برلمانيو "الدستوري" و"الحركة" و"الأحرار" الأكثر تغيبا "بدون عذر" خلال جلستين... و30 برلمانيا تغيبوا مرتين    السعدي: حكومة أخنوش تمتلك المشروعية الانتخابية من حصولها على تفويض من 5 ملايين مغربي    سانشيز يشكر المغرب على جهود الإغاثة    هذه توقعات أحوال الطقس نهاية الأسبوع بالمغرب.. و"الأرصاد" توصي بالحذر    شراكة مؤسسة "المدى" ووزارة التربية    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    الصحراوي يغادر معسكر المنتخب…والركراكي يواجه التحدي بقائمة غير مكتملة    مجلس النواب يصادق على مشروع قانون المالية 2025 بأغلبية كبيرة    جورج عبد الله.. مقاتل من أجل فلسطين قضى أكثر من نصف عمره في السجن    استقالة وزيرة هولندية من أصول مغربية بسبب "تصريحات عنصرية" صدرت داخل اجتماع لمجلس الوزراء    انطلاق المؤتمر الوزاري العالمي الرابع حول مقاومة مضادات الميكروبات "الوباء الصامت" (فيديو)    المهرجان الدولي للفيلم بمراكش يكشف عن قائمة الأسماء المشاركة في برنامج 'حوارات'    خناتة بنونة.. ليست مجرد صورة على ملصق !    المغرب: زخات مطرية وتياقط الثلوج على قمم الجبال ورياح عاصفية محليا قوية اليوم وغدا بعدد من الأقاليم    جدد دعم المغرب الثابت لحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة :جلالة الملك يهنئ الرئيس الفلسطيني بمناسبة العيد الوطني لبلاده    إجلاء 3 مهاجرين وصلوا الى جزيرة البوران في المتوسط    حماس تعلن استعدادها لوقف إطلاق النار في غزة وتدعو ترامب للضغط على إسرائيل        حماس "مستعدة" للتوصل لوقف لإطلاق النار    مكتب الصرف يطلق خلية خاصة لمراقبة أرباح المؤثرين على الإنترنت    "السودان يا غالي" يفتتح مهرجان الدوحة    جثة عالقة بشباك صيد بسواحل الحسيمة    لوديي يشيد بتطور الصناعة الدفاعية ويبرز جهود القمرين "محمد السادس أ وب"    اقتراب آخر أجل لاستفادة المقاولات من الإعفاء الجزئي من مستحقات التأخير والتحصيل والغرامات لصالح CNSS    المركز 76 عالميًا.. مؤشر إتقان اللغة الإنجليزية يصنف المغرب ضمن خانة "الدول الضعيفة"        قتلى في حريق بدار للمسنين في إسبانيا    هذه اسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    كارثة غذائية..وجبات ماكدونالدز تسبب حالات تسمم غذائي في 14 ولاية أمريكية    الطبيب معتز يقدم نصائحا لتخليص طلفك من التبول الليلي    التوقيت والقنوات الناقلة لمواجهة الأسود والغابون    "خطير".. هل صحيح تم خفض رسوم استيراد العسل لصالح أحد البرلمانيين؟    وكالة الأدوية الأوروبية توافق على علاج ضد ألزهايمر بعد أشهر من منعه    مدينة بنسليمان تحتضن الدورة 12 للمهرجان الوطني الوتار    بمعسكر بنسليمان.. الوداد يواصل استعداداته لمواجهة الرجاء في الديربي    ارتفاع كبير في الإصابات بالحصبة حول العالم في 2023    رصاصة تقتل مُخترق حاجز أمني بكلميمة    نفق طنجة-طريفة .. هذه تفاصيل خطة ربط افريقيا واوروبا عبر مضيق جبل طارق    ترامب يواصل تعييناته المثيرة للجدل مع ترشيح مشكك في اللقاحات وزيرا للصحة    رئيس الكونفدرالية المغربية: الحكومة تهمش المقاولات الصغيرة وتضاعف أعباءها الضريبية    وليد الركراكي: مواجهة المغرب والغابون ستكون هجومية ومفتوحة    تصريح صادم لمبابي: ريال مدريد أهم من المنتخب        الأردن تخصص استقبالا رائعا لطواف المسيرة الخضراء للدراجات النارية    وفاة الأميرة اليابانية يوريكو عن عمر 101 عاما    محكمة استئناف أمريكية تعلق الإجراءات ضد ترامب في قضية حجب وثائق سرية    حرب إسرائيل على حزب الله كبدت لبنان 5 مليارات دولار من الخسائر الاقتصادية    أسعار النفط تتراجع وتتجه لخسارة أسبوعية    اكادير تحتضن كأس محمد السادس الدولية للجيت سكي    عامل إقليم الجديدة يزور جماعة أزمور للاطلاع على الملفات العالقة    مثل الهواتف والتلفزيونات.. المقلاة الهوائية "جاسوس" بالمنزل    الإعلان عن العروض المنتقاة للمشاركة في المسابقة الرسمية للمهرجان الوطني للمسرح    أكاديمية المملكة تفكر في تحسين "الترجمة الآلية" بالخبرات البشرية والتقنية    الناقد المغربي عبدالله الشيخ يفوز بجائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حفظ الأمن العام ، و الإخلال بالأمن العام أية علاقة ... ؟
نشر في السند يوم 25 - 08 - 2010


إلى ...
