القفطان يجمع السعدي وأزولاي بالصويرة    الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم تحتفي بالمنتخب الوطني لأقل من 17 سنة إثر تتويجه باللقب القاري    فنانون عالميون وعرب يحيون ليالي مهرجان "موازين- إيقاعات العالم" 2025    الفنان الريفي عبد السلام أمجوظ يتألق في مسرحية سكرات    عبد العزيز حنون يدعم البحث في اللسانيات الأمازيغية بأطروحة حول التمني بأمازيغية الريف    تفاصيل اجتماع نقابات الصحة مع مدير الوكالة المغربية للدم ومشتقاته    بعد القرار الأمريكي المفاجئ .. هل يخسر المغرب بوابته إلى السوق العالمية؟    اختيار شعيب بلعروش أفضل حارس مرمى    "الكاف" يختار المغربي عبد الله وزان أفضل لاعب في البطولة القارية للناشئين    بنكيران: الأمة بكل حكامها تمر من مرحلة العار الكبير ولا يمكن السكوت على استقبال سفن السلاح    الأرصاد الجوية تتوقع نزول زخات مطرية متفرقة اليوم الأحد    أكثر من 105 مظاهرة خرجت في 58 مدينة مغربية رفضا لرسو سفن في موانئ مغربية يشتبه حملها أسلحة لإسرائيل    مجهولون يقتحمون ضريحا ويستولون على صندوق التبرعات    غزة تُباد.. استشهاد 29 فلسطينيا منذ فجر الأحد    الاتحاد الوطني للشغل يدعو إلى تعبئة شاملة في فاتح ماي    الآلاف يتظاهرون ضد ترامب في الولايات المتحدة: لا يوجد مَلك في أمريكا.. لنُقاوِم الطغيان    " هناك بريق أمل".. رواية جديدة للدكتورة نزهة بنسليمان    كيف يمكن التعامل مع الأسئلة الغريبة في المقابلات الشخصية؟    سوء الأحوال الجوية تتسبب في إغلاق ميناء الحسيمة    إطلاق الدورة الأولى من جائزة النجاعة المائية في السكن    "لارام" تبرم اتفاقية شراكة مع الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم    نقابة "البيجيدي": فاتح ماي يحل في سياق استهداف الحقوق وضرب القدرة الشرائية والكرامة الإنسانية للمغاربة    قتيل في غارة إسرائيلية على جنوب لبنان    الإكوادور تعلن حالة تأهب قصوى بسبب تهديدات باغتيال رئيس البلاد    ندوة علمية تناقش الحكامة القضائية    الكوكب يسعى لتحصين صدارته أمام الدشيرة والمنافسة تشتعل على بطاقة الصعود الثانية    الأساتذة المبرزون يحتجون الخميس المقبل    دراسة تدعو إلى اعتماد استراتيجية شاملة لتعزيز الأمن السيبراني في المغرب    لقاء يناقش دور المجلس الأعلى للحسابات في تتبع تنفيذ أهداف التنمية المستدامة    دراسة: "الحميمية المصطنعة" مع الذكاء الاصطناعي تهدد العلاقات البشرية    مقتل 56 شخصا في وسط نيجيريا    الكشف عن نوع جديد من داء السكري!    "الجزيرة" حين يتحويل الإعلام إلى سلاح جيوسياسي لإختراق سيادة الدول    دورة برشلونة لكرة المضرب: ألكاراس يتأهل للمباراة النهائية    تعيينات جديدة بمصالح الأمن الوطني في عدة مدن مغربية    كلية الآداب ظهر المهراز تخلد خمسينية جامعة فاس بمنتدى النشر العلمي    الضربات الدولية تتوالي على "الجسد الميت" للبوليساريو    مجموعة مدارس الزيتونة تُتوج الفائزين بمعرض الابتكار والتجديد Expo 2025    برشلونة يضع المدافع المغربي إدريس أيت الشيخ تحت المجهر … !    مغرب الحضارة: حتى لا نكون من المفلسين    لماذا يصوم الفقير وهو جائع طوال العام؟    