البشر شركاء في الإنسانية، والمسلمون باعتبارهم شهداء على الناس والعصر ومكلفون بعمارة الأرض، مطالبون أن يكونوا شركاء في صياغة عالم السلم والعدل والحرية والتعايش ويمنع فيه البغي والظلم والعدوان. فمن خصوصيات الإسلام كما يقول المفكر الفيلسوف طه عبد الرحمان عالميته: «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين...» وهذه العالمية لن تتحقق إلا في سياق التعارف: «إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم...» ، والتعارف يكون من أجل التعاون على البر والخير: «وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان..»، والسلم والأمن العالمي أكبر بر وخير للبشرية جمعاء. لقد أضرت مقولة "صراع الحضارات" كثيرا بالاستقرار العالمي.. فهذه المقولة التي أطلقتها بداية جهات يمينية متطرفة ستلتقطها جهات أصولية دينية مسيحية ويهودية وإسلامية، لتأخذ مع الإرهاب أبعادا عنصرية مقيتة؛ فاندفع العالم نحو كارثة حقيقية وتحولت حياة الكثيرين من الناس إلى جحيم .. جحيم حروب إستباقية وجحيم ظروف معيشية صعبة نتيجة الدمار الذي أصاب الاقتصاد العالمي. وأمام التهديد الذي يطال البشرية كان لابد من وقفة.. للتواصل، للحوار.. من أجل تبديد سوء الفهم والتصرف ومن أجل تصحيح التمثلات والتعاون لما فيه خير الإنسانية جمعاء. إن الحضارات والثقافات إنما وجدت لتتفاعل وتتلاقح وتتكامل.. وأبدا لا يمكن للبشرية أن تترك مصيرها يتلاعب به الحمقى والمعتوهون يخوضون صراع همجيات. فالذين دمروا برجي نيويورك وقطارات مدريد وحافلات لندن لا يمكن أن يكونوا ممثلين للحضارة العربية الإسلامية.. والذين دمروا العراق وأفغانستان ومن قبلهما شردوا الشعب الفلسطيني والذين نهبوا آثار بابل ومتاحف بغداد ودكوا الملاجئ على رؤوس النساء والأطفال ومارسوا التعذيب في أبو غريب وغوانتانامو لا يمكن أن يكونوا قد فعلوا ما فعلوه وهم رسل الحضارة الغربية!!... 1- أوباما وخطاب المصالحة.. أن يكون أول عمل يقوم به الرئيس باراك أوباما هو إغلاق معتقل الذل والعار في غوانتانامو... فهذا مؤشر إلى تحول معتبر في الإدارة الأمريكية الحالية اتجاه العلاقات الأمريكية الإسلامية. وجاء أوباما إلى القاهرة ليلقي خطابا أراده خطاب مصالحة مع العالم الإسلامي. وطبعا المعنيون بالتصالح هم الإدارة الأمريكية والشعوب الإسلامية.. ولا مصالحة من دون قول الحقيقة والمصارحة ومطارحة مختلف القضايا التي تشكل عقدة المنشار في العلاقة الأمريكية الإسلامية... علينا أن نقول للإدارة الأمريكية أن الانحياز الأمريكي الرسمي السافر لإسرائيل شيء يستفز مشاعرنا. وعلى الإدارة الأمريكية أن تكون جادة في إيجاد حل عادل للصراع العربي الإسرائيلي بتمكين الشعب الفلسطيني من دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. فاستمرار احتلال القدس أولى القبلتين وثالث الحرمين واستمرار احتلال شعب بكامله أمر مستفز لمشاعر أزيد من مليار مسلم. ومن الوهم التفكير في استقرار العالم في ظل استمرار معاناة الشعب الفلسطيني. أما المسألة الثانية التي تضر بسمعة الولاياتالمتحدةالأمريكية عند شعوب العالم الإسلامي فهي سياسة الكيل بمكاييل مختلفة عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع الأنظمة الصديقة والأنظمة "المارقة " - بحسب تعبير بوش- في نفس القضايا. فمسألة الحرية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان يجب أن لا تكون موضوع مزايدات للإدارة الأمريكية، كما أن