§ كل الذين طالتهم الاعتقالات باسم الإخلال بالأمن .
§ كل من اقتنع بضرورة النضال من أجل الحرية و الديمقراطية و العدالة الاجتماعية ، فناضل ، فاعتقل بدعوى الإخلال بالأمن العام .
§ من أجل أمن حقيقي ، اقتصادي ، و اجتماعي ، و ثقافي ، و مدني ، و سياسي .
§ من أجل إنسان بكافة الحقوق في وطن آمن، و بمستقبل آمن.
§ حتى لا يبقى الإخلال بالامن العام ذريعة للتخلص من شرفاء هذا الوطن الحبيب .
§ من أجل سيادة الشعب على نفسه .
محمد الحنفي
مقدمة :
إن حفظ الأمن العام يعتبر شرطا لقيام حركة اقتصادية ، و اجتماعية ، و ثقافية ، و سياسية . كما يعتبر هما يوميا للدولة و المجتمع على السواء ، لأنه بدونه لا يقوم أي شيء ، فتسود الفوضى و الهمجية على أرض الواقع . إلا أنه ، و نظرا لأهمية الأمن العام ، و ضرورته للأفراد ، و المجتمع على السواء ، فإن جهات معينة تستغله للوصول إلى تحقيق أهداف محددة ، فتفرض على الناس الالتزام بقوانين معينة ، تلغي حريتهم و تحرمهم من ممارسة حقهم في الديمقراطية الاقتصادية ، والاجتماعية ، و الثقافية ، و المدنية ، و السياسية ، و تغيب من حياتهم العدالة الاجتماعية ، و تستغل الواقع لتحقيق الأهداف المتمثلة في الإثراء السريع ، و في الارتباط اللامشروط بالمؤسسات المالية الدولية ، و في جعل الاقتصاد الوطني فاقدا لاستقلاليته . و عندما تتم مقاومة هذه الممارسة يتهم كل من قاومه ، و ناضل من أجل الحرية ، و الديمقراطية ، و العدالة الاجتماعية ، بالإخلال بالأمن العام فيعتقل ، و يحاكم ، و يغيب لسنوات قد تستغرق بقية عمره داخل السجون ، أو يتم إعدامه لنفس التهمة . و قد ناضلت الأحزاب التقدمية ، و النقابات ، و الجمعيات الحقوقية ، و على مدى سنوات استقلال المغرب ، ضد قانون كل من شأنه ، السيء الذكر الذي وضعه الاستعمار الفرنسي لغاية في نفس يعقوب ، و قد تم فعلا إلغاء هذا القانون ، و اعترف المسؤولون بأن ما كان يمارس في حق المناضلين ، يعتبر خرقا لحقوق الإنسان ، و أخذت تظهر كتابات تحت عنوان : سنوات الجمر ، و الرصاص تفضح كل ما مورس في دهاليز التعذيب ، و تم تكوين لجن لدراسة ملفات المتضررين ، و تعويضهم عن ما لحقهم ، و ما عانوا منه . لكن بعض المسؤولين لازالوا يحنون إلى استعادة الماضي ، و استغلال النفوذ ، و توظيف الإخلال بالأمن العام ، السيء الذكر ، لتحقيق نفس الأهداف التي حققها سابقوهم . و حتى نجعل القارئ المتتبع في صلب الموضوع سنتناول : مفهوم الأمن بمضمونه الاقتصادي ، والاجتماعي ، و الثقافي ، و المدني ، و السياسي ، و مسؤولية حفظ الأمن العام على المستوى القانوني ، و على مستوى الدولة ، و على مستوى التنظيمات النقابية ، و على مستوى الجمعيات الثقافية ، و التربوية ، و الترفيهية ، و التنموية . و على مستوى الأحزاب السياسية المناضلة ، من أجل دستور ديمقراطي ، و إيجاد قوانين انتخابية متلائمة مع المواثيق الدولية ، و إجراء انتخابات حرة و نزيهة ، و تفعيل المؤسسات الجماعية ، و المؤسسة