اقتحام صادم لثانوية ضواحي طنجة.. ومدير المؤسسة في العناية المركزة    أنور آيت الحاج: "فخور بمغربيتي"    قناة إيرلندية تُبهر جمهورها بسحر طنجة وتراثها المتوسطي (فيديو)    انعقاد المؤتمر الجهوي للاتحاد العام للفلاحين بجهة طنجة    بلدان إفريقية تُسقط شرعية تحركات "SADC" الأحادية: دعم متجدد للوحدة الترابية للمغرب ورفض قاطع للتلاعب الانفصالي    الدرهم المغربي ينخفض أمام الأورو    إطلاق أول شهادة مغربية في صيانة بطاريات السيارات الكهربائية بشراكة مع رشيد اليزمي    حملة مراقبة في إكنيون بسبب السل    العربية للطيران تدشن خطا جويا جديدا بين الرباط والصويرة    تكريم عمر أمرير بمعرض الكتاب.. رائدٌ صان الآداب الأمازيغيّة المغربية    ‪ بكتيريا وراء إغلاق محلات فروع "بلبن" الشهيرة بمصر‬    تزايد حالات السل اللمفاوي يسائل ضعف مراقبة سلاسل توزيع الحليب    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    بيانات تكشف ارتفاع الإصابة بالتوحد وكذلك زيادة معدلات تشخيصه    أكادير يحتضن مؤتمر التنظير عنق الرحم وجوف الرحم والجهاز التناسلي    قصة الخطاب القرآني    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



غزة نقطة لقاء وافتراق
نشر في السند يوم 12 - 06 - 2010

يكاد العالم كله اليوم يتفق على ضرورة نصرة أهل قطاع غزة، ورفع الحصار الإسرائيلي المفروض عليه، وإنهاء معاناة سكانه الإنسانية، وتقديم المزيد من المساعدات الدولية الغذائية والطبية لسكانه، وإعادة بناء ما دمرته آلة الحرب الإسرائيلية خلال عدوانها الأخير على قطاع غزة، فإن كان قد شارك في أسطول الحرية الأول متضامنون من أكثر من أربعين دولة، عربية وإسلامية وغربية، فإنه وبعد النهاية المأساوية لسفن أسطول الحرية، التي أرادت إسرائيل منها أن تنهي ظاهرة التضامن الدولي مع غزة، فقد بدأت دولٌ عديدة في الاعداد للمشاركة في أسطول الحرية الثاني،
ولم يثنها ما أصاب الأسطول الأول عن عزمها، كما لم تمنعها التهديدات الإسرائيلية عن مواصلة ما بدأته من جهودٍ إنسانية، ومن المتوقع أن يكون الأسطول الثاني أكبر من الأول، لجهة حمولته والجنسيات المشاركة فيه، فقد يكون من بين المشاركين في قافلة الحرية الثانية متضامنون من الولايات المتحدة الأمريكية، ومن كندا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا، فضلاً عن مواطنين أوروبيين من الدول الاسكندنافية وغيرها، خاصة بعد إعلان الرئيس الأمريكي باراك اوباما، وغيره من قادة ورؤساء الدول الأوروبية، ضرورة إعادة النظر في الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة، وأن الأوضاع في قطاع غزة لم تعد محتملة، وبعد دعوة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إسرائيل إلى إنهاء حصارها لقطاع غزة، وتصاعد الأصوات الدولية المنددة بالحصار الإسرائيلي، والتي استنكرت الطريقة التي تعاملت بها الحكومة الإسرائيلية مع سفن الإغاثة الدولية، التي كانت تحمل الغذاء والدواء ومستلزمات البناء لسكان قطاع غزة، ودعوتها إلى إجراء تحقيق دولي لكشف حقيقة الجريمة الإسرائيلية، ومحاسبة القائمين عليها، إقراراً وتنفيذاً.
