أجمعت شخصيات تنتمي إلى عالم الفكر والسياسة والأدب على أن رحيل المفكر المغربي محمد عابد الجابري يشكل خسارة كبيرة لما سموه الفكر الفلسفي المتنور في العالم العربي. فالجابري -وفقا لمشاركين مغاربة وعرب التقوا في حفل تأبيني التأم في العاصمة الرباط بمناسبة مرور أربعين يوما على رحيله- أسس مشروعا فكريا نهضويا كبيرا. وقد كشفت أسرة الراحل في التأبين عن إنشاء" مؤسسة محمد عابد الجابري"، فيما أعلن مركز دراسات الوحدة العربية على لسان رئيسه خير الدين حسيب تخصيص جائزة فكرية لا تقل قيمتها عن 25 ألف دولار، وكرسي فكري، وقفي يحملان اسم المفكر المغربي الراحل محمد عابد الجابري تقديرا لأعماله ووفاءً لفكره. وستمنح الجائزة في مرحلة أولى كل سنتين لمفكر عربي. أما الكرسي الفكري والوقفي، الذي حددت قيمته بمليون دولار، فستحول مداخيله لدعم هذه الجائزة. وفي كلمته بالمناسبة، اعتبر المفكر العربي عزمي بشارة أن "الأمة العربية مدينة للمغرب وللجابري، كما هي مدينة لعبد الكريم الخطابي"، معتبرا أنه "فقيد فلسطين كما هو فقيد المغرب". فالجابري -وفقا لبشارة- أعاد تذكير المجتمع العربي بالحاجة إلى فكر ابن رشد وإلى "روحه العلمية النقدية الاجتهادية، واتساع أفقه المعرفي، وانفتاحه على الحقي واعتبر بشارة أنه في الوقت الذي اكتفى فيه المبشرون بالنهضة في القرن 19 وبداية القرن العشرين بالسؤال المفجوع: لماذا تقدم الغرب وتأخرت أحوال العرب والمسلمين؟ فإن الجابري طرح سؤالا عقلانيا "قابلا للفحص"، وجعله مشروعا فكريا بعدما شغلته إشكاليات الشورى والديمقراطية، والدين والدولة، والأصالة والمعاصرة، والحداثة والتراث. ويضيف بشارة أن الميزة الأخرى للجابري هي أنه لم يترفع عن السياسة "كما يفعل صغار المترفعين عنها" من المثقفين الذين يبتعدون عن السياسة لكنهم "يعملون في جهاز الدولة". هذه الميزة شدد عليها المفكر السوري برهان غليون الذي اعتبر أن الجابري "مارس السياسية بنبل وأخلاق وعقل أيضا". وهو الأمر الذي أكده رفاقه في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، حيث أشار رئيس الوزراء المغربي الأسبق والكاتب العام السابق للحزب عبد الرحمن اليوسفي إلى أن المفكر الذي أسس مشروعا فكريا نهضويا، وساهم في بلورة وعي عربي حداثي، لم يأل جهدا في المساهمة في صياغة الأدبيات الفكرية للحزب قبل أن يتفرغ للفكر والفلسفة والتأليف، ليصبح بذلك "علما من أعلام المدرسة الفكرية في المغرب"، ونموذجا "في سلوكه وفكره للالتزام الوطني والأخلاقي". وفي نفس السياق اعتبر الكاتب الأول للحزب عبد الواحد الراضي أن الجابري كان "نموذجا للمثقف العضوي المنشغل بقضايا عصره"، وتمكن من الربط بين الفكر والممارسة، مشيرا إلى مساهمة الراحل في الرفع من عمل الحركة النقابية المغربية وتطويرها. واعتبر المفكر حسن حنفي في تصريح للجزيرة نت أن الجابري كان يشعر منذ البداية بوحدة الوطن العربي، معتبرا أن العديد من الطلاب يتمثلون الفكر الجابري وكل واحد فيهم يرى في نفسه "جابريا جديدا". تاريخ الأفكار وهو الطرح الذي زكاه الباحث في الفلسفة والأستاذ الجامعي بجامعة محمد الخامس محمد وقيدي الذي اعتبر أن فكرى الجابري "سيبقى حيا عند من عايشوه وتابعوا أفكاره، وحتى بين الأجيال القادمة التي ستسجل اسمه في تاريخ الأفكار بصفة خاصة، وفي تاريخ الفكر الفلسفي بالمغرب بصفة عامة". وعلاوة على حفل التأبين، نظمت ندوة في الرباط خصصت لمناقشة أعمال المفكر المغربي الراحل محمد عابد الجابري ومشروعه. وأجمع المشاركون فيها على أن الجابري نجح في أن يرسي مشروعا فكريا نهضويا تنويريا ضخما، بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف معه.