البرلمانية ، إلى جانب تفعيل الحكومة . كما سنتناول مفهوم الإخلال بالأمن العام على المستوى القانوني ، و على مستوى الدولة ، و على مستوى المنظمات النقابية ، و على مستوى الجمعيات الثقافية ، و التربوية ، و الترفيهية ، و التنموية ، و مسؤولية الأحزاب السياسية القابلة بإقرار دستور غير ديمقراطي ، و غير الساعية إلى إيجاد قوانين انتخابية بضمانات كافية ، و لا تحرص على إجراء انتخابات حرة و نزيهة ، و لا تسعى إلى تفعيل المؤسسات الجماعية ، و مؤسسة البرلمان ، و الحكومة . لنصل إلى معالجة وضع الأحزاب السياسية ، بين حفظ الأمن العام ، و بين الإخلال به ، سواء تعلق الأمر بالأحزاب اليسارية المتطرفة ، أو اليسارية ، أو أحزاب البورجوازية الصغرى ، أو الأحزاب البورجوازية ، أو أحزاب البورجوازية التابعة ، أو الأحزاب الإقطاعية ، أو أحزاب اليمين المتطرف . لنكون بذلك قد ميزنا بين من يحفظ الأمن ، و من يسعى إلى الإخلال به ، سواء تعلق الأمر بالقانون ، أو بالدولة ، أو بالنقابات ، أو بالجمعيات ، أو بالأحزاب السياسية ، حسب منظورنا للأمن العام ، و الإخلال به ، على جميع المستويات الاقتصادية ، والاجتماعية ، و الثقافية ، و المدنية ، و السياسية .
فهل يرقى المواطنون إلى مستوى الوعي بالأمن العام ، و الإخلال به ؟
و هل يعمل المسؤولون على حفظ الأمن العام ، بناء على القوانين المتلائمة مع المواثيق الدولية ؟
و هل تعمل النقابات على فرض احترام الأمن الاقتصادي ، و الاجتماعي للشغيلة ، و سائر الكادحين ؟
و هل تقوم الجمعيات بالعمل على حفظ الأمن الثقافي ، و التربوي ، و التنموي ؟
و هل تعمل الأحزاب السياسية على حفظ الأمن السياسي ؟
ذلك ما سنحاول الوقوف عليه من خلال هذه المعالجة ، التي نتوخى من خلالها الوقوف على مسؤولية كل جهة ، في حماية الأمن العام ، أو الإخلال به ، وصولا إلى حفز كل الجهات على وضع حد للخروقات التي ترتكب باسم حفظ الأمن العام .
مفهوم الأمن العام :
إن الأمن العام مفهوم يهم كل مجالات الحياة ، لعلاقته بسيرها العادي الذي يقتضي انضباط أفراد المجتمع للقوانين ، و العادات ، و التقاليد ، و الأعراف ، و لكون هؤلاء الأفراد لا يمكن لهم أن يعيشوا حياتهم العادية إلا بواسطة ذلك الانضباط الذي يجب أن تتوفر له شروطه الاقتصادية ، والاجتماعية ، و الثقافية ، و المدنية ، و السياسية بما يتلاءم و متطلبات الحياة ، و مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان .
و في هذا الإطار يمكن أن نقول : إن الأمن العام يعني ضمان توفير الأمن الاقتصادي ، و الاجتماعي ، و الثقافي ، و المدني ، و السياسي ، حتى يطمئن الناس الذين يعيشون في بلد معين على حياتهم ، و على واقعهم ، و على مستقبل أبنائهم ، و يتمكنوا من المساهمة في بناء وطنهم على جميع المستويات الاقتصادية ، والاجتماعية ، و الثقافية ، و المدنية ، و السياسية . هذا البناء المستمر الذي لا يتوقف أبدا هو الذي يدخل في إطار إنضاج شروط الأمن المستدامة .
