صادق مجلس الحكومة المنعقد بتاريخ 21 أكتوبر 2010 على مشروع مرسوم يحمل رقم 2.10.451 بتتميم المرسومين رقم 2.96.793 ورقم 2.96.804 بتاريخ 19 فبراير 1997 في شأن النظامين الأساسيين الخاصين بهيئتي الأساتذة الباحثين بالتعليم العالي وبمؤسسات تكوين الأطر العليا، وحسب التصريح الصحفي الذي قدمه وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة عقب اجتماع المجلس المذكور، فإن المشروع يهدف إلى تمكين أساتذة التعليم العالي المساعدين الحاصلين على شهادات أجنبية معترف بمعادلتها لدكتوراه الدولة المغربية والبالغين على الأقل الرتبة الثانية من الدرجة "ب" من إطارهم، من إعادة إدماجهم مباشرة في إطار أستاذ التعليم العالي. ونظرا لأن المشروع يكتنفه الغموض ويخفي الكثير من الأسرار، فإننا، ولو على سبيل محاولة الاقتراب من طبيعته، سنطرح مجموعة من القضايا تبدو جوهرية وحاسمة من خلال سياق المعطيات أو المؤشرات التي تحيل إليها عناصر تقديم المشروع. وحسب إحالات المشروع فإن الأمر قد يتعلق بالمادة 34 من المرسوم رقم 2.96.793 والمادة 33 من المرسوم رقم 2.96.804 المشار إليهما، وهما المادتان المرشحتان للتعديل أو التتميم، ويتعلقان معا بإعادة إدماج أساتذة التعليم العالي المساعدين الحاصلين على دكتوراه الدولة. واستنادا إلى نص المادتين فإن الأساتذة المعنيين بعملية إعادة الإدماج هم أساتذة التعليم العالي المساعدون المتفرعون عن الأساتذة المساعدين، الذين سيعاد إدماجهم عند حصولهم على دكتوراه الدولة، وتوفرهم على الأقل على الرتبة الثانية من الدرجة "ب" في إطارهم، في إطار أساتذة التعليم العالي، أو في إطار أساتذة مؤهلين في حالة عدم توفر الشرط الأخير، حيث سيعاد إدماجهم مباشرة في إطار أساتذة التعليم العالي بعد قضائهم أربع سنوات بصفة أستاذ مؤهل. وإذا كانت هذه الإجراءات واضحة وإيجابية بالقدر الكافي في الوقت الذي شرعت فيه، باعتبارها استجابة عملية للمتغيرات التي فرضها النظام الأساسي الجديد للأساتذة الباحثين سنة 1997، فإن بعض المؤشرات التي وظفها المشروع الجديد يبدو وكأنها تتجاوز جدار النيات الطيبة، لترجح التوجه المطرد للوزارة الوصية نحو زرع اصطناعي لامتيازات مضافة، تعكس بالملموس الأبعاد الحقيقية للمبادرات التفضيلية ومنطق الكيل بالمكيالين، وتكريس سياسة الامتيازات الفئوية التي ما فتئت تعتمدها منذ سنوات لضرب حقوق ومكتسبات الأساتذة الباحثين وتعميق الهوات بين بعضهم البعض. وتبدو معالم هذا الطرح جلية من خلال اعتماد المشروع لصيغة أستاذ التعليم العالي مساعد، وهي صيغة إطار محدثة كما هو معروف بمقتضى المرسومين المشار إليهما، وبموجب المادة 2 منهما معا، وهي الصيغة التي عوضت صيغة أستاذ مساعد التي كانت معتمدة حتى حدود 1997. وحسب المادة 33 من المرسوم رقم 2.96.793 والمادة 32 من المرسوم رقم 804. 2.96.فإن أساتذة التعليم العالي المساعدين هم متفرعون من : - الأساتذة المساعدين الذين بلغوا على الأقل الرتبة الأولى من الدرجة "ب" في إطارهم. - الأساتذة المساعدين الذين بلغوا الرتبة الخامسة من الدرجة أ في إطارهم. - الأساتذة المساعدين الحاصلين على شهادة معترف بمعادلتها للدكتوراه. أما الأساتذة المساعدون الذين لا تتوفر فيهم إحدى هذه الشروط فإن إدماجهم في إطار أستاذ التعليم العالي مساعد متوقف على مناقشة أطروحتهم للدكتوراه المنصوص عليها في المرسوم رقم 2.96.796 بتاريخ 19 فبراير 1997 الخاص بتحديد نظام الدراسات والامتحانات لنيل الدكتوراه. ولأن أغلب الأساتذة المساعدين قبل 1997 