الأنظمة المستبدة الفاسدة لا يجب أن تحض بالدعم والمساندة من طرف أمريكا حاملة مشعل هذه المبادئ التي تأسس عليها الحلم الأمريكي. لقد استحسنت الشعوب الإسلامية في خطاب أوباما بالقاهرة تأكيده على مسألة حوار الحضارات.. لكن هذه الشعوب كانت تنتظر أن تحظى مسألتي الديمقراطية وحقوق الإنسان بحيز مهم في خطاب أوباما.. حيز يعكس اهتمام هذه الإدارة الجديدة في هذا الشأن.. لكن الظاهر أن الرئيس أوباما أراد أن يتحاشى إحراج الحكام في الوطن الإسلامي!!.. 2- التخلف داء عضال... مسؤوليته مزدوجة. عوامل التخلف متعددة ومتنوعة في عالمنا الإسلامي.. ولكن سأركز على ثلاث عوامل: - العامل الأول ثقافي.. نحن في عموم الوطن الإسلامي ثقافتنا السائدة تنتج التخلف وتدعم استمراريته وتولد في شعوب هذا العالم قابلية للاستعمار والاستحمار والكسل والسلبية والانتظارية والتواكلية والاستهلاكية.. حتى تحولنا إلى شعوب تساهم في صناعة طواغيتها. - العامل الثاني الاستبداد السياسي.. فجوهر كل المشاكل في العالم الإسلامي سياسي.. وكل شعوب هذا العالم – إلا استثناءات قليلة- قد ابتليت بفتنة حكام فاسدين مستبدين، منهم من يحكم بلدانهم بالهوى والنزوات... أمريكا تعرف هذا.. ولهذا أكد السيد أوباما في غانا على أنه آن الأوان لتأخذ الشعوب المتخلفة قدرها بيدها وتكف عن إلقاء تبعات تخلفها على الآخرين.. ونداء أوباما هذا هو دعوة لثورة فكرية ثقافية وإلى ثورة في العلاقات السائدة بين الحكام والمحكومين. فحينما تعلن الشعوب والأنظمة أنها تتحمل مسؤولية كبيرة في ما آلت إليه الأوضاع في بلدانها فهذه بداية المسيرة الطويلة اتجاه النهضة والتقدم. عالمنا الإسلامي غني بالثروات وبطاقات شابة قادرة على البناء والعطاء كما يتوفر على مرتكزات حضارية.. لكن العديد من دوله تعيش الفقر والتخلف بل تتسول لقمة عيشها من الخارج. إنها حصيلة توليفة البؤس: الاستبداد والنهب والفساد وانعدام الكفاءة وحكم الهوى والنزوات عند الحاكمين والجهل والسلبية والانتظارية والاتكالية والاستهلاكية عند الشعوب. - العامل الثالث هو الاستعمار وتوابعه.. لا يمكن أن نتجاهل الدور الخطير الذي لعبه ولا زال الاستعمار لإدامة تخلف العالم الإسلامي. ذلك أن ثمة محاولات نهضوية جادة قد عرفها عالمنا الإسلامي وإفريقيا .. لكنها اصطدمت بإصرار الاستعمار على التصدي لها وإجهاضها. وتاريخ القرن العشرين مليء بالأمثلة. فكم من حروب شنت (حرب السويس 1956)نموذجا، وانقلابات وقعت (الانقلاب ضد مصدق في إيران )نموذجا، ونزاعات إقليمية أشعلت (الحرب العراقية الإيرانية)نموذجا، ونزاعات داخلية أججت (جنوب السودان-دارفور) نموذجا، وديمقراطيات أجهضت (الجزائر) نموذجا، ...ألخ. من أجل أن يسيطر الاستعمار على هذا الممر المائي أو ذاك الحقل الغازي أو النفطي أو ذاك المنجم أو منبع الماء وفي بعض الأحيان من أجل إدامة هيمنة لغته وثقافته على لغة البلاد التي كانت مستعمرة وثقافتها. وحينما لا يتدخل الاستعمار مباشرة لضرب أو زعزعة استقرار أحد البلدان أو إسقاط حكومته الشرعية يستعمل المؤسسات المالية العالمية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية التي استغلت مديونية الدول المتخلفة لفرض وصفات اقتصادية مسمومة خصوصا في العقد الأخير، أدت إلى سيطرة الأولغارشيا العالمية على القطاعات المنتجة والرابحة في العالم المتخلف وتراجع الدولة -التي ازدادت فقرا وارتهانا- عن أدوارها الاجتماعية وتحولها إلى مجرد آلة أمنية تحمي مصالح