مجنون الحكم ليس رجلا عاديا بل هو مثقف مشاغب. الحديث معه لا يلتزم بلغة الخشب، كان تعيينه حدثا بارزا، أسال الكثير من المداد والجدل، لكنه واجه تحديات وزارة كان البعض يعتبرها صغيرة هامشية وحولها إلى محطة محورية تسهم في مشروع التنمية البشرية. هذا هو بنسالم حميش المثقف الذي لا يعرف الركون إلى الأعذار، ولا ينفك يعمل بحثا عن توهج الفعل الثقافي في المغرب. بنسالم حميش أنت مثقف ينتمي إلى ما يمكن أن نسميه بالعائلة اليسارية...هل تعتقد بأنك الرجل المناسب في المكان المناسب؟ مهما قلت لك فلن تصدقني، هذا السؤال لا يمكنني أن افصل فيه، فالجواب عنه موكول إلى الآخرين وان قلت أنني الإنسان المناسب في المكان المناسب فنعم، فهو كلام بقدر ما هو مشروع بقدر ما هو مكروه كذلك. والفعل مقرونا بالعمل هو ما يحكم للشخص، فالناس بأعمالهم. وأحسن رد على التساؤلات والتخوفات هو إنجاز العمل، وهذا هو ما يستطيع أن يلقم الحجر كل من يحاول أن يقوم بالمزايدة من اجل المزايدة، أو يحاول النقد من اجل النقد، الذي لا يقوم على ركائز ولا حتى على الواجب الذي يقتضي التزود بالمعلومات. أنا صرت الآن أنادي وأطالب شرائح لابأس بعددها أن تلتزم بشيء من العلم ...وأنا اعرف بعض الصحفيين، وسامحني فكل قاعدة واستثناء، الذين يتعالون عن واجب تقصي الأخبار حول وزير من الوزراء، هذا الشخص المحاط بطاقم من الموظفين والإداريين، لمعرفة ما الذي تفعله هذه الوزارة، وما الذي تحقق من خلالها....ونحن هنا من اجل تزويد أي كائن بالمزيد من المعلومات الضرورية التي هم في حاجة إليها. دواعي هذا السؤال مرتبطة بطبيعة الأشخاص الذين تناوبوا على راس هذه الوزارة قبلك...سياسيون يتمثلون بالمثقفين ومن لا علاقة لهم بالثقافة والبعض الآخر الذين كانوا مجرد واجهات..السؤال ما هو تموقع ذ.حميش في هذه الخريطة؟ أنا لست من دعاة الرجوع إلى الماضي، كما أنني لست هنا من أجل الحكم على كل من سبقني في هذا المنصب من باب اللياقة، لكنني اعتقد، للأسف الشديد، بأن مجموعة من المشاكل تراكمت على هذه الوزارة، و تأتي من مصدر واحد هو التصور الغيري فيها. كانت هناك استثناءات، لكنها للأسف الشديد لم تكن مؤثرة في العمق من حيث سياستها ومراكمة الأفعال الايجابية، وعقلنة التسيير والتدبير، لذلك أنا أحاول ما أمكن أن أنظر إلى المستقبل. الماضي سيبقى على ما هو عليه ولا يمكن تغييره، بقدر ما يمكن تغيير المستقبل والحاضر. ومن هنا حضرنا لخطط عمل ومشاريع وتصورات للثقافة، ولأي دور يمكن للثقافة أن تقوم به في إطار التنمية البشرية، وهو ورش مفتوح على كل الأصعدة ولكل الوزارات. لأن عصب التنمية البشرية هو الثقافة الواسعة التي تعني الارتقاء والذائقة، وتعني كذلك التربية، الحس المدني، المواطنة، عشق الجمال، الحقيقة.. وكل هذه القيم، طبعا، التي نعتبرها النخاع الشوكي في كل مجتمع يريد أن ينبني كمجتمع للمعرفة، وفي هذا تعترضنا بطبيعة الحال صعوبات، وعلينا هنا أن نكون على بينة منها ، وألا نمر عليها مرور الكرام، لأننا