كان الأسبوع الماضى فى وسائل الإعلام هو أسبوع البرادعى.. تصدرت أخبار وصول البرادعى إلى مصر وتشكيله «الجمعية الوطنية للتغيير» نشرات الأخبار وعناوين الصحف، واحتشدت التقارير الإخبارية والبرامج التليفزيونية بالتعليقات والمناقشات حول مدى ما يمكن أن يحدثه من تأثير فى الحياة السياسية. بين معارض ومؤيد، استمعت إلى كثير من الآراء، لاحظت بينها حجة متكررة شهرها عدد من المتحدثين باسم الحزب الوطنى فى وجه الدكتور البرادعى، هى أن دعوته للتغيير سوف تهز الاستقرار الذى تنعم به مصر.. أى استقرار هذا، تساءلت؟ ■ أى استقرار وهناك 7 ملايين طفل مصرى محرومون من كل حقوقهم، يشكلون 26٪ من أطفال مصر، وفقا لدراسة مركز البحوث والدراسات الاقتصادية بجامعة القاهرة؟ ■ أى استقرار وفئات المجتمع فى غالبيتها غاضبة؟.. فى العام الماضى كان هناك أكثر من ألفى وقفة احتجاج، ومنذ أسبوع كان هناك 4 وقفات أمام مجلس الشعب ومجلس الوزراء، إحداها للمعاقين، وأخرى للدعاة، وثالثة تعترض على خصخصة التأمين الصحى، ورابعة تحتج على إهدار حقوق موظفى المدعى الاشتراكى.. وكان الصيادلة يتظاهرون أمام دار الحكمة، والممرضات مضربات فى طنطا، وعمال الكتان معتصمون ل20 يوما. ■ أى استقرار ونحن مستمرون فى التفريط فى المصانع والشركات المملوكة للشعب؟!.. فى الأسبوع الماضى تم الكشف عن مؤامرة شيطانية عندما قررت الشركة العامة لصناعة الورق «راكتا» بيع أرضها التى تساوى ملياراً و344 مليون جنيه بمائة مليون فقط إلى مافيات المستثمرين.. هل يحدث هذا فى أى بلد آخر فى العالم.. كما يقول الأستاذ محمد البرغوثى فى «المصرى اليوم» إلا إذا كان بلدا تحت التصفية؟ ■ أى استقرار والتصفية قد امتدت إلى شركة طنطا للكتان التى باعتها الحكومة، بمصانعها وأراضيها، لمستثمر سعودى خالصة من المديونيات مقابل 83 مليون جنيه فى حين أن ثمن أراضى الشركة وحدها يبلغ اليوم 8 مليارات جنيه.. والأنكى أن تقف وزيرة القوى العاملة فى صف المستثمر فتدعى أن مطالب العمال فى العلاوات والأرباح «لا ينظمها قانون وإنما تخضع للتفاوض» وهى جميعا حقوق ينص عليها القانون؟ ■ أى استقرار فى حين تباع شركة النيل للحليج مقابل 229 مليون جنيه فى عام 1998 لمافيا أخرى فتسعى هذه المافيا لتصفية الشركة وبيع أراضيها ب15 مليار جنيه، أى ب70 ضعفا؟ ■ أى استقرار وصناعة الغزل والنسيج، أعرق وأشهر الصناعات فى مصر، تنهار على النحو الذى أعلنه رئيس النقابة العامة للغزل والنسيج، بسبب ارتباك سياسة الحكومة لدعم وتطوير قطاع المنسوجات، ومأساة تقليص زراعات القطن، والصراع بين وزارة المالية والفلاحين، وضغوط المحالج، وأزمات التسويق والتصدير؟ ■ أى استقرار والحكومة تطرد 1500 مواطن من مساكنهم وأراضيهم الزراعية بجزيرة «القرصاية » بحجة تطوير الجزيرة لما فيه «مصالح الدولة العليا» فإذا بنا نتبين أن هذه المصالح تتطابق تماما مع مصلحة أمير سعودى رغب فى إقامة مركز سياحى فى الجزيرة؟ ■ أى استقرار ورئيس اتحاد عمال مصر الموالى للحكومة يعترف بأن «الحكومة عاجزة عن مواجهة تشريد العمال»، ونائب الحزب الوطنى الحاكم سيد رستم ينفجر فى مجلس الشعب صائحاً: «كل شىء فى مصر عبارة عن سلب ونهب»؟ ■ أى استقرار وهناك 2 مليون و375 ألف عاطل فى نهاية 2009، طبقا للجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء، وكيف يتفق ذلك مع تصريح رئيس الوزراء بأنه «لم يفقد أحد وظيفته»؟ ■ أى استقرار وأسعار السلع ارتفعت فى عام 2009 بمقدار 13.6٪ حسب تقرير وزير التنمية الاقتصادية؟ ■ أى استقرار وأنبوبة البوتاجاز لاتزال تباع فى أنحاء مختلفة من مصر ب40 أو 50 جنيها حتى إن أصواتا تعالت بتدخل الجيش لتوزيعها فى حين أننا نصدر غازنا لإسرائيل بتراب الفلوس؟ ■ أى استقرار و الفساد يعيش تحت قبة مجلس الشعب ذاته، فينهب أعضاء فيه ميزانية العلاج على نفقة الدولة، ويتربحون من ورائها لإجراء عمليات صورية بأسماء وهمية، ويحصل أحد النواب على 250 مليون جنيه فى 4 سنوات، ويتعاقد آخر مع مستشفى خاص بعينه لإجراء عمليات تجميل للعيون ب4 ملايين جنيه فى 4 أشهر فقط، بخلاف 11 نائباً تجاوزت مخصصات كل منهم 11 مليون جنيه فى الشهر الواحد؟ ■ أى استقرار وهناك 70 ألف حالة سرطان تتعرض للموت كل عام بسبب عدم توفر أماكن للعلاج، وكذلك 40 ألف حالة وفاة بسبب فيروسات الكبد سنويا، والرقم مرشح للزيادة وفقا لدراسة عميد المعهد القومى للكبد؟ ■ أى استقرار والمستشفيات تنهار مبانيها بعد أن انهارت خدماتها، فبعد أن تقرر هدم مبنى معهد الأورام، ها هو مستشفى الخليفة يتقرر هدمه بسبب عيوب هندسية أنفقت ملايين الجنيهات لعلاجها فى عام 2000؟ ■ أى استقرار فى الوقت الذى إذا أكل فيه أناس اللحوم فهم يأكلونها ملوثة لأن مجازر مصر كلها - كما صرح رئيس جهاز سلامة الغذاء - غير معتمدة دوليا، ولا تحتوى على مبردات للحوم، ولا تنقل اللحوم فى سيارات مغطاة؟ ■ أى استقرار ومياه الشرب هى والخضروات ملوثة بمياه المجارى؟ ■ أى استقرار مع كل هذا التخبط حول صلاحية موقع «الضبعة» لإقامة المحطة النووية المصرية الجديدة، وتردد الحكومة فى حسم الأمر مراعاة لخاطر واحد من حيتان المال والأعمال مقرب من أولى الأمر يريد اقتناص الموقع ليقيم فيه مشروعا سياحيا؟ ■ أى استقرار وهناك ألف موظف فى الدولة يتقاضى الواحد منهم مليون جنيه شهريا فى حين أن الحكومة تبحث، الآن، تحديد الحد الأدنى للأجور بنحو 300 جنيه فى الشهر؟ ■ أى استقرار ورئيس الوزراء السابق عاطف عبيد، يعين رئيسا لبنك وهو عضو بالشورى، وهناك 12 نائبا فى مجلس الشعب بينهم محمد الدكرورى، محامى الرئيس، عينوا فى مناصب حكومية وهم نواب بالمخالفة للقانون ، تماما كما حدث مع وزير الإسكان السابق محمد إبراهيم سليمان؟ ويزيد الهم عندما يترافع مفيد شهاب عن قرار تعيين سليمان بقوله «كنا نتصور أن القرار صحيح»، وهو مفتى الحكومة القانونى. ■ أى استقرار مع كل هذا الفساد والإفساد فى الأراضى التى وزعها محمد إبراهيم سليمان على الأقارب والأحباب، ووزعها أيضاً على كبار المسؤولين فى البلد الذين سيبرأون من تهمة مخالفتهم للائحة العقارية المنظمة للتصرف فى أراضى المدن الجديدة بمخرج عبقرى هو أن اللائحة لم تنشر فى الجريدة الرسمية، وبذلك لم يحاطوا علماً بها؟ ■ أى استقرار والعاصمة تغرق، ومرافق الدولة تتعطل، وأكذوبة البنية الأساسية تنكشف فى يوم ممطر واحد؟ ■ أى استقرار والحكومة تفشل فى كل أزمة، والمواطن يهان فى كل موقع، إن كان وهو يحاول الحصول على أنبوبة بوتاجاز، أو رغيف خبز أو سرير مستشفى أو فرصة عمل أو حق فى سكن؟ ■ أى استقرار ونحن نحاصر غزة، ونلعن الجزائر، ونخاصم سوريا، ونتعالى على السودان، ونهاجم قطر ثم نتسول منها مباراة كرة؟.. أى استقرار ونحن نتجاهل أفريقيا، ونعادى إيران، ونتقزم أمام تركيا؟ ■ أى استقرار مع التبعية؟ ■ أى استقرار بلا حرية للمحكوم ولا مساءلة للحاكم؟ ■ إن كان كل هذا استقراراً حقاً، فالمؤكد أنه استقرار فى القاع.