فماذا نعني بالآمن الاقتصادي ؟
و تبعا لما رأيناه أعلاه ، فإن الأمن الاقتصادي لا يعني إلا تمتيع جميع الناس بالحقوق الاقتصادية التي تجعلهم يحصلون على حاجياتهم الضرورية ، و الكمالية ، و الترفيهية حتى تتحقق كرامتهم التي هي شرط وجود الإنسان كإنسان ، و تمتيع الناس بالحقوق الاقتصادية ، يأتي عن طريق التوزيع العادل للثروة ، عن طريق ضمان الحصول على العمل للجميع ، و بأجور تتناسب مع متطلبات الحياة ، و تمكن الإنسان من تغذية روحه ، وعقله ، و جسده ، و اطمئنانه على حياته ، و حياة أسرته ، و على مستقبل أبنائه الاقتصادي .
أما الأمن الاجتماعي ، فلا يعني إلا تمتيع جميع الناس بجميع الحقوق الاجتماعية كالتعليم ، و الصحة ، و السكن ، و الشغل ، و غيرها من الحقوق الاجتماعية ، التي تضمن لكل فرد من أفراد المجتمع الاندماج الاجتماعي ، و المساهمة في العمل على حماية تلك الحقوق ، حتى لا تتعرض للخرق من قبل الجهات التي تستفيد من ممارسة الخرق . و العمل على جعل القوانين الاجتماعية متلائمة مع المواثيق الدولية ، حتى يصير أفراد المجتمع مطمئنين على مستقبلهم الاجتماعي ، و مستقبل أبنائهم الصحي ، و التعليمي ، و جعل السكن و الشغل متاحين للجميع في إطار تحقيق العدالة الاجتماعية الرائدة .
و بالنسبة للأمن الثقافي فإننا نجد أنه يتجسد في تمتيع جميع المكونات الثقافية ، الرائجة في المجتمع ، بنفس الحقوق حتى يقوم بدوره في نشر القيم الثقافية في المجتمع ، و في النمو السليم للأدوات الثقافية الخاصة بكل مكون ، حتى تتطور القيم الثقافية و يتحقق الاندماج الثقافي لجميع أفراد المجتمع ، و تتحقق الوحدة الثقافية للمجتمع الذي يعتبر الحصن الحصين ضد كل أشكال الخروقات ، التي يمكن أن تتعرض لها كل المكونات الثقافية ، أو بعضها .
أما الأمن المدني ، فإنه يتجلى في تمتيع جميع الناس بالحقوق المدنية التي تقتضي ألا بكون ، هناك ، فرق بينهم بسبب الانتماء الطبقي ، أو العرقي ، أو اللغوي ، أو الجنس فكل الناس سواء ، في الحقوق ، و في الواجبات ، و أمام القانون . و الوعي بالحقوق المدنية ، يقتضي النضال من أجل ملاءمة القوانين المدنية مع المواثيق الدولية ، و خاصة منها ما يتعلق بقوانين الأسرة ، و قوانين حماية الأسرة ، و الطفل ، و العمل على حماية الحقوق المدنية ، بكافة الوسائل الممكنة ، حتى يأمن الناس ، أنى كان لونهم ، أو جنسهم ، أو لغتهم ، أو عرقهم ، أو الطبقة التي ينتمون إليها ، على حقوقهم المدنية ، في حاضرهم ن و مستقبلهم .
و بالنسبة للأمن السياسي ، فإننا نجد أنه لا يتحقق إلا بإقرار دستور ديمقراطي ، يضمن ممارسة ديمقراطية حقيقية اقتصادية ، و اجتماعية ، و ثقافية ، و مدنية بالإضافة إلى المضمون السياسي الذي يقتضي وجود قوانين انتخابية ، بضمانات كافية ، لإجراء انتخابات حرة ، و نزيهة ، من أجل إيجاد مؤسسات تمثيلية ، محلية ، و إقليمية ، و جهوية ، و وطنية تنبثق عنها حكومة تكون في خدمة الشعب ، ليسود بذلك الأمن السياسي الذي تترتب عنه كافة أشكال الأمن الأخرى .
و هذه المستويات من الأمن الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و المدني و السياسي تساهم بشكل كبير في سيادة الاستقرار فيسود الاطمئنان في المجتمع و تصير الحاجة إلى أجهزة الأمن ، ذات الطبيعة العسكرية ، ذات طابع ثانوي ، و من أجل المراقبة العامة ، ليس إلا .