بذلك نتركها على حالها. ما يقلقني حقيقة هو انه لا يمكننا أن نسعى إلى بناء مجتمع المعرفة مع ما هو حاصل بالفعل، أي ما اصطلح على تسميته بأزمة القراءة. فالمجتمع الذي تتفشى فيه هذه الظاهرة لا يمكن أن يتحول إلى مجتمع معرفة، لهذا فكرت في هذا الموضوع من أجل مناظرة حول مجتمع المعرفة وأزمة القراءة، لإيجاد بشكل بعض الحلول التي نعتبرها نافعة وناجحة لحل هذا المشكل، أو لإيجاد بداية حل لهذا المشكل. سيدي الوزير، أنت تتحدث عن منتوج ثقافي راق بهذا التصور وهذا معناه انه علينا أن نعمل على تغيير منظورنا لوزارة الثقافة كوزارة للفلكلور إلى وزارة حقيقية للثقافة. كيف إذن سيتم ذلك؟ الثقافة إما أن تكون رفيعة أو لا تكون، أنا شخصيا متواجد هنا، حتى لا اترك دار لقمان على حالها وإلا ما الفائدة. واعتبر أن مسؤوليتي كبيرة، وأنا ابذل كل ما في جهدي، لا من حيث الوقت، التدبير، الاستخبار وكذا الإطلاع، وإن كنت قد قلت لك قبل قليل بأن الثقافة عصب التنمية فأنا أعني ما أقول. فكل المجتمعات الراقية تجد للثقافة فيها دورا أساسيا ورافعا. وهذا ما نريده لثقافتنا. عفوا سيدي الوزير، إن كررت القول بأننا عندما ننظر لوزارة الثقافة لا نجدها إلا وزارة للفلكلور... لا، وان كان الفلكلور له الحق في الوجود، فلا يمكن لهذه الوزارة أن ترعاه فقط . الفلكلور، كما تعلم، كلمة تعني ثقافة وتراث الشعب..الخ، وتدخل في إطارها الأغنية الشعبية: احواش، العيطة، الدقة، الكدرة، وهذه طبعا أنواع من الفلكلور التي علينا أن نكون معتزين بها، ولكن هذا ليس كل ما لدينا وما علينا الاهتمام به. فهناك أوراش أكبر كالثقافة المكتوبة ومجال الكتاب والنشر، وجميع الفنون الأخرى بكل أصنافها وأنواعها، والمجال التراثي المادي كالمواقع الأثرية التي لابد من صيانتها وإعادة ترميمها، فهي جزء من عمقنا التاريخي وهويتنا التاريخية، فهي أيضا مدرة للعملة الصعبة في مجال السياحة، فهي ذات مداخيل نتمنى ان تزداد وتتقوى. وعلى ذكر هذه النقطة بالذات، فلي صديق حميم في الحكومة، هو وزير السياحة ياسر الزناكي، سأبدأ معه جلسة عمل للنظر في كل أنواع الشراكات، لذلك سنحرر مع مساعدينا ومدرائنا اتفاقيات في هذا المجال بالذات. أي في إطار ما يسمى بالسياحة الثقافية أو الثقافة السياحية؟ نعم، السياحة الثقافية أو الثقافة السياحية، أو سمها كما شئت، مع العلم وكما قلت لك، أن الصداقة هي رأسمالنا، فعندما نتكلم نكون دائما على نفس الموجة. أريد لقطاعنا الثقافي أن ينهض كذلك بالسياحة، وان ينهض القطاع السياحي بالثقافي. هل يمكن أن نفهم من هذا بأن بنسالم حميش له مشروع ثقافي حقيقي ومحدد؟ لا يمكن لأي وزير أن يقول: لقد أتيتكم متأبطا مشروعا، بين عشية وضحاها، لقد قضيت المزيد من الوقت خلال فترة مجيئي على رأس هذه الوزارة للإطلاع على الملفات لمعرفة الواقع، أولا من حيث الايجابيات التي تم إنجازها، أو الملفات التي بقيت على الرفوف. فالتصور لا يمكن أن يكون سابقا على الخبرة والتجربة، التصور هو وليد الخبرة والتجربة. الآن يمكنني أن أقول أنني في بداية هذا التصور، من موقع المسؤولية، ولكنني لست وحدي على هذه الخشبة، فلدينا مدراء وخبراء ودارسون وباحثون، سنجند كل هؤلاء لكي يدلي كل واحد بدلوه، وما هو مطلوب من الوزير أن تكون لديه طاقة كبيرة للإنصات من جهة، وقدرة على التأليف من جهة أخرى، فيما بين الآراء والتوجهات والاقتراحات وما إلى ذلك. سنفتح نقاشا هنا في الوزارة حول ما نحن مطالبون به، حتى يكون هناك تناغم مع الأوراش الأخرى المعروفة على الصعيد الوطني كله. ووزارات الجوار، التي تعنينا بالدرجة الأولى مثل السياحة، فكل المواقع الأثرية والمدن التي هي الآن مسجلة من طرف اليونيسكو ضمن لائحة التراث العالمي، و القصور والقصبات، ثقافة وسياحة . ولدينا فكرة سنطبقها في الأجل القريب بمشيئة الله، في المناطق الشمالية، وفي بعض المدن الجنوبية مثل ورزازات حيث سنستثمر في مآوي، لأناس يأتون من أوروبا والغرب عموما، لديهم الرغبة في تغيير عالمهم بعالم آخر، فالأموال الآن موجودة لإقامة المأوي في القصور والقصبات. وسيبقى أمامنا مشكلة وحيدة هي كيفية إقناع بعض الساكنة بقبول اقتراحنا، وتغيير قصورهم وقصباتهم بمساكن اقتصادية تتوفر فيها كل مستلزمات العيش الكريم. وهناك أيضا وزارة الشبيبة والرياضة، حيث سأدشن مع السيد منصف بلخياط بعض المكتبات، وهي فكرة أوحيت له بها حيث ستتواجد زاوية مكتبية بكل القاعات الرياضية، والكتب التي ستتوفر فيها من نوع بيوغرافيات الأبطال في شتى أنواع الرياضات، بما فيهم الأبطال المغاربة، تتضمن كل ما كتب عنهم أو ما صرحوا به في شكل حوارات صحفية، تكون قدوة لهؤلاء الشبان الذين يطمحون في أن يصبحوا أبطالا ونجوما، هذا بالإضافة إلى وزارة التربية الوطنية، وهذا من باب البديهيات. أشرت في معرض حديثكم إلى المآثر والقصور والقصبات وإلى مشروعكم لدور الضيافة، ألا تفكر السيد الوزير في الرفع من مستوى مديرية الآثار إلى مرتبة كتابة دولة ملحقة بوزارتكم؟ أو إحداث هيئة أو مجلس أعلى للآثار تحت إشراف وزير الثقافة؟ العبرة، كما يمكنك أن ترى ليست في إحداث المجالس وكتابات دولة وما إلى ذلك. لأنه مشوار طويل. سنعمل بما هو قائم وموجود، وحث كل المنخرطين والقيمين على مديرية التراث ليبذلوا جهودهم ونحن معهم، فهم كما تعرف يخصص لهم قسط من ميزانية الدولة، فتفعيل وتقوية هذه المديرية، ربما هو الطريق الأنجع والأسلم وربما إلى الحد الأقصى. هناك اليوم ما يدعونا إلى جركم إلى مجال آخر، فأنت كوزير للثقافة لك ارتباط بكل إنتاج فكري، ما موقفك مما أثير مؤخرا حول بعض الأفلام والانتاجات الفكرية، التي أساءت إلى سمعة المغربيات وبعض المغاربة؟ أي مسؤولية لوزارة الثقافة في هذا الموضوع في نظركم؟ ربما تتحمل وزارة الثقافة المسؤولية، مثلا، في كون إحدى نقابة الفنانين كانت وراء منح صفة وبطاقة فنان لنساء لا علاقة لهن بالمجال الفني، ويسافرن بها ويشتغلن في بعض المجالات التي لا علاقة لها أيضا بالفن؟ هذا، أظن، حدث في الماضي ولا ناقة ولا جمل لي في الوقت الحاضر مع هذا الموضوع. ولكن أنت الآن وزير للثقافة؟ نعم الآن، وأنا كما قلت لك الناس يسقطون في الخلط بين الأمور، حيث يعتبرون التلفزيون والإعلام قطاعات تابعة لوزارة الثقافة، في حين أن لهما علاقة مباشرة بوزارة الاتصال، إذن فكل سؤال في هذا المجال وفي المجال السينمائي يخص وزارة الاتصال. إذن، فما هي وجهة نظركم في المسألة؟ لا لا يمكنني أن أنوب عن زميلي وصديقي السيد خالد الناصري لأجيب عن مثل هذه الأسئلة. لنتحدث إذن عن النقابات؟ نعم النقابات كان لديها مشكل فعلا، وقد وقعنا في هذا الصدد اتفاقيات مع النقابة الوطنية للفنانين، حتى تتوصل هذه الأخيرة بمنحة مبلغها الإجمالي سنويا هو مليون درهم. تتحدثون سيدي الوزير هنا عن التعاضديات؟ نعم التعاضديات. ولكنني أحدثك عن النقابات الفنية وهيكلتها؟ دع عنك النقابات، فما هو أساسي بالنسبة لي هي هذه التعاضدية، وأنا أعتبر بأن دور النقابات هو الدفاع عن حقوق الفنانين والأدباء وما إلى ذلك، نحن كذلك نفعل الشيء نفسه، فهل الوزارة متواجدة هنا لمعاداتهم في نظرك؟ لا ولكنني أقول بأن بعض هذه النقابات أساءت إلى المغاربة والمغربيات بتهجيرها لنساء لا علاقة لهن بالفن؟ إذن هذا هو الحل، لقد ألغينا تلك البطاقة التي كانت تعطى لهم، وقلنا بأن الوزارة الوصية على هذا القطاع من خلال مديرية الفنون، هي الوحيدة الموكول لها حق منح هذه البطاقة أو عدم منحها، وهذا موضوع انتهينا منه بل لقد ذهبنا إلى ما هو أكثر من هذا، حيث أن البطاقات السابقة سيعاد فيها النظر، ولن تعطى إلا لمن يستحقها مرورا عبر لجان ومعايير نضعها، وسنوكل لدار السكة أمر طبعها وتغليفها، بحيث يستحيل تزويرها أو تزييفها. أشرت قبل قليل إلى وزارة الاتصال، نحن نعرف الآن أن وزارة الاتصال هي عبارة عن وزارة(جامدة)، ألا ترون معي انه سيكون من الأفضل إلحاقها بوزارة الثقافة؟ لا يمكنني إجابتك على هذا السؤال. أنا أسألك فقط؟ أنت تريد أن تحرجني مع زملائي الأمر لا يتعلق بالإحراج بتاتا، أنا سأشرح لك وجهة نظري.. لا لا(الله يخليك) أنا لا أحب الحيف، فما كان أجدر بك أن تحكم بشكل قطعي وتقول عن وزارة بأنها جامدة، كان الله في عون زميلي خالد الناصري. هذا كل ما يمكنني أن أقوله لك، وأنت كذلك تعرف علاقتي بالصحفيين، وأنا لا أريد هنا أن أضع الكل في رزمة واحدة، فالبعض منهم لا يحكمه إلا النقد السلبي والخوض في المياه العكرة، وهذا كله بسبب الجهل وعدم المعرفة. هل أفهم بأن الكلام الذي تقوله الآن قابل للنشر؟ أنشره أو لا تنشره. أنا لا أقوم إلا بلفت انتباهك لهذا الأمر؟ نعم، أنا افهم ما ترمي إليه، لقد كان هذا الموضوع مثار جدل تحت قبة البرلمان في المرحلة الأخيرة، وهو موضوع قابل للنقاش، علينا فقط إيجاد صيغة ممكنة لطرحه في أكثر من جلسة، وأنا أقول لك أنني لا أتعامل مع الصحفيين في صف متراص متجانس، فمنهم كما في كل القطاعات، الصالح والطالح، لكن الأغلب هو أن منهم من تنعدم لديه أخلاقيات المهنة، وهذا شئ معروف. أنا أقول دائما لأصدقائي في الوزارة، والزم نفسي بهذا، بأننا غير ملتزمين على الرد على من قال كلاما خارجا عن الجادة، جادة الصواب، نجيب عنهم بالفعل والعمل. سيدي الوزير، سأطرح سؤالي بطريقة أخرى. من قبل كانت وزارة الاتصال أو الإعلام ووزارة الثقافة هيكل واحد، واستطاعت أن تحقق انجازات مهمة، ألا ترى معي بأن الفصل بين الوزارتين قد أضر بالثقافة؟ لا بل بالعكس تماما، فأنا أعتقد بأن الذي دعا إلى هذا الفصل هو هذا الزخم الذي حدث، على الأقل، في العشرية الأخيرة. اعتقد أن صديقي الذي سبقني إلى الوزارة، السيد محمد الأشعري لفترة وجيزة قام بتحمل المسؤوليتين معا، وهو بنفسه لم يكن مرتاحا، فحتى من ناحية الضغط الزمني والمسؤوليات ومواجهة التحديات لا يمكن معها مواجهة حقلين كهذين المتحدث عنهما. وهذا من باب المستحيل. لهذا كان لابد من توزيع المهام بين وزارتين ووزيرين، وكان هذا هو الحل الأسلم. ورغم هذا فمن ينظر لحال وزارة الاتصال، للأسف، يحس بنوع من المرارة لأنهم كلهم يشعرون بالحيف والظلم، هناك صحفيون يتعمدون الافتراء والبهتان والكذب، فهم يقولون عنك أنك تسكن في فيلا فخمة تطل على البحر، في غياب أي حجة مادية عن ذلك. هل هذا معقول؟ أنا الآن اجلس معك هنا ويقولون عني بأنني في نيويورك، وقد حصل هذا معي. هذا كثير، ونحن نحاول أن نحد من مثل هذه الافتراءات بعدم الإجابة عنها. أعود معك مرة أخرى، إلى موضوع النساء المغربيات، التي فتحت النقاش على أكثر من صعيد من الأصعدة، ومن ضمنها المركز السينمائي المغربي الذي تبين انه يغرد خارج السرب، وساهم من خلال نوعية من الأفلام، التي يدعمها في الإساءة إلى المغرب والمغاربة، ألا تعتقدون معي انه كان من الأجدر أن يوضع المركز السينمائي المغربي تحت وصاية وزارة الاتصال أو وزارة الثقافة؟ هو متواجد فعلا، تحت وصاية وزارة الاتصال. هذا من الجانب المادي ولكن من يراقب الانتاجات؟ أنا أتحدث عن الاعتمادات المخصصة للمركز السينمائي المغربي، فهي تمنح مباشرة من وزارة الاتصال سنويا، والذي يمكن قوله أن حتى هذا المركز هو مجرد إطار، ومن يفعل هذه الأشياء التي ترمي إليها هو غير المديرية، لأنها لا توجه. وقد سبق لي أن كنت مدة سنتين رئيسا لصندوق دعم الإنتاج السينمائي المغربي، ولهذا لم يكن أمرا سهلا، ورأيت بأم عيني كيف كانت تجري الأمور. هنا ناس مخرجون يقترحون سيناريوهات على أساس أن اللجنة المكونة من 11 فردا موكول لها النظر في كل هذه السيناريوهات، تقبل بعضها وترفض بعضها الآخر من خلال التصويت إذا اقتضى الحال بشكل ديمقراطي. ولكن إذا قام هذا المخرج بعمل لا يليق ولا يروق للجنة، فالمديرية ليست هي المسؤولة عن ذلك، المخرج يصبح مالكا لمنتوجه وهو الذي يحاسب عليه. لهذا علينا أن لا نقول بأن هذه مسؤولية وزارة الاتصال أو مسؤولية المركز السينمائي المغربي. من يبدع الفيلم ويخرجه من العدم إلى الوجود هو المخرج، وبطبيعة الحال مع شركات الإنتاج والممثلين. ولكن سيدي الوزير، ألا تتم مراقبة هذه الأفلام بعد إنتاجها؟ وقبل عرضها على الجمهور؟ قضية الرقابة مسألة داخلية، وهي ضمن اختصاصات وزارة الداخلية ووزارة الاتصال إلى حد ما. غير أنني لا أعتبر أن أعضاء لجنة صندوق الدعم عليهم أن يتحولوا إلى مراقبين، يمارسون الرقابة وسيستعملون المقص وما إلى ذلك. مع العلم أنه يتم نصح بعض المخرجين بالابتعاد عن كل أشكال الإساءة إلى الجمهور، وأنا كنت شاهد عيان على ذلك، وقمت في هذا الإطار بحثِّ بعض المخرجين على هذا الأمر، ما دامت قضية العري والإباحية لا تعطي قيمة مضافة للعمل الفني لأن أمرها سهل ولا إبداع فيه. وفعلا نجد من يستجيب وآخرون يفعلون ما يريدون، ونحن نطالب هنا بألا تتم المبالغة في هذا الأمر، واللعب على هذا الوتر لتزيين الفيلم وتسويقه. ألا يمكن في هذا السياق أن يتم إحداث لجنة أخلاقيات عوض لجنة رقابة؟ هذا مجال آخر لا حدود له، سيكون علينا إحداث لجنة أخلاقيات ولجنة رقابة ولجنة كذا ولجنة كذا، بدون طائل ولا إفادة. فما أعتقده شخصيا أن مثل هذه الأفلام لا تعمر طويلا، وأظن أننا نتكلم الآن عن السينما وهي قانونيا غير تابعة لوزارة الثقافة. هذا هو الإشكال، فلو كانت السينما تابعة لوزارة الثقافة لكان بالإمكان على الأقل أن تكون هناك مقاربة موضوعية؟ لا، المشاكل كانت ستكون واردة حتى ولو كانت هذه السينما تابعة لوزارة الطاقة والمعادن ( يضحك)، الذي يبدو كحل قد قمت باقتراحه، ويبدو لي أن الأهداف عندما تترسخ تتحول إلى قواعد، وهناك لوبيات..فأي عمل سينمائي هو عمل جماعي، وأنت حين تعلم أن كل مخرج هو بالضرورة منتج، وما من مخرج إلا وخلق شركة إنتاجه، ويكتب السيناريو والحوار ويمكن أن يمثل أيضا، وهذا شيء غير ممكن، وغير متواجد في أي مكان في العالم. مع العلم أنني أمارس كتابة السيناريو، وأعرف النواة التي تبشر بالخير أو تندر بالشر، بالنسبة للفيلم تكمن في السيناريو والحوار. لهذا فهذه المهنة، يجب أن تكون مهنة خاصة، وهذا هو اقتراحي، أن يكون هناك مختصون. فعندما قام كتاب السيناريو بإضراب عام في هوليود توقفت الآلة السينمائية الأمريكية برمتها، بل شلت تماما، وكل هذا تلزمه مناظرة وحديث طويل.. نتمنى أن تتخذ وزارة الثقافة في مستقبل الأيام المبادرة... أنا أقول لك بأننا في وزارة الثقافة، لا نحرم أنفسنا من أمر كهذا، والورش مفتوح أمام كل المبادرات، وليس بيننا وبين تحقيق غد أفضل لهذه السينما أي حاجز، وليس لأي الحق في أن تكون له الوصاية على هذا الفن. بل إننا نعتبر أن هذا حق من حقوقنا جميعا، لأنها تمثل جانبا هاما من جوانب الثقافة، وهي وان كانت قانونيا تابعة لوزارة أخرى فهذا لن يمنع في أن نبدأ في خلق أوراش تعلم كتابة السيناريو وفن الحوار، وما إلى ذلك من فنون ترتبط بالسينما. كنا قد أثرنا موضوع الآثار، ما الذي تقوم به وزارتكم في مواجهة سرقتها وتهريبها ؟ علينا ألا نقوم بتضخيم الأشياء إلى درجة التهويل، فنحن حين نسمع بموضوع التهريب، نتصور أن الأمر أكبر من أن يعالج. كل ما في الأمر أن عملية التهريب والسرقة هذه تطال بعض الأشياء الخفيفة، بما في ذلك بعض العظام التي تخص بعض الحيوانات المنقرضة كالديناصور مثلا. وعلى كل حال، فالهيكل العظمي الذي سرق كان متواجدا بمقر وزارة الطاقة والمعادن، وتم فعلا تهريبه عن طريق تفكيكه إلى أعضاء منفصلة، وتم ترحيله وتهجيره إلى خارج الوطن كأجزاء. وقد كان الأمر سهلا جدا على من كانوا وراء هذه العملية، لأن آلات الكشف لم يكن بإمكانها أن تتبين وجود عظام ديناصور وسط أشياء أخرى. ولكننا ما إن تم إخبارنا بهذا من طرف السيد مصطفى الساهل سفير المغرب في باريس حتى قمنا بواجبنا، حيث اتصلنا أولا بالشرطة القضائية والسيدة الوزيرة بنخضرة، التي أخبرناها أن فعل السرقة تم من داخل وزارتها، وأخبرنا كذلك وزارة الخارجية، وقد كانت هناك تعبئة حقيقية. هذه الأشياء لا تتحدث بشكل يومي فلا يجب تهويلها. ونحن بصدد إنجاز مشروع قانون يخص إنشاء ما يعرف في مصر وفي فرنسا أيضا، بشرطة الآثار بكل أنواعها. ومشرع القانون هذا سيخول خلق هيئة مختصة، خاصة ومستقلة، من شأنها الحرص على أن يبقى تراثنا محميا، وإذا ما تم تهريب بعض النوادر، أو شيئا من هذا النوع، فستتم متابعة الجناة قضائيا. خارج إطار وزارة الثقافة، أنت كمناضل اتحادي، كيف تنظر الآن إلى الصراع القائم بين ما يسمى بحركة الإصلاح، التي يعتبرها البعض وليدة صراع من اجل المصالح... لهؤلاء الحرية الكاملة في أن يعتبروها حركة إصلاح من أجل المصالح أو غيرها، لكل رأيه ومنظوره الخاص. لكن المنطق يقول بأنه لا يمكن لثلاثة أشخاص أن يمثلوا جناحا أو تيارا، أو أن هناك صراعا بكل هذا المعنى، فالمكتب لايزال مفتوحا وهياكل الحزب موجودة كما كانت. وبطبيعة الحال، فالمطلوب هنا هو الزيادة في تحريكها وتفعيلها، فلو انسحب نصف المكتب السياسي مثلا لكان المشكل هنا كبيرا وعميقا، ولو استقال مثلا الكاتب العام للحزب لكان هذا أيضا مشكلا حقيقيا. والموضوع انتهى أمره وطوي الملف، أليس كذلك؟ كان مجرد زوبعة في فنجان؟؟ أعتقد بأن لي نفس الجواب (يضحك) كيف يعيش بنسالم حميش، كمثقف، وزوج وسط عائلته؟ أنا وسط عائلتي بخير والحمدلله، وأعيش في بيتي كأنني في جزيرة، حيث يوفر لي الهدوء والطمأنينة والراحة والاستجمام، ونسيان هموم الوزارة، وإن كان ذلك لساعات معدودة. وبطبيعة الحال أنا أهتم بأسرتي كما هو واجب، ويمكن القول أن لدي حماية ومناعة هي التي تقوي عضدي، في مواجهة ما يعترض الإنسان من مشاكل الحياة والإنسان، إذا قاس إرادته بضرورة حل المشاكل فهذا يعطي، طبعا، معنى لعملة أو دلالة لهذا العمل. ألم تحرمك الوزارة، من الكتابة أو القراءة؟ لا، على العكس من ذلك تماما، بل إن هناك من يعيب على استمراري في الكتابة (يضحك)، والإنسان كما تعلم، إذا شب على شيئ شاب عليه، فالإبداع جزء من حياتي ولا يمكنني التخلي والانقطاع عنه، حتى وإن انطبقت السماء مع الأرض. كل ما في الأمر أن الوقت المخصص لمتعة الكتابة والقراءة لم يعد هو نفسه الذي كان في السابق، أي قبل الوزارة، ولكنني أستغل يومي السبت والأحد للقراءة وللقراءة وللقراءة، وأحيانا للكتابة أيضا.