرومراكز محيطها الجهوي،لكنها تخضع للرباط والدارالبيضاء..أي متبوعة وتابعة..والنتيجة من هذا هي ترسيخ بل وتعميق الإختلالات الجهوية وطنيا،وداخل الجهة الواحدة محليا. - تزامنت هذه الإختلالات القديمة والمستحدثة مع عقم ولاجدوى "الديمقراطية المحلية والجهوية"التي أفرزت "نخبة صغيرة"هزيلة واسترزاقية لاتجد ذاتها إلا في كونها أداة مطلوبة و"محترمة" في إعادة إنتاج المركزة والتركيزاللذان يبدوان وكأنهما مبتغى طموح ومنتهى مآل كل "النخبة الكبيرة" في سوسيولوجيتنا الترابية.. بهذه الضحالة التمثيلية لم تزد الجهة،كجماعة محلية،لأعطابنا الإنتخابية إلا فيلة للفيل..رأينا هذا لايفيد أن جماعاتنا المحلية والجهوية عاقرة في إنتاج النخب السوية والغاعلة والمحترمة ،فعلا..ولكنه يفيد طرح هذا السؤال: لماذا لاتطفح في بركنا الإنتخابية الآسنة إلا مثل هذه النخب المتورمة؟ لاشك أن الجواب محمول في السؤال،إذ لايمكن أن تنتج الآسانة إلا التورم..وإذن بسؤال آخر: لماذا تجد نخبتنا المحترمة والصحية نفسها في الهزيمة..أو الهامش..أو الصمت..؟ بالتأكيد هذا خلل كبير جدا يجب أن يستنهض الإنتباه والإهتمام والإصلاح..مع خالص الإحترام للرأي الذي نبهتني له مقالة ذ عبد الرحمن العمراني (جريدة الإتحاد الإشتراكي ع9383 -25 يناير 2010 )بوجود نخبة محلية وجهوية معتبرة ،لكن لا موقع لها في التدبير والتسيير.. أمام سيادة وحكم النخب الخارجية(من خارج تراب الجماعة المحلية أو الجهوية).هذا بالفعل عطب آخر ضمن الإعطاب الكسيحة لجهويتنا المحجوزة..وهو عطب لايجب أن يفهم منه شيئا من الشوفينية أو العصبوية لأولاد البلاد..بل يجب أن يفهم منه التهميش والإستصغارللطاقات البشرة المحلة.فهل يمكن للجهوية أن تستوي حقا بهذه السياسة؟ - نتحدث عن الجهوية وننسى أن لنا توجها اقتصاديا ليبراليا رأسماليا(بصرف النظر عن طبيعة وفعالية هذا التوجه في بلادنا).وعليه،وأمام التباين الفادح في البنيات التحتية والتجهيزات والمقومات والموارد..بين الجهات هل يتصور عاقل أو عقلاني أن يشد الرأسمال المغربي الحر،مهما كان وطنيا ،وأيضا الرأسمال الأجنبي ،الرحال الى فكيك .. أو حتى الى حدكورت في مجال المغرب الأطلنتي الفلاحي النافع..(اسمحوا لي هنا بفتح قوس وجداني ،ربما لأنني مواطن من إحدى المدن الصغرى بالجهة التي تنتمي إليها حد كورت - جهة الغرب الشراردة بني حسن - لأقول أن هذه الجهة التي كان ينعثها المتربوزل الإستعماري الفرنسي بكاليفورنيا شمال إفريقيا..تحتل اليوم المرتبة 14 في الخريطة الجهوية للمغرب الفقير الهش . إذ لاتشد إليها الرحال كاميرات التلفزيون وهدير الهليكوبترات ومبعوثو الصحف ..إلا لما يزبد ويرغي سبو التي هي (هذه الجهة)هبته ومحنته في نفس الآن.أشير الى هذا على الرغم / أو بسبب (لست أدري..)غنى الجهة الهائل بالموارد الطبيعية الفلاحية..وغناها بنخبة سياسية بحجم الوطن..فقط.. ثم غناها بموقع متميز..لكنه فقط يؤهل اغنيائها وملاكها للحلب بها ..والإقامة بالقنيطرة أو الرباط..)لكي يقيم مضاربه الإنتاجية ويسعى الى الربح..أمام الخصاصة المدقعة في البنيات والتجهيزات والمقومات ؟؟ألن يفضل هذا الرأسمال المجالات المواتية لإقامته مهما بهض ثمن مقومات الإنتاج؟؟والمثال هو هذه الكاريزمية المزمنة للدار البيضاء الصناعية.. **************** وعليه ،يحق لنا أن نعتبر البداية المبكرة جدا لسنة 2010 (03 يناير..)، وبداية العقد الثاني من العهد الجديد..ثم بداية العقد الثاني من الألفية الثالثة..(دعوني ألتفت وأسطر على رمزية هذا التقويم المفكر فيه ..ربما)سياقا واعيا لإعلان الحدث..حدث تنصيب جلالة الملك للجنة الإستشارية المكلفة بالجهوية.. الحدث،وحديث الملك فيه عن مبادئ وقيم وتوابث الجهوية المنشودة..(الوحدة المغربية..، اللامركزية الموسعة ..،التضامن الجهوي..،التوازن في السلط..)ينهض على اعتراف ضمني شجاع بفشل التجربة الجهوية السالفة.شفيعي في صوغ هذا الإعتراف عوامل كثيرة : - جهود العرش نفسه،في العمل التنموي الدؤوب أفقيا وعموديا، مركزيا وجهويا..وبطائل نسبي بأسباب هول الخصاص التنموي الجهوي.. - لربما أيضا إنصات الملك الضمني لرأي القوى الديمقراطية بضرورة الإصلاح السياسي والمؤسسي لأجل أن تكون التنمية الوطنية،والجهوية ناجحة ومنتجة..يِؤكد هذا الإنصات فجائية الإنتظار والإعداد للحدث / الخطاب دونما مناسبة ..إلا مناسبة رمزية التأريخ / التاريخ..كما أشرنا الى ذلك فيما سبق.فهل سيكون هذا الحدث مبشرا بقرب إطلاق جيل إصلاحات مؤسسية وسياسية جديدة لاغنى عنها لأجل أن تكون جهويتنا المنشودة موسعة ومتقدمة فعلا ؟؟ - مد مشروع الحكم الذاتي بأقاليمنا الصحراوية ببنية جهوية مغربية مؤسسية عامة.ولعمري فإن طرح المغرب لحل الحكم الذاتي ،ولئن بدا وكأنه (هذا الحل)الحافز أو القاطرة لجهويتنا المرجوة..فإنني أذهب مع الرأي القائل بأن قضية الصحراء في العلاقة مع جهويتنا المختلة ،ليست إلا الشجرة التي تخفي الغابة..عدا أن طرح التنمية الجهوية بالمغرب كان سابقا على بروز وسيرورة أزمة الصحراء ..ثم أن مضمون الحكم الذاتي بجهة الصحراء قد يكون مختلفا عن المضمون المؤسسي والقانوني والإداري لباقي الجهات..