كان يجب أن يثني "شمعون بيرس" على السيد سلام فياض، وأن يمتدحه برقيق العبارات، وأن يصفه بأنه أول صحافي للفلسطينيين، ليجيء هذا التقدير في سياقه الطبيعي، ومنسجماً مع الحالة الفلسطينية التي أسهم السيد فياض في دق أوتادها، والتأسيس لها، وأزعم أن ما حلم فيه يهود إسرائيل بخلق الفلسطيني الطيب قد تحقق، وتوفر لهم على طبق من الأمن تستعذبه الدولة العبرية، كما اعترف بذلك علناً وزير الأمن "باراك" خلال الكلمة التي ألقاها أمام مؤتمر هرتسيليا، وهو يقول: إن المستوطنين أنفسهم يعترفون بأن حالة الأمن التي يعيشونها الآن لم يشهدوا مثلها منذ سنوات. من حق بعض الساسة والكتاب الفلسطينيين أن يتقاطعوا مع "شمعون بيرس" وأن يدقوا طبول الانتصار للسيد فياض، وأن يظهروه بمظهر البطل الذي غزا الإسرائيليين في عقر دارهم، وعبر عن حقوق الفلسطينيين دون انتقاص من على منبرهم، ومن حقهم أن يهاجموا كل فكرة تعادي فكرة التنسيق الأمني، ومن حقهم القول: إن ما يجري في الضفة الغربية من حفظ أمن، يجري أكثر منه على الحدود مع غزة، وإن الإسرائيليين أنفسهم يشيدون بحالة الاستقرار الأمني في محيط غزة التي تدعي المقاومة، ولكن من حق الفلسطينيين القول: إن الفرق شاسع بين فلسطيني تطارده الطائرات الإسرائيلية، ويلاحقه الموساد الإسرائيلي حتى دبي، وتحاصره إسرائيل في قطاع غزة، وبين فلسطيني تفتح له الطرق، وتزال من أمامه الحواجز كي يصل إلى هرتسيليا، ويصافح يد وزير حربها التي تشر من دم أطفال غزة، ويلقي كلمته في مؤتمر يهودي حدد رئيسة الجنرال احتياط "داني روتشيلد" أهدافه في "بحث التهديدات الداخلية والخارجية التي تحيط بإسرائيل عبر تحليل الوضع في المستقبل، وتقييم حال إسرائيل في السنوات الخمس القادمة، وفي بعض الملفات في العشرين عاما القادمة". قد يقول بعض المطبلين: إن السيد فياض رفع صوت فلسطين عالياً، ولم يتنازل عن شبر من مساحة 22% من الأراضي المحتلة، وأعلن عن عدم شرعية المستوطنات أمام المؤتمرين اليهود. وهذا كلام صحيح، ويعرفه يهود إسرائيل أنفسهم، بل ويعرفون أن كل فلسطين هي أرض عربية فلسطينية، اغتصبوها بالقوة بعد أن روجوا لفكرة أرض بلا شعب، التي تنسجم مع معتقدهم الأيديولوجي. بالتالي لن يعجز الإسرائيليون عن توظيف مشاركة السيد فياض بما يخدم أغراضهم على كل المستويات الآنية، والإستراتيجية، مثلما لم يعجزوا في التخلص من أبي عمار، بعد أن ضمنوا وصول من هو أيسر منه، وأكرم، وأوسع خطوات للمشاركة في مؤتمر هرتسيليا، وما بعد هرتسيليا!.