و بذلك نجد : أن مفهوم الأمن العام ، هو مفهوم أعمق مما هو ممارس في حياتنا اليومية ، و الذي يعتمد بالدرجة الأولى على استعمال القوة ، التي يمكن اعتبارها ، في نظر الطبقة الحاكمة ، هي الوحيدة التي بواسطتها يمكن أن يتوفر الأمن ، بالمعنى المخالف لما رأيناه ، و الذي لا ينتج إلا حالة من الاسترهاب التي تسود في صفوف المواطنين ، فيقبلون الأمر الواقع على أنه قضاء و قدر، و هو في الواقع ليس إلا ممارسة إرهابية تهدف إلى تكريس سياسة اقتصادية ، و اجتماعية ، و ثقافية ، و مدنية ، و سياسية ، على أنها ممارسة تخدم مصلحة الطبقة الحاكمة ، و الطبقات التي تسبح في فلكها . و إذا قاوم أحد تلك السياسة ، يوضع في خانة الذين يمارسون الإخلال بالأمن العام ، فيتابع لأجل ذلك .
مسؤولية حفظ الأمن العام :
و الأمن العام – كما قدمنا تصورنا له – يحتاج إلى من يحفظه ، و يعمل على استمراره ، و استدامته ، و يحرص على أن لا يتم الإخلال به ، لضمان السير العادي للحياة الاقتصادية ، والاجتماعية ، و الثقافية ، و المدنية ، و السياسية . فمن المسؤول عن حفظ الأمن ؟ هل هذه المسؤولية قانونية ؟ أم إنها مسؤولية الدولة ؟ أم مسؤولية النقابات ؟ أم أنها مسؤولية الجمعيات الثقافية ، و التربوية ، و الترفيهية ، و التنموية ؟ أم إنها مسؤولية الأحزاب السياسية ؟
إن حفظ الأمن العام هي مسؤولية جميع ما ذكرنا ، و لكن بشرط أن يعمل الجميع على سيادة ثقافة حفظ الأمن العام ، حسب المفهوم الذي تعرضنا إليه . و كل من لم يعمل على سيادة تلك الثقافة ، فإنه يقف بشكل أو بآخر وراء سيادة الإخلال بالأمن العام .
و حتى نكون على بينة أكثر ، فإننا نستعرض طبيعة المسؤوليات المتعلقة بحفظ الأمن ، و مستويات تلك المسؤوليات :
1) و أول مسؤولية يمكن أن نستحضرها هنا هي : المسؤولية القانونية . فماذا نشترط في القوانين حتى تساهم بشكل كبير في حفظ الأمن العام ؟
إن ما تعودنا عليه في حياتنا : أن الطبقة الحاكمة عندما تخطط لتشريع القوانين التي تحكم سير الحياة الاقتصادية ، والاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية ، فإنها لا تراعي في التشريع إلا مصلحتها الطبقية . الأمر الذي يجعل أمن الطبقات الأخرى يتعرض للإخلال بالأمن العام . و لتجنب هذه الوضعية التي تجعل القوانين مصدر الإخلال بالأمن العام ، نرى ضرورة أن تكون الهيئات المعنية بالتشريع ، منبثقة عن انتخابات ديمقراطية حرة ، و نزيهة . و أن تكون القوانين التي تصدر عنها متلائمة مع المواثيق الدولية ، و مراعية لمصالح جميع أفراد المجتمع بقطع النظر عن لونهم، أو جنسهم، أو عرقهم، أو لغتهم، أو الطبقة التي ينتمون إليها، حتى تصير تلك القوانين مصدر أمن جميع الناس على السواء. و إذا لم يكن الأمر كذلك، فإن القوانين تبقى هي المصدر الحقيقي للإخلال بالأمن العام للعديد من الطبقات، و الشرائح الاجتماعية المتضررة من تلك القوانين.
