إذا كانت الجهات الرسمية تتكئ على المقاربات الأمنية و التقنية لتجفيف ظاهرة العنف من محيط مؤسساتنا التربوية ، فإن الفعاليات التربوية و النشطاء النقابيون و الحقوقيون ؛ يؤكدون على أهمية أمن و سلامة الفضاء التعليمي ، غير أنهم يعتبرون المقاربة الأمنية " غير كافية و غير مجدية " ، على اعتبار أن ظاهرة العنف ما هي إلا انعكاس للعنف السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي المسلط على الشبيبة المغربية و على عموم الشعب المغربي . - " أضريس " يأمر بإحداث الفرق " الأمنية التعليمية " : أصدر المدير العام للأمن الوطني ، السيد " الشرقي اضريس " ، أمرا إلى الإدارات المحلية التابعة له لإحداث و توسيع "الفرق الأمنية التعليمية " . و تأتي هذه المبادرة ، كما ذكرت يومية " المغربية " في عددها ( 7570 ) ، على خلفية تنامي الاعتداء على محيط المؤسسات التعليمية و انتهاك حرماتها . وحسب معطيات حصلت عليها ، اليومية المذكورة، فإن الفرق الأمنية التعليمية عهد بالإشراف عليها إلى رؤساء المناطق الأمنية، إذ ستنظم جولات ميدانية حول المؤسسات التعليمية والجامعية، وتتولى إيقاف المشبوهين من معترضي سبيل رجال ونساء التعليم، والطلاب والطالبات، والتلاميذ والتلميذات، ومروجي المخدرات على أبواب تلك المؤسسات " . يذكر أن العديد من نساء و رجال التعليم يتعرضون ، بشكل شبه يومي ، لاستفززات متواصلة ؛ و صلت إلى حد الاعتداء الجسدي كما هو الحال بالنسبة للعديد من الحالات التي تداولتها وسائل الإعلام المكتوبة و السمعية البصرية . فضلا عن تنامي ظاهرة التحرش بالتلميذات و التلاميذ من لدن غرباء عن الفضاء التعليمي . و هو ما دفع الوزارة الوصية على القطاع ، على عهد السيد " عبد الله ساعف " ، إلى إصدار المذكرة ( رقم 89 ) في شأن تعزيز شروط أمن الثانويات ؛ و التي تنص على ضرورة " إشراك الجماعات المحلية والدوائر الأمنية في معالجة الأسباب المؤدية إلى المس بأمن الثانويات وأمان تلاميذها والنابعة من محيطها القريب ، ودعوتهم إلى المساهمة في إطار مسؤوليتهم ، في الحد من هذه الظاهرة " . و قد أثمر التنسيق بين الإدارات المعنية ، تشكيل فرق أمنية مختلطة بزي مدني، بالفضاءات المجاورة للمؤسسات التعليمية، تضم عناصر من الاستعلامات العامة، والأمن العمومي والشرطة القضائية تقوم أساسا بالرصد واستجماع المعلومات والمراقبة، والتدخل في حالة ثبوت حالات تلبس أو اشتباه بحالة ترويج واستهلاك المخدرات بهذه الفضاءات ، كما جاء في أحد أعداد جريدة " الاتحاد الاشتراكي ". و يرى العديد من المهتمين بالشأن التربوي ، أن هذا " التحرك الأمني " يأتي بعد أن لوحظ تنامي الظواهر الدخيلة عن المجتمع المدرسي و محيطه . - " أخشيشن " يستعد لهدم أسوار المؤسسات التعليمية : وفي سياق متصل ، يستعد ، السيد " أحمد اخشيشن " ، وزير التربية الوطنية و التعليم العالي و البحث العلمي ، لاتخاذ " قرار هدم أسوار المدارس، لتصبح فضاءات مفتوحة على المجتمع " ، فإذا كان المجتمع المغربي – يقول السيد الوزير- غير قادر على حماية المدارس، فلن نحميها عبر بناء الأسوار " ، كما جاء في حواره مع يومية المساء في عددها ( 949) الصادر بتاريخ 09/ 10 / 2009 . و في معرض تبريره لهذا " القرار " ، اعتبر السيد " أحمد أخشيشن " ، أن