الشركات عبر قارية ومصالح الفاسدين وسماسرة النظام الليبرالي الفوضوي المحليين من غضبات الشعوب التي تحولت شيئا فشيئا نحو العبودية!!.. نحن إذن أمام مسؤولية مشتركة في ما آلت إليه أوضاع العالم المتخلف: حكام فاسدون مستبدون – شعوب مستسلمة مغلوبة على أمرها- تكالب استعماري. فليرفع الاستعمار يديه/ أياديه عن دول العالم المتخلف وليتحمل الحكام والشعوب مسؤوليتهم.. هذا هو الحل.. 3- النهضة شأن المبدعين... ولكن.. لا يشك أحد أن النهضة شأن المبدعين.. هؤلاء الذين ستكون لهم القدرة على التحول والتغيير والإرادة والعزم على ذلك.. هذا عين العقل.. ولكن أين هم المبدعون من عالمنا المتخلف؟ لو قمنا بإحصاء المبدعين من أصول إسلامية أو عربية أو إفريقية أو أسيوية أو جنوب أمريكية أي المبدعين من العالم الثالث المتواجدين بالغرب لأصابتنا الدهشة. فلماذا يعيش هؤلاء اليوم في أوطان غير أوطانهم؟ الأكيد أن بعضهم فضل دول المهجر للضرورة المعيشية السهلة فيها وهؤلاء قلة. لكن السواد الأعظم من هؤلاء قد أجبروا قسرا على الإقامة في المهجر لأن أنظمة بلادهم لا تتحمل النبوغ والإبداع وتخشى النابغين والمبدعين خصوصا عندما تكون لهم رغبة في المساهمة في تسيير الشأن العام. أما الذين اختاروا العيش في أوطانهم فإن الاستبداد الذي يخشى الإبداع والمبدعين يسعى إلى استقطاب النوابغ ليس للمساهمة في تقدم البلاد وازدهارها بل لإدماجهم في دورة الفساد ولتلميع صورة الأنظمة الفاسدة وضخ دماء جديدة فيها. أما الذين اختاروا من النوابغ والمبدعين التصدي للفساد والمفسدين والنهوض بالبلاد فمصيرهم إما السجن أو التضييق عليهم في الرزق أو تشويه سمعتهم (واليوم تهمة الإرهاب جاهزة بالنسبة للنخب الإسلامية..). وحيث أنه لا يوجد عاقل يتصور النهضة أو التقدم من دون نابغين مبدعين قادرين على أن يتجاوزوا بأوطانهم اللحظات القاتمة التي تجتازها حيث تنتصر الرداءة والفساد والريع والنهب وانعدام المسؤولية والمحاسبة خصوصا في ظل أزمة عالمية خانقة نتاج عولمة فوضوية أوصلت العالم إلى حدود الإفلاس والكارثة. إن أكبر مهمة تنتظر هذه النخب هو انجاز الانتقال إلى الديمقراطية (ولا أقول الانتقال الديمقراطي) بل سيكون نتيجة إبداع حقيقي يأخذ فيه المبدعون بعين الاعتبار الخصوصيات الثقافية والإثنية والاجتماعية والاقتصادية والدينية لبلدانهم ومجتمعاتهم.. على أن يصلوا في النهاية إلى هدف الديمقراطية أي إقرار سيادة الأمة عبر انتخابات حقيقية حرة ونزيهة وضمان تداول سلمي على السلطة وتوزيع عادل للثروات. وقد يكون الاتفاق والتوافق بين الحكام والمحكومين نهجا في تسريع وثيرة التحول إلى الديمقراطية.. وهنا ننتظر أن تلعب إدارة السيد أوباما دورا عبر تشجيع الأنظمة بالانفتاح على مجتمعاتها وقواها الحية وتدشين حوارات وطنية جدية كفيلة للوصول بأطراف المعادلة السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والدينية إلى الهدف المنشود : الاتفاق والتوافق لتحقيق الانتقال إلى الديمقراطية وحتى تصبح أوطاننا فضاء الحرية والتعايش والتسامح والتعدد. وإذا كان لابد من التنويه بالنجاح الذي حققه المنتظم الدولي في التضييق والحصار على الإرهاب والحرية والمنظمة.. فقد تستوحي الإنسانية هذا النموذج للتضييق والحصار لمرتكبي الجرائم في حق شعوبهم: جرائم في حق الإنسانية وجرائم اقتصادية (النهب والسرقة). وأكيد أنه عندما يحس كل حاكم فاسد مستبد منتهكا لحقوق الإنسان أن هناك قانونا دوليا سيلاحقه