صورة ناصعة رسمها المتضامنون الدوليون وهم في طريقهم إلى شواطئ غزة، فقد تداخلت الأعلام الدولية المرفرفة، واختلطت اللغات المختلفة، وتباينت الوجوه وألوان البشرة، والتقى المسلمون والمسيحيون على هدفٍ واحد، وغايةٍ مشتركة، وتعددت الحلقات والتجمعات، بعضهم انتظموا صفوفاً لأداء الصلاة، وآخرون وقفوا على سطح السفن يراقبون المتربصين بهم، ولم ينتاب أحدهم الخوف من القتل أو الأسر والاعتقال، وكان جلُُ همهم أن يصلوا بحمولتهم إلى شواطئ غزة، وكلهم يحلم في لحظةٍ يتمكن فيها من رسم بسمةٍ على شفاهٍ معذبة، أو بعث سعادةٍ في أسرةٍ قد ضاقت ذرعاً بالمرض، أو قرصتها الحاجة بنابها، أو ملأ الحزن عيونها لفقدانها أحد أبناءها، فكانت قافلة الحرية لوحةٌ براقة مشرقة، لوحدةٍ إنسانيةٍ جامعة، التقت على الهدف، وتلاقت على الغاية، واتفقت على الطريق، فوحدت كلمتها، وقوَّت عزيمتها، واشتد بأسها، وهي تتهيأ لملاقاة من قد عزم على سلب الحياة ممن حملوا لهم بعض سبل الحياة، وعلى الجانب الآخر من شاطئ غزة، اصطف الغزيون على اختلاف انتماءاتهم، ينتظرون جميعاً قافلة الحرية، وكلهم قد تهيأ للاحتفاء بهم بطريقته الخاصة، فبعض المراكب قد تعمقت في مياه البحر، لتنال شرف السبق باستقبال قافلة الحرية، وبعض الغزيين استعد بفرقته الفنية لاستقبال الوافدين، والتقى المسؤولون الحكوميون وقادة الفصائل الفلسطينية مع أبناء قطاع غزة، كلهم كانوا على صعيدٍ واحد، يضعون أكفهم فوق عيونهم، يركزون أنظارهم علهم يرون طلائع أسطول الحرية، فكانت لوحةٌ وحدوية رائعة، رسمها المتضامنون الدوليون ومستقبلوهم من أبناء الشعب الفلسطيني، ورسالة بالغة الدلالة إلى العالم كله، تؤكد على أهمية الوحدة والاتفاق لتحقيق الأهداف والوصول إلى الغايات.
وفي الوقت الذي شكل قطاع غزة نقطة لقاء، وعقدة تلاقي للمجتمع الدولي كله، على اختلاف انتماءاته الدينية وولاءاته السياسية، فإنه لا زال يشكل نقطة افتراق واختلافٍ وطني واقليمي، ويرسم صورةً مقيتة عن الشعب الفلسطيني، ويشوه عشرات السنوات من المقاومة والنضال، ويكاد يذهب ببريق انتفاضة الحجر العملاقة، وانتفاضة الأقصى المباركة، ويعطي صورةً سيئة عن الشعب الفلسطيني، وهو الذي كان مضرب الأمثال في قوته وصلابته وشجاعته وإرادته وتحديه لعدوه، إذ مازال الفلسطينيون منقسمون فيما بينهم، ومشتتون بين حكومةٍ في رام الله وحكومةٍ في غزة، فلا يلتقون على همهم، ولا يجمعهم جرحهم، ولا تدفعهم مصالحهم الوطنية نحو التلاقي والاتفاق، ولا يحرصون على عكس صورة التلاحم الدولي مع القضية الفلسطينية في صورة اتفاقٍ ووحدةٍ فلسطينيةٍ جامعة، بل يمعنون في تشويه الصورة الفلسطينية أمام الرأي العام العربي والدولي، من خلال حملات الاعتقال والملاحقة، وأعمال التحقيق والمداهمة، فضلاً عن جرائم القتل التي ترتكبها الأجهزة الأمنية الفلسطينية في السجون ومراكز التحقيق والاعتقال، والتراشق الإعلامي البغيض بين الطرفين، الذي يشعر المواطنين والمتضامنين بالكثير من الحزن والأسى على الحال الذي وصل إليه الفلسطينيون فيما بينهم، فهم جميعاً يتطلعون إلى اليوم الذي يتفق فيه الفلسطينيون فيما بينهم، ويكونون قوةً واحدة في مواجهة عدوهم، وفي التصدي لمؤامراته واعتداءاته، إذ أنهم يواجهون عدواً مشتركاً، يتآمر على كل الفلسطينيين دون استثناء، ويهدد مقدساتهم، ويعتقل أبناءهم، ويقتل خيرة شبابهم.