2) و مسؤولية الدولة تعتبر امتدادا للمسؤولية القانونية، لأن الدولة بأجهزتها المختلفة هي المسؤولة عن تطبيق القوانين المختلفة. فإذا كانت تلك القوانين صادرة عن الأجهزة الديمقراطية، فإن إشراف الدولة يقف وراء حفظ الأمن العام. و إذا كانت تلك القوانين صادرة عن أجهزة غير ديمقراطية لا تحرص على ملاءمة القوانين مع المواثيق الدولية، فإن الدولة المشرفة على تطبيقها تكون مخلة بالأمن العام، إلا أن طبيعة الدولة نفسها عندما تكون مستبدة، فإنها لا تعطي أي اعتبار للقوانين، سواء كانت متلائمة مع القوانين، أو غير متلائمة معها. و لذلك فهي تتحول إلى دولة للتعليمات التي تراعي في إصدارها أن تتناسب مع مصالح الطبقة او الطبقات التي تتحكم فيها، و هي بذلك تصير اكبر مخل بالأمن العام، لأن تعليمات الدولة ستنتج هضم حقوق الناس الاقتصادية، والاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية، كما قد تنتج حرمان الناس من ممارسة حرياتهم السياسية، و النقابية، و الجمعوية، فتنعدم حرية التعبير عن الرأي، و تصير الصحافة مقيدة، و تصير الحريات الأخرى في خبر كان. و لذلك نرى أن دولة من هذا النوع هي دولة استبدادية يجب التصدي لاستبدادها، و النضال من أجل دولة ديمقراطية حقيقية، تشرف على تطبيق قوانين ديمقراطية متلائمة مع المواثيق الدولية، و تسعى إلى خدمة مصالح جميع الطبقات الاجتماعية. فمسؤولية الدولة في حفظ الأمن العام، إذن، لها علاقة أولا ، بطبيعة القوانين التي تشرف على تطبيقها، و هل هي ديمقراطية متلائمة مع المواثيق الدولية، أم لا ؟ و لها علاقة ثانيا، بطبيعة الدولة نفسها، وهل هي ديمقراطية ؟ أم أنها دولة استبدادية ؟ و انطلاقا من طبيعة القوانين ، فإن الدولة قد تساهم في حفظ الأمن فعلا، و قد تقف وراء الإخلال بذلك الأمن.
3) و بالنسبة لمسؤولية النقابات في حفظ الأمن، فإن تلك المسؤولية تتحدد في نضال تلك النقابات المستمر، و المسؤول، و المبدئي، من أجل تحمسين الأوضاع المادية، و المعنوية للشغيلة، حتى تأمن على مستقبلها، و على أبنائها، مهما كانت التضحيات التي يتحملها النقابيون المنتمون إلى النقابات المناضلة، و المبدئية. إلا أن بعض النقابات ذات القيادات البيروقراطية، أو الذين يعملون على جعل النقابة تابعة لحزب معين، أو منظمة حزبية موازية، أو جعلها مجالا للإعداد و الاستعداد لتأسيس حزب معين، نجد أنها تعمل على خدمة مصالح تلك القيادات، أو الأحزاب، على حساب الإخلاص لخدمة مصالح الشغيلة. و هو ما يعني مساهمة النقابات، اللامبدئية، في إنضاج الشروط الموضوعية للإخلال بالأمن، الذي تمارسه الدولة، بدعم من النقابات اللامبدئية. و لذلك كان من اللازم فضح و تعرية ممارسة نقابات من هذا النوع، في أوساط الشغيلة، حتى لا تنخرط في صفوفها، و تلتحق بالنقابات المبدئية، و تعمل على قيام شروط حماية الأمن العام عن طريق فرض تلبية المطالب المادية، و المعنوية للشغيلة، على جميع المستويات الاقتصادية، والاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية، حتى تأمن على مستقبلها، و مستقبل أبنائها، و تساهم مساهمة إيجابية في حماية الأمن العام لصالح الشغيلة، و لصالح المجتمع ككل.
4) و إذا تعلق الأمر بالجمعيات، فإن مساهمتها في حماية الأمن العام تتجسد في حرصها على مبدئية العمل الجمعوي، من اجل سيادة ديمقراطية الجمعيات، و تقدميتها، و جماهيريتها، و استقلاليتها، حتى لا تتحول إلى أدوات في يد قياداتها، التي توظفها لخدمة مصالحها الخاصة، أو مصالح الأحزاب التي ينتمون إليها، أو تحويلها إلى مجال للإعداد، و الاستعداد لتأسيس حزب معين، لأن الجمعيات إذا لمم تكن مبدئية، فإنها تكون منتجة للأمراض التنظيمية المختلفة، و تعمل على إشاعة الممارسة اللاديمقراطية، و اللاشعبية، فيختل الأمن بسبب ذلك لصالح الطبقات الرجعية المتخلفة، و اليمينية المتطرفة، ضدا على مصالح غالبية أفراد المجتمع، من الأجراء، و سائر الكادحين، و المحرومين، و المقهورين. و بتلك الممارسة، تكون الجمعيات اللامبدئية مخلة بالأمن العام للمجتمع، وحتى تصير خامية للأمن العام، لابد و أن تصير ديمقراطية، و تقدمية، و جماهيرية، و مستقلة، من أجل أن يكون منتوجها في خدمة جميع أفراد المجتمع، مهما كانت الطبقة التي ينتمون إليها، أو اللغة التي يتكلمونها، أو العرق الذي يتأصلون منه، أو اللون الذي يحملونه، و في جعلهم يمتلكون وعيا ثقافيا، و تربويا، و تنمويا متميزا يقود إلى الاطمئنان على أوضاعهم المادية، و المعنوية، الحالية، و المستقبلية.