تنامي الظواهر الدخيلة(الخمور ، المخدرات ، التحرش ، الاستفزاز ،،، الخ.) عن المجتمع المدرسي ، مرده لعدة أسباب مركبة ؛ منها ، مثلا ، " التطاول على حرمة المدرسة " و تحول "جنبات المدرسة إلى أسواق شعبية " . كما أشار ، السيد الوزير ، إلى عوامل أخرى تحفز السلوكات العدوانية على المحيط التربوي ، و لم يفوت الفرصة لتحميل التلاميذ قسطا من المسئولية ؛ حينما اعتبر ، السيد " أحمد أخشيشن ، في معرض تفسيره لظاهرة التحرش بالتلميذات ، بالقول : ف" التلميذة التي بمجرد ما تغادر المؤسسة ولا تعتبر نفسها تلميذة، ولا ترتدي الزي الذي يميزها عن الأخريات، ستتعرض حتما للتحرش، وهي بدون شك تكون مستعدة لممارسات ما بسبب العديد من الإغراءات " . لكن ، الملفت في حوار السيد الوزير هو اتخذاه قرار هدم أسوار المدارس، لتصبح فضاءات مفتوحة على المجتمع". و برر موقفه ب " عدم جدوى الأسوار أنها لم تحل المشكلة، في السابق كانت المدرسة مسيجة بشباك حديدي وكان كل ما يقع داخلها باديا للعيان، وكانت فضاء مفتوحا ". - مقاربات و تقديرات متعارضة لظاهرة العنف في المحيط التربوي : و إذا كانت الجهات الرسمية تتكئ على المقاربات الأمنية و التقنية لتجفيف ظاهرة العنف من محيط مؤسساتنا التربوية ، فإن الفعاليات التربوية و النشطاء النقابيون و الحقوقيون ؛ يؤكدون على أهمية أمن و سلامة الفضاء التعليمي ، غير أنهم يعتبرون المقاربة الأمنية " غير كافية و غير مجدية " ، على اعتبار أن ظاهرة العنف ما هي إلا انعكاس للعنف السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي المسلط على الشبيبة المغربية و على عموم الشعب المغربي . إن تنامي كل الأشكال الرمزية و المادية للعنف في المحيط التربوي ، حسب أستاذ مخضرم عايش أجيال من " الإصلاح التعليمي " ، ما هي إلا محصلة طبيعية لفشل مخططات " الإصلاح " ، و يضيف بكثير من الحرقة ؛ في مرحلة الصراع السياسي انخرطت الأسرة التعليمية في النضال إلى صف الحركة الديمقراطية لمقاومة الاستبداد و القهر و الجهل و الأمية ،،، الخ. لكن ، و بعد أن أدمجت القوى المحسوبة على الديمقراطية في تدبير أزمة البلاد ؛ حتى تنصلت من كل التزاماتها و شعاراتها السابقة في السياسة التعليمية ( المدرسة العمومية ، المجانية ، ،، الخ.) . من جانب آخر، أكد إطار تربوي ، في معرض تحليله لظاهرة العنف بمحيط المؤسسات التربوية ، على ضرورة التمييز بين العنف الرمزي و العنف المادي ؛ و استحضر مجموعة من مظاهر العنف الرمزي : نظرة المجتمع ل " المعلم" ، نسج نكث تهكمية و ساخرة من الأسرة التعلمية ،،، الخ. علاوة على العنف المادي ، يضيف نفس المتحدث ، الذي يتمظهر في حالة الخصاص و العجز الماليين لنساء و رجال التعليم ، و تلكؤ الحكومة في الاستجابة للمطالب المادية الملحة في سياق اقتصادي منطبع بالزيادات الصاروخية لأسعار المواد الاستهلاكية الأساسية . و تساءل : هل سبق و أن قامت إحدى حكومات الأرض ب " سلخ " أسرة التعليم ؟ في تلميح منه لما تعرضت له بعض الفئات التعليمية من ضرب و قمع من لدن القوات الأمنية على خلفية نضالها من أجل تحقيق مطالب عادلة . فإلى حين انتفاء شروط العنف بمحيط المؤسسات التعليمية ، الشروط السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية ، دمتم بأمن و سلام .