أما دول الجوار فهي تتعمد تعميق الأزمة بين الفرقاء الفلسطينيين، وتزيد في حالة الحصار المفروضة على سكان قطاع غزة، وتزيد في حدة ألم الناس، وتمنع وصول المساعدات الدولية، ومعونات الشعوب العربية إلى إخوانهم في قطاع غزة، وتفرض على المتضامنين الدولين شروطاً قاسية، تعقد مهمتهم، وتعرقل جهودهم، وتدفعهم نحو اليأس والقنوط، كما تطالب حكومات الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية بعدم مخاطبة حكومة حماس في قطاع غزة، وعدم الاعتراف بها، خشية تكريس شرعيتها، ومنحها المزيد من القوة، التي قد تكون على حساب سلطة محمود عباس في رام الله، ولذا فإن غزة كانت بالنسبة لهم نقطة افتراق وليست عقدة لقاء، إذ ليس من مصلحتها تحقيق المصالحة، ولا رفع الحصار، ولا تبذل جهداً لجمع شتات القوى الفلسطينية وتوحيد كلمتهم، وقد كان في وسعهها استغلال الجريمة الإسرائيلية ضد المجتمع الدولي، واجماع العالم على مظلومية الشعب الفلسطيني، لتحمل راية التضامن العربي، وترفع الحصار عن الشعب الفلسطيني، وترفع الشروط المذلة التي تحاول فرضها على بعض الفرقاء شرطاً لتوقيع ورقة التفاهم، وهي شروطٌ لا تخدم الشعب الفلسطيني بقدر ما تريح إسرائيل، وتطمئنها على أمنها وسلامة مواطنيها، بل إن دول الإتحاد الأوروبي قد تخلت عن هذه الشروط، ولم تعد تطالب بها، أو تصر عليها، وقد يكون بإمكان الحكومة المصرية الحفاظ على خطوتها التاريخية، التي فتحت بموجبها معبر رفح الحدودي بين قطاع غزة ومصر، فتكسب تأييد شعبها وأمتها العريية والإسلامية، الذين يأملون منها تسهيل عبور قوافل الإغاثة العربية والإسلامية، التي بدأت تتوافد عبر مصر نحو غزة.
غزة المدينة المتوسطية الأقدم في التاريخ، أصبحت في أيامٍ قليلة مركز العالم، وتصدرت أحداث الكون، واستطاعت بمعاناتها أن تسلط الضوء على سكانها، وأن تلفت أنظار العالم إلى ظروفها وأوضاعها، فوحدت أحرار العالم، وصهرتهم معها في بوتقة نضال الشعوب، وأثبتت أن نضال الشعوب أقوى من طائرات وصورايخ قوى الاحتلال، وأثبتت غزة أنها قادرة على جمع أشتات الكون، ومتناقضات البشر، ليكونوا جميعاً جنوداً في معركة الحق ضد الباطل، ولكن غزة التي كانت نقطة اللقاء مازالت نقطة الافتراق لدى الفرقاء من أبناء الشعب الفلسطيني، الذين يزيدون في هوة الخلاف، ويباعدون في بون اللقاء، ويحبطون الروح المعنوية العالية للمناضلين الدوليين، ولا يحسنون الاستفادة من الظروف والأحداث في التقارب والتفاهم واللقاء، ولكن أهل غزة الصابرين الذين صنعوا بصمودهم، وقوة تحملهم انتصار غزة، مازالوا يشرأبون بأعناقهم نحو قطاعهم العتيد، ليكون هو شرارة الوحدة، وعنوان اللقاء، فهم على يقين بأن قطاعهم الصغير قادر على تقوية الصفوف، واستعادة الهيبة، وتوحيد الكلمة، وتصويب بوصلة النضال الفلسطيني نحو الاحتلال الإسرائيلي، لتكون غزة دوماً نقطة لقاء، ومربع إجماع، وساحة توافق، على قاعدة الحفاظ على حقوق الشعب الفلسطيني، والتمسك بثوابته في أرضه ومقدساته وعودة أبناءه.
دمشق في 11/6/2010


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.