فالجمعيات الثقافية، و في سعيها إلى إنتاج القيم الثقافية المساهمة في تقويم الشخصية الفرديةن و الاجتماعية، تساهم بذلك في حماية الأمن العام. و تقويم الشخصية، لا يتم إلا بنشر القيم الديمقراطية، و ثقافة حقوق الإنسان، و قيم الاحترام المتبادل بين أفراد المجتمع، و بناء قيم الرفض لكل ما يؤدي إلى تخريب الشخصية الفردية، و الاجتماعية. و استنبات قيم الانضباط لدولة الحق، و القانون التي تعمل على إشاعة حقوق الإنسان في المجتمع، و التربية عليها و التشبع بقيمها، و ملاءمة القوانين المحلية مع المواثيق الدولية، لضمان سيادة الأمن العام لجميع المواطنين على السواء، لتكون الجمعيات الثقافية قد لعبت دورها، و وفرت شروط قيام ثقافة ديمقراطية، تسمح بتنوع المكونات الثقافية، و تطورها، و مساهمتها في بث القيم في المجتمع.
و الجمعيات التربوية تسعى إلى إشاعة تربية التقدم، و التطور، و مناهضة تربية التخلف، من اجل نشأة الأجيال على التشبع بالقيم النبيلة، التي تساهم في بلورة الشخصية السليمة، التي تحرص على المساهمة الإيجابية في كل مناحي الحياة الاقتصادية، والاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية، مما يساهم، بشكل إيجابي، في جعل الأجيال حافظة للأمن العام، في جميع مجالات الحياة. لأن التربية التي تعني في عمقها تنظيم بث القيم، في صفوف الأجيال الصاعدة، انطلاقا من منظور محدد، تلعب دورا أساسيا في تحصين شخصية الفرد، و الجماعة ضد كل ما يؤدي إلى القيام بالإخلال بالأمن العام، أي ضد كل قيم التخلف، و الرجعية، و التطرف اليميني، أو اليساري.
و بالنسبة للجمعيات الترفيهية، فإن دورها يمتد إلى جعل الأجيال الصاعدة تمتلك الأمن النفسي، ضد مختلف الأمراض النفسية، التي تقود إلى التطرف اليميني، أو اليساري، الذي يعمل على الإخلال بالأمن العام. لأن الترفيه، هو أولا و قبل كل شيء، مساهمة غير مباشرة في علاج النفوس المريضة، و جعلها تتخلص من مختلف الأمراض، التي تبقى عالقة بها، بسبب غياب نظام تربوي سليم، على المستوى الرسمي، و الأسرى، و الاجتماعي، إلى أن تصير قادرة على الصمود، في ووجه القيم المتخلفة، التي تطبع النظام التربوي السائد، و تساهم بذلك في سيادة الأمن النفسي، بين جميع أفراد المجتمع. و هو ما يمكن اعتباره إعدادا، و استعدادا، للمساهمة في سيادة، و حفظ الأمن العام على جميع المستويات، و في مختلف مناحي الحياة.
أما الجمعيات التنموية، فإن مساهمتها في حفظ الأمن العام، تتمثل في حفز الشباب على التفكير الدؤوب، و المستمر، في التنمية الاقتصادية، والاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية، و في الآليات التي يمكن اعتمادها للإسراع بتلك التنمية. الأمر الذي يترتب عنه الانشغال العام بالتطور في مختلف مناحي الحياة، و في مختلف المجالات، بما فيها، مجال حماية ما يتوصل إليه الإنسان من إبداعات، في مجال التنمية. و هو ما يعتبر مساهمة فعالة في حفظ الأمن العام، خاصة، إذا تم العمل على إنضاج الشروط الموضوعية، بما فيها الشرط الديمقراطي، لقيام تنمية حقيقية، تساهم في تطور الفكر و المجتمع و علاقات الإنتاج، نحو الأفضل، و وفق ما تقتضيه حركة التاريخ.
