في غزة المنكوبة نرى أن هوامش الإبداع كثيرة، نفيق في الصباح وننظر إلى المرآة فنجد قصةً اختلطت فيها الكوميديا مع التراجيديا في مشهد لا يمكن لأحد في غير هذه البقعة من العالم أن يتخيله. ولأنها الفكرة دوماً تحتاج إلى من يحتضنها وينميها، ولأنهم جزء من هذا المجتمع يعانون ما يعاني، يفرحون لفرحه ويحزنون لحزنه ويبكون لبكائه ويضحكون لضحكه. كان لهم هذا التوجه نحو التحدث بجرأة على خشبة المسرح، لا يقرأون النصوص، ولا يكتبون القصص، ولا يحتاجون لكاتب نص أو لمخرج حاصل على شهاداته من هذه الجامعة أو تلك، أتعلمون لماذا؟؟. لأنها حياتهم ودفاتر يومياتهم التي حفظوها عن ظهر قلب فأصبحوا خير من يقف أمام الجمهور يشكون لهم همومهم ويتحدثون عن تجاربهم وعن واقعهم ثم يستأنسون بآرائهم ومقترحاتهم. متعتهم أن يشاهدوا قناة الواقع فهي لا تحتاج إلى كهرباء لتشغيل جهاز التلفزيون بل أنها تعمل على مدار الساعة فقط كل ما يحتاجونه هو أن يراقبوا المجتمع ويتأملون قضاياه الكثيرة العالقة من ثم ينقلون هذا الواقع على خشبة صغيرة لا تتجاوز بضعة أمتار صغير وجمهور متهالك القوى أثقلته الخلافات وانقطاع الكهرباء. هنا كانت البداية، على أرض مدينة خانيونس، أربعة مبدعين جمعتهم الظروف القهرية، ألم الحصار وفرقة الأخوة، وقلة الموارد والبطالة التي باتت تهدد كل منزل من منازل غزة. جمعهم حبهم لأرضهم وغيرتهم على واقعهم، فأخذوا ينقلون هذه الهموم لجمهورهم المتواضع على شاكلة مقاطع مسرحية "سكتشات" متناسقة ومنظمة، تنقل ما في قلوبهم لآذان السامعين. للوهلة الأولى فأنت لا تستطيع فهمهم بشكل كامل ولكنك تشعر بقربهم منك ومن واقعك فهم يسردون أحد المواقف التي مررت بها أنت أو أحد أصدقائك أو أحد المقربين إليك. في النهاية فأفكارهم لن تخرج عن هذا الإطار، لا يتحدثون بنص مسرحي واضح أو مكتوب ولكنهم يدخلون القلوب والعقول بحديثهم الغير منظوم عن الواقع وعن تجاربهم التي مروا بها أما عن حديثهم فيما بينهم تراهم يتنادون بأسمائهم الحقيقية ليقولوا لك أننا ننقل الواقع كما هو بلا تزييف أو تضليل. "هوامش" هو اسم المسرحية التي انطلقت بفكرة من أربعة شبان هم مخرج وثلاثة ممثلين، كتبوها "أي الفكرة" وأبدعوا كتابتها وقدموها لبرنامج المسرح التابع لجمعية الثقافة والفكر الحر في خانيونس. لينطلقوا بعدها في مشوارهم الفني الأول من نوعه في قطاع غزة وأخذوا يجمعون أفكارهم وتجاربهم الحياتية والتي ستكون أفكارهم وسيعرضونها على خشبة المسرح. تقوم فكرة العرض بأن يقدموا أربعة مسرحيات أمام الجمهور تتحدث عن تجاربهم في الحياة ومن ثم يقوم المخرج بقطع العرض ليتناقش مع الجمهور حول آرائهم في التجارب التي عرضت . وإن كان لأحدهم تجربة يود التحدث بها وعرضها في المسرحية الختامية حيث تعتبر هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها العرض المسرحي بهذه المنهجية التي تهدف لمناقشة الوضع الاجتماعي للناس بطريقة جذابة يتحد فيها المرسل والمتلقي في آن واحد بهدف بلورة حلول نابعة من قلوب الغلابة إن صح التعبير. يقول كاتب ومخرج المسرحية محمود ماضي " الفكرة بدأت بعرض مسرحي يناقش التجارب الشخصية للمثلين، آلامهم وأفراحهم ومشكلاتهم وأمنياتهم والواقع الذي يصطدمون به في تحقيق أهدافهم