سجلوا أطروحاتهم لنيل دكتوراه الدولة ومنهم من لم يتمكن من مناقشتها حتى حدود 1997، فإن الوزارة الوصية منحت لهم فترة انتقالية لإنجازها ومناقشتها، وتم تجديد هذه الفترة الانتقالية لفترات متعاقبة يمتد آخر تحديد لها إلى شهر شتنبر 2012، وخلال هذه الفترة الانتقالية فإن أساتذة التعليم العالي المساعدين المتفرعين عن الأساتذة المساعدين الذين سيناقشون أطروحاتهم لدكتوراه الدولة وبلغوا الرتبة 2 من الدرجة ب في إطارهم سيعاد إدماجهم مباشرة في إطار أستاذ التعليم العالي، أما الذين لم يبلغوا الرتبة والدرجة المذكورتين فيعاد إدماجهم في إطار الأساتذة المؤهلين وبعد قضاء أربع سنوات بهذه الصفة يعاد إدماجهم في إطار أساتذة التعليم العالي(المادة 34 من المرسوم رقم 2.96.793. والمادة 33 من المرسوم رقم .2.96.804 .) فما الداعي إذن لتتميم المرسومين ما دامت المادتان تضمنان إدماج أساتذة التعليم العالي المساعدين وفق ما يشير إليه المشروع. إن ما يضيفه المشروع في هذا الباب هو توظيفه إطار أساتذة التعليم المساعدين بمواصفات جديدة لا تنطبق عليها إجراءات المادتين 34 و 33 المشار إليهما على ما يبدو، وتتمثل من خلال الصفة المقترنة بهم: "الحاصلين على شهادات أجنبية معترف بمعادلتها لدكتوراه الدولة" ومن هنا تتضاعف إمكانات وآليات الغموض والالتباس في طرح صيغة أساتذة التعليم العالي المساعدين، الأمر الذي يقود لأول وهلة إلى أن الأمر لا يتعلق بأساتذة التعليم العالي المساعدين المتفرعين عن الأساتذة المساعدين، ولا يخضعون لمقتضيات المرحلة الانتقالية، لأن من شروط ذلك تسجيل أطروحة دكتوراه الدولة قبل 1997، مما يعني أن الأساتذة المعنيين هم فئات جديدة من أساتذة التعليم العالي المساعدين الحاصلين على شهادة الدكتوراه المغربية أو ما يعادلها المنصوص عليها في المرسوم رقم 2.96.793 ورقم.2.96.408.ورقم 2.96.796، واستطاعوا إضافة إلى ذلك أن يحصلوا على شهادة أجنبية يعتبرها المشروع معادلة لشهادة دكتوراه الدولة المغربية. والمثير هنا هو أن دكتوراه الدولة المغربية لم يعد لها وجود منذ 1997، عدا ما ظل يخضع منها لمقتضيات الفترة الانتقالية، والمفروض في هذا الباب أنه بعد 1997 لا يمكن الحديث عن التسجيل في دكتوراه الدولة أو الحصول عليها، وبالمقابل لا يمكن الحديث عن شهادة أجنبية معادلة لهذه الدكتوراه لأنها غير موجودة أصلا في قائمة الشهادات العليا المعتمدة التي تمنحها الدولة المغربية، بل إن دكتوراه الدولة القائمة قبل 1997 تعامل، اليوم، على مستوى المباريات والتوظيفات على قدم المساواة مع بديلتها الدكتوراه التي اعتمدت منذ 1997. ونحن نثير هذه القضية لأن وزارة التعليم العالي، على سبيل التذكير، صادرت حق فئة من الأساتذة المساعدين المشار إليهم في الفقرة الأخيرة من المادة 33 من المرسوم رقم2.96.793 والمادة 32 من المرسوم رقم 2.96.804 الذين لا تتوفر فيهم شروط إعادة الإدماج بعد 1997 المنصوص عليها في المادتين، والذين يظلون خاضعين لأحكام المرسوم رقم 2.75.665 بتاريخ 17 أكتوبر 1975 في شأن النظام الأساسي الخاص برجال التعليم العالي الباحثين في التعليم العالي، وحرمتهم من التسجيل في دكتوراه الدولة التي تم إلغاؤها بموجب نص المادة 36 من المرسوم رقم 2.96.796 بتاريخ 19 فبراير 1997 التي تنسخ جميع النصوص المتعلقة بتحديد نظام الدراسة والامتحانات لنيل دكتوراه الدولة وتحضيرها في جميع التخصصات، مع أن مقتضيات المرسوم الذي يخضعون لأحكامه(1975) تمنحهم حق التسجيل في هذه الدكتوراه وتحضيرها، فكيف يمكن انتزاع