و بهذه الأشكال من الجمعيات تتجسد مسؤولية الجمعيات في العمل على حماية الأمن الثقافي، و التربوي، و الترفيهي، و التنموي، و بطرق تتناسب مع طبيعة كل جمعية على حدة.
5) فما مسؤولية الأحزاب السياسية في حفظ الأمن العام ؟
إننا بعد استعرضنا لمسؤولية القانون و مسؤولية الدولة، و مسؤولية النقابات، و مسؤولية الجمعيات، في حفظ الأمن العام نصل إلى معالجة مسؤولية الأحزاب في حفظ الأمن العام. لأن الأحزاب السياسية، إما أن تكون ديمقراطية، فتسعى بما توفر لديها من تنظيمات، و من برامج محلية، و إقليمية، و وطنية، إلى إقرار سياسة اقتصادية، و اجتماعية، و ثقافية، و ديمقراطية، من الشعب، و إلى الشعب، فتقف بذلك السعي، وراء سيادة حفظ الأمن العام الاقتصادي، و الاجتماعي، و الثقافي، و المدني، و السياسي، و اطمئنان الناس على حاضرهم، و مستقبلهم، و انخراطهم في بناء ما يهم التنمية المستدامة، في جميع مناحي الحياة، و في مختلف المجالات.
و مسؤولية الأحزاب السياسية عن حفظ الأمن العام، تتجسد في العمل على :
إقرار دستور ديمقراطي تكون فيه السيادة للشعب، و يضمن إجراء انتخابات حرة، و نزيهة. و الدستور الديمقراطي هو الذي يساهم الشعب في صياغته، و المصادقة عليه، حتى يتحمل مسؤوليته في وجود الدستور، نفسه، الذي يجب أن يكون متلائما مع المواثيق الدولية المتعلقة بالحقوق الانسانية، الاقتصادية، والاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية، حتى يكون مصدرا للقوانين المحليةن و المتلائمة مع تلك المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان. و هو ما يعتبر مساهمة فعالة، و أساسية، في حماية الأمن العام.
إيجاد قوانين انتخابية، بضمانات كافية، لإجراء انتخابات حرة، و نزيهة، من أجل إيجاد مجالس جماعية، تكون في خدمة المواطنين، و مجالس إقليميةن و جهوية تقوم بتنظيم الشؤون الإقليمية، و الجهوية. بالإضافة إلى إيجاد مؤسسة البرلمان التي تقوم بمهمة تشريع القوانين اللازمة لتدبير أمور الناس الاقتصادية، والاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية. و العمل على ملاءمة مختلف القوانين مع المواثيق الدولية المتعلقة بالحقوق الإنسانية. و هو ما يعتبر مساهمة من القوانين الانتخابية، في حماية الأمن العام، لكونها تساهم في تكريس جانب مهم و أساسي من الديمقراطية الحقيقية، التي تمكن الشعب من الاختيار الحر، و النزيه، مع احترام ذلك الاختيار للجماعات المحلية، و الإقليمية، و الجهوية، و للبرلمان، الذي يفرز حكومة تكون في خدمة الشعب، و تشرف على تنفيذ الاختيارات الشعبية، و الديمقراطية، التي هي المدخل الأساس لحماية الأمن العام لجميع المواطنين على السواء.
و لأجرأة تلك القوانين الانتخابية، التي تحمل ضمانات كافية، لابد من العمل على إنضاج شروط إجراء انتخابات حرة، و نزيهة، بإنشاء هيئات مستقلة، تشرف على إجراء الانتخابات من بدايتها، إلى نهايتها، انطلاقا من إيجاد لوائح انتخابية نظيفة من مختلف الشوائب التي تساهم في تكريس تزوير الانتخابات، و وضع حد لكل أشكال تمييع الانتخابات، عن طريق تجريم إقامة الولائم، و شراء الذمم، و توفير مناخ مناسب للحملات الانتخابية في وقتها، و إتاحة الفرصة لجميع الأحزاب من اجل قيامها بمراقبة التصويت، و الإعلان عن النتائج حتى يكون الجميع على بينة مما يجري، و حتى تكون نتائج الانتخابات معبرة، فعلا، عن إرادة الشعب، و عن الممارسة الديمقراطية الحقة، التي تعتبر ضمانة أساسية في حماية الأمن العام، لتكون الانتخابات مناسبة لتأكيد سيادة الشعب على نفسه، و لضمان سلامة أمنه، الذي يعتبر شرطا لقيام تنمية حقيقية في جميع مجالات الحياة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.