الشخصية". وقد عرضنا الفكرة على برنامج المسرح بجمعية الثقافة والفكر الحر الذين أبدوا إعجابهم بها فوافقوا على تمويلها وقمنا بتطويرها لتناقش مواقف خاصة بجمهور المتفرجين. حيث في كل مرة نعرض مشكلات ومواقف وتجارب خضنها نحن طاقم العمل للجمهور ونناقشها لنكتشف تجارب جديدة من الجمهور نضيفها لعرضنا وذلك بعد أن نحصل على الموافقة من صاحب التجربة لعرض تجربته أمام الجمهور. حيث سيتم عرض مسرحية ختامية مع نهاية العام 2010 تشمل على جميع العروض التي قدمناها خلال العام في نص متناسق يعرض بواقعية التجارب والمشكلات التي يعانيها المجتمع الفلسطيني بلا تكلف أو تزييف". واعتبر محمود أن هذه هي التجربة الأولى في فلسطين التي يتم فيها مشاركة الجمهور بفاعلية في المسرح بحيث يمكننا القول أن مسرحيتنا في نهاية العام لن يكون لها كاتب أو مؤلف واحد بل أنه سيكون قد شارك في تأليفها معظم أبناء غزة لتشكل ملحمة مسرحية ونقطة انطلاق نحو مسرح تفاعلي متميز. وأكد محمود أن الشكر واجب لبرنامج المسرح التابع للثقافة والفكر الحر مضيفاً أنهم ساهموا في إطلاق هذه الفكرة الرائدة التي توقع لها النجاح معتبراً أن هذا الدعم المقدم لم يقدم فقط له ولأصدقائه الأربعة وإنما قدم لمشروع دعم قدرات الشباب الإبداعية والفكرية. من ناحيته قال يوسف القدرة منسق الأنشطة الثقافية لثقافة الطفل "أن برنامج المسرح يسعى إلى تدريب وتمكين الشباب من أدوات المسرح لمساعدتهم على سرد قضاياهم ومشكلاتهم بأسلوب فني وحضاري" والجدير ذكره أن برنامج مسرح التابع للثقافة والفكر الحر ينتج ما يعادل أربعة مسرحيات خلال السنة الواحدة تكون من إبداعات شبابية بحيث يفتح المجال للشباب لعرض أفكارهم ومن ثم يتم مناقشتها من قبل فريق متخصص يعمل على تقديمها بشكل أفضل. وعن مسرحية هوامش يقول القدرة أنها كانت تجربة متميزة مليئة بالإبداع وفيها تفاعلية كبيرة بين الشباب والمجتمع وهو أمر يطرح لأول مرة على خشبة المسرح في قطاع غزة وأن ما يسعده أكثر بأنها فكرة وحوار وانتاج واخراج شبابي محض. وأكد القدرة أن جمعيته تؤمن بأن المسرح آداة ثقافية قادرة على مناقشة قضايا الشباب والتنفيس عنهم وهي أداة مغيرة ومؤثرة لذلك فإن جمعية الثقافة والفكر الحر مستمرة في دعم مسيرة الشباب على هذا الصعيد. كما أضاف أن الجمعية تقدم كل التسهيلات للخروج بهذا العمل للجمهور حيث تقدم جهدها في مجال الديكور والتدريب والدعم النفسي والمادي كما تقدم الضيافة ومكافئة مادية على المجهودات المتميزة. أما أحمد الجحجوح وهو أحد الممثلين الثلاثة حيث يشاركه زميليه عبد الفتاح شحادة ومحمود أبو مصطفى فيقول " إنها تجربة تستحق العمل عليها فنحن ندمج تجاربنا مع تجارب الجمهور في منظومة من الأحاسيس والمشاعر بقربنا من بعضنا البعض". وأضاف أننا لا نستطيع وصف مشاعرنا ونحن نتفاعل مع الجمهور على خشبة المسرح ويتوقع أحمد أن تنجح هذه التجربة نجاحاً كبيراً وأن تصبح قاموساً يحتوي كل مفردات ومشكلات الشباب الفلسطيني. في النهاية فإن الحديث عن هذه التجربة له شجون فهل يستطيع الشباب الفلسطيني في غزة أن يضيفوا شيئاً لعمل المسرح، في الواقع أن التجربة أذهلتني وأذهلت كل من قرأ عنها وأثبتت مرة أخرى أن الشباب في غزة يتمتعون بقدرة عالية على الإبداع.