ويمنعه من الإفلات من العقاب.. فسوف يفكر ألف مرة قبل أن يقوم بأي جريمة من هذا القبيل. رب قائل سيقول أن هذا أمر قائم اليوم.. هذا صحيح لكن بشكل جد انتقائي بل مستفز، ظالم في العديد من الأحيان.. فالغرب لا يحاصر عادة إلا الحكام الذين يعتبرهم مارقين خارجين عن طاعته.. أما المتماهين معه الضامنين لمصالحه المطلقين يد الأولغارشيا العالمية للاستحواذ على ما تبقى من خيرات البلاد وقطاعاتها المنتجة المربحة.. هؤلاء في مأمن من المتابعة أو المحاسبة والمساءلة.. وهذا ما يثير حنق وغضب الشعوب ويدفعها إلى التطرف في ردود أفعالها بعض الأحيان. 4- الشراكة من أجل عولمة إنسانية بديلة أكثر عدلا وأكثر أمنا: لم يصبح العالم قرية صغيرة كما روج لذلك الليبراليون الفوضويون بل تحول إلى غابة متوحشة يسودها قانون الغاب حيث البقاء للأقوى والأشرس والأكثر عنفا. ثارت حروب ضروس باسم صراع الحضارات اقتاتت من أجسام وأرواح البشر، فدمرت بلدانا وحطمت نفوسا وتراجعت القيم والأخلاق وسادت الكراهية والحقد وانتشر التطرف الأصولي بنسخه البئيسة المسيحية واليهودية والإسلامية وظهر الإرهاب: إرهاب الدول والأحلاف والحركات والأشخاص، وأصبح رفض الآخر والسعي إلى تدميره عملة رائجة. نعيش اليوم نهاية نموذج عولمي ليبرالي فوضوي وتتطلع البشرية إلى عالم جديد أكثر إنسانية وعدلا وتسامحا.. أي إلى عولمة بديلة تقوم على تفاعل الحضارات وتلاقح الثقافات، عالم أكثر أمنا واستقرارا.لن تتأسس هذه العولمة إلا على شراكة حقيقية بين دول المعمور.. شراكة لا مكان فيها للفاسدين المستبدين أو من يقود بلاده بالمؤامرة. أي إن العولمة البديلة لن تكون إلا بين أمم تجسد داخلها قيم ومبادئ الحوار والتعايش والحرية والتسامح قبل أن تسعى لتجسيدها عالميا. إذ إن فاقد الشيء لا يعطيه ومن يصر على مصادرة الحوار بين أبناء الشعب الواحد أو يصر على إقصاء مكون من مكونات مجتمعه لا يمكن أن يكون شريكا في حوار عالمي حضاري. الشراكة من أجل عولمة بديلة مهمة الأنظمة الديمقراطية من دون شك. ولا يمكن أن يكون أي نظام ديمقراطي إذا كانت المؤسسات الوسطية/الوسيطة من حكومة وبرلمان وهيآت استشارية ولجن وطنية مؤسسات شكلية.. وليس نظاما ديمقراطيا أي نظام تهيمن عليه السلطة التنفيذية على باقي السلط بما فيها القضاء وتكون فيه الأجهزة الأمنية مارقة خارجة عن القانون لا تعبأ لشكلياته. وليس نظاما ديمقراطيا أي نظام يكون القضاء فيه فاسدا خاضعا للتعليمات ويوظف في تصفية الحسابات مع الخصوم السياسيين.. وليس نظاما ديمقراطيا أي نظام يتملص من الالتزامات والعهود والمواثيق الدولية لدعوى الخصوصية.. الخصوصية الوحيدة لهكذا نظام أنه استبدادي.. فاسد.. وإن أكبر تجل لفساد نظام سياسي كما أشار الرئيس أوباما في غانا هو حينما يغتني الحكام ومن يدور في فلكهم مقابل تفقير الشعوب وتجويعها!!.. 5- الإسلاميون الديمقراطيون.. هم الخطر الأكبر!!!.. لم تكد ولاية بوش الثانية تشرف على نهايتها حتى سارعت العديد من الأنظمة العربية الى شن حرب استئصالية إرهابية ضد تيارات الاعتدال الإسلامية.. وبدا وكأن سلم الأوليات قد انقلب رأسا على عقب.. ففي الوقت الذي بدأ الحديث عن تدشين حوارات داخل السجون وخارجها مع أتباع التنظيمات "الجهادية" (وهو أمر محمود نرحب به ونشجع عليه ونتمنى أن يكلل بالنجاح)، نجد نفس الأنظمة التي تسارع لهذه الحوارات تشن هجومها العنيف على الإسلاميين الديمقراطيين (حدث هذا في أكثر من بلد عربي) لماذا؟ لأن التحليل قد أوصل بعض النخب الفاسدة ولوبيات الريع ومتطرفين علمانيين وعنصريين نافذين في الأجهزة الأمنية وبعض المستلبين إلى درجة العته بثقافة الاستعمار وقيمه ولغته، إلى اعتبار الإسلاميين الديمقراطيين هم الخطر القادم، فأصبحوا يتوجسون خيفة من تنامي المد الإسلامي الديمقراطي المشارك في اللعبة السياسية، واستغلوا الحرب العامية ضد الإرهاب وقلق الحكام المصابين برهاب الإسلاميين ليشنوا حربهم الاستباقية ضد تيار الوسطية والتنوير الإسلامي باعتباره يشكل خطرا على مصالحهم الفاسدة واستبدادهم. بالنسبة لقوى الفساد فإن التيارات "الجهادية" لا تطرح أسئلة التداول السلمي على السلطة والتوزيع العادل للثروة بل لا تعترف بالديمقراطية باعتبارها كفرا لأنها تسعى إلى إقرار سيادة الأمة!!.. كما أنه من السهل الإجهاز على مثل هذه التيارات في أية لحظة عبر توريطها في مثالب أمنية نظرا لطبيعة خطابها ولتصرفات بعض المحسوبين عليها.. وكم من مرة تم اللجوء إلى هذا الأمر (التوريط) لضبط الساحة السياسية ورسم معالمها بما لا يربك التوازنات السياسية والمعادلات المختلفة لصالح قوى الفساد في أكثر من مساحة عربية. أصبح الإسلاميون الديمقراطيون في عين إعصار عنيف يثيره من يستكثر على المسلمين أن تكون بينهم أحزاب للإسلاميين الديمقراطيين كما في الغرب أحزاب للاشتراكيين الديمقراطيين وأخرى للمسيحيين الديمقراطيين. ذنب الإسلاميين الديمقراطيين إصرارهم على المشاركة في اللعبة السياسية من أجل تداول سلمي للسلطة وتوزيع عادل للثروة، ذنب هؤلاء رفضهم للعنف ويدينون اللجوء إليه باستثناء العنف الشرعي للدولة ومقاومة الاحتلال والعدوان، ذنب هؤلاء إيمانهم بالحرية والعدل والمساواة والإنصاف وباحترام حقوق الإنسان وواجباته، ذنب هؤلاء إيمانهم بأن خصوصية الإسلام في كونيته، ذنب هؤلاء أنهم يرفضون المقولات العنصرية البغيضة ويؤمنون بالحوار بين الحضارات والثقافات والأديان ويؤمنون بالتعايش والتسامح. إن الأنظمة العربية والإسلامية التي سارعت إلى تلبية نداء بوش "من ليس مع أمريكا فهو مع الإرهاب" فسنت قوانين جائرة سمتها "قانون الإرهاب" وفتحت معتقلات سرية رهيبة شبيهة بمعتقل غوانتانامو وشنت حملات للاختطاف والتعذيب ونصبت المحاكم الخاصة (محاكم الإرهاب) غابت فيها كل شروط المحاكمة العادلة.. وحينما كانت ترتفع أصوات منددة بما يجري من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان كان الحكام في العالم الإسلامي يتذرعون بأن لا حول لهم ولا قوة أمام جبروت إدارة بوش وضغوطاتها.. لكن اليوم وقد أغلق غوانتانامو بقيت ملحقاته مفتوحة في العالم الإسلامي وعندما تراجعت الإدارة الأمريكية الحالية عن مقولاتها ومخططات إدارة بوش عاد التسويق في العالم الإسلامي لمقولات السيادة ورفض التدخل في الشؤون الداخلية ورفض الضغوطات الأجنبية، بل صارت أنظمة وحكومات بئيسة الى البحث عن قوى دولية تدعم استمرار هجومها على حقوق الإنسان في أوطانها، والخطير أن بعض هذه الأنظمة المستبدة تستفز شعوبها بكل شيء وحتى إذا غاب الإرهاب عن ساحتها أو قام من تبنى هذا التوجه الإجرامي بالمراجعات فإنها (الأنظمة والحكومات) تعمد إلى افتعال أعمال إرهابية لاستمرار عنفها وقمعها لشعوبها ولقواها الحية.. الأنظمة الفاسدة في العالم الإسلامي ليست على استعداد للتفريط في الوصفة السحرية التي أهداها إياها بوش لتصفية خصومها من دون أن يحرك العالم ساكنا أو يتهمها بالفاشية والاستبداد وانتهاك حقوق الإنسان...