هذا الحق من بعض الفئات مع أن القانون يقف إلى جانبهم ويضمن لهم ممارسة هذا الحق، بينما يتم إجازة التسجيل(خارج المغرب) لحساب فئات أخرى، والاعتراف بشهادات معادلة لدكتوراه الدولة التي لم يعد لها وجود منذ 1997. إنها مفارقة غريبة فعلا، ومظهر قوي كذلك لانتهاك صارخ للإجراءات التنظيمية والتشريعية المعمول بها في هذا الباب، بل ووجه صريح لمنطق تكييف النصوص القانونية وفق معايير المحسوبيات والزبونيات. كل هذه المؤشرات تؤكد بلا ريب الإرادة المبيتة لوزارة التعليم العالي الرامية إلى خلق مناطق نفوذ لامتيازات جديدة استثنائية وغير عادلة، فإذا كان العمل بنظام دكتوراه الدولة ما يزال ساري المفعول، على صعيد نظام الدراسات والامتحانات والإجراءات المتعلقة بتحضير الشهادات العليا، وهذا ما يتعارض كلية مع كل النصوص التشريعية والتنظيمية المعتمدة منذ 1997، فينبغي تعميمه على جميع فئات الأساتذة الباحثين بمختلف فئاتهم وتفريعاتهم، وتمكينهم جميعا من التسجيل في دكتوراه الدولة، وعدم حصر ذلك على البلدان والشهادات الأجنبية. وتوظيف الشهادة الأجنبية في سياق المشروع لا يخلو من دلالة محورية، إذ إن وزارة التعليم العالي ببلادنا منذ سنوات تتصرف تحت تأثير عقدة الشهادات الأجنبية، فقد انتهكت الكثير من القيم والثوابت الأكاديمية والعلمية والأعراف الجامعية والقوانين والإجراءات التنظيمية من أجل أن تمنح شهادة أجنبية ثلاث معادلات في زمن قياسي، ويتعلق الأمر بشهادة الدكتوراه "الفرنسية" التي منحت في مرحلة أولى معادلة دبلوم الدراسات العليا، وفي مرحلة تالية معادلة الدكتوراه المغربية بعد 1997 مع ريع ست سنوات من الأقدمية الاعتبارية وفي مرحلة ثالثة معادلة دكتوراه الدولة المغربية وإن بصيغة ملتوية ومواربة، وهي لذلك لاتألو جهدها من أجل الرفع المشبوه من قيمة الشهادات الأجنبية ومنحها العديد من الامتيازات على المستويين المادي والمعنوي والرمزي، والعمل المتواصل من أجل الحط من الشهادات الوطنية وتبخيس قيمتها العلمية والأكاديمية، حتى إن دكتوراه الدولة المغربية اليوم فاقدة لأية قيمة علمية أو مادية، ولا تكاد تتميز عن أية شهادة أخرى.وقد نجحت الوزارة على هذا الصعيد في عمليات "إخصاء تاريخي" للشهادات الوطنية العليا وتحطيم مجدها، وإفراغها من أية حمولة علمية أو ثقافية أو معرفية. و على كل حال، إذا كان المشروع يهم أساتذة التعليم العالي المساعدين الذين لا تنطبق عليهم مقتضيات المرحلة الانتقالية، فإنه سيشكل خرقا جديدا للنظام الأساسي للأساتذة الباحثين، وإجراء غير عادل وجائرا ضد فئات واسعة من أساتذة التعليم المساعدين المتفرعين عن الأساتذة المساعدين وغير المتفرعين عنهم الحاصلين على شهادة الدكتوراه بعد 1997، ولن يكرس إلا مزيدا من الحيف والإجحاف والاعتداء على حقوقهم. ومنطق وزارة التعليم العالي في هذه الحال إنما يجمع بين وضعين متناقضين لا يمكن فهمهما إلا ضمن آليات تصنيع الامتيازات التي يبدو أنها تتوفر على كفايات عالية لتمريرها وإضفاء الشرعية عليها، فبدل أن تنصف الأساتذة الباحثين ضحايا إجراءات تطبيق مقتضيات النظام الأساسي لسنة 1997 الذين مورس في حقهم عسف كبير انتزعت بموجبه من حياتهم المهنية سنوات فعلية من خدماتهم الفعلية، وتعمل على رد الاعتبار لهم، وجبر الضرر الجماعي الذي لحقهم جراء الاعتداء على حقوقهم المهنية، الجرح الحقيقي الذي يعانون من آلامه ومضاعفاته، تلجأ إلى معالجة "جروح رمزية" لتفتح عبرها باب امتيازات مشبوهة وتجازف مجددا بالسقوط في بئر الخطيئة. *كلية الآداب - مكناس