إعادة الأراضي التي احتلت في العام 1967 ضرورية من أجل التوصل إلى حل للنزاع الإسرائيلي –الفلسطيني، ولكن إرث 1948 بالذات وضعه مؤخرا الطرفان في صميم الجدال. وعلى نحو غريب، كان هذا: بنيامين نتنياهو، طالب الفلسطينيين بالاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، مما أدى إلى إعادة فتح ملف 1948. وكان نتنياهو يقصد إجبار الفلسطينيين على الإعلان بأن حق العودة للاجئي 1948 لن ينطبق إلا على الدولة الفلسطينية، ولكن توقيت طلبه إشكالي. فقد طرح في الوقت الذي تطرح فيه سياسة رئيس الوزراء الفلسطيني تحديا حقيقيا على الحركة الوطنية الفلسطينية: الخيار بين فكرة العدل وبين فكرة بناء الدولة. تحت سلام فياض يبدو أن السلطة الفلسطينية تستبدل التشديد على المنفى ببناء الدولة داخل الحدود الإقليمية للمناطق المحتلة. وكأن صوت المنفى مشلول. اللجنة التنفيذية ل (م.ت.ف) التي انتخبت مؤخرا، وفي الماضي ضمت فقط ممثلين عن المنفى الفلسطيني، تضم الآن ممثلا واحدا لها من لبنان. ويمكن للأمر أن يشير إلى تغيير كبير في الوطنية الفلسطينية. إذا أخذنا الصهيونية كمثال، فإن الطائفة اليهودية في فلسطين الانتدابية كانت بؤرة اتخاذ القرارات، بينما المنفى اليهودي شكل ظهرا استراتيجيا. هذه الفكرة كانت معكوسة لدى الفلسطينيين: فكرة المنفى، وفي مركزها اللاجئون، كانت لب القضية وبؤرة اتخاذ القرارات بالنسبة إلى الحركة الوطنية. كنتيجة لذلك، فإن المجتمع الفلسطيني في المناطق المحتلة كان دوما مستعبدا. «الفياضية»، بالمقابل، تسعى إلى إجراء «صهينة» للحركة الوطنية الفلسطينية. وهي تجذر في القضية الفلسطينية الفكرة الإيجابية للأمة ولبناء الدولة، على حساب الوطنية الفلسطينية المتركزة في المنفى. في المسيرة السلمية، كما جرى حتى اليوم، رغب الإسرائيليون في التركيز على مواضيع 1967 أي موضوع الأراضي والأمن، بينما سعى الفلسطينيون إلى العودة إلى مواضيع 1948، أي موضوع اللاجئين، الشتات وما وصف بأنه الحاجة «لحمل الإسرائيليين على الوقوف أمام محكمة التاريخ». والآن يبدو كأن الأدوار تبدلت. بالضبط عندما نجحت إسرائيل في حمل الحركة الوطنية الفلسطينية على هجر طريقها الثوري مقابل بناء دولة وتنمية اقتصادية، قرر الإسرائيليون أن يعيدوا جذب الفلسطينيين إلى أسس النزاع. بالفعل، رغم صعود «الفياضية» فإن الحركة الوطنية الفلسطينية تحذر من خيانة مصادر شرعيتها: فكرة السلب واللجوء. في مؤتمر فتح الأخير دعي اللاجئون إلى «العودة إلى مدنهم وقراهم». ويحاول الفلسطينيون الإمساك بالعصا من طرفيها، فيما يصرحون أمام العالم بتأييدهم لحل الدولتين، يدعون إلى حق العودة. كل زعامة فلسطينية واعية ينبغي لها أن تكون عالمة بأن وعدا لفظيا بالعودة إلى البيت المهجور وشجرة الزيتون هو وصفة عابثة، تتعارض بشكل جوهري مع منطق الدولة الفلسطينية المنفصلة. السلام، في أحيان كثيرة، ليس موضوع عدل بل موضوع استقرار. على الفلسطينيين أن يكيفوا خطابهم العام مع ما هو قابل للتحقق، بينما يجب على إسرائيل أن تتصدى لمشكلة اللاجئين بشكل يضمن شرعية واستقرار اتفاق السلام المستقبلي. ولما كان يتعين على إسرائيل أن تتخذ خطوات عملية لإعادة التوطين والتعويض، لا تستند إلى الحق التلقائي بالعودة الجسدية، فثمة حاجة إلى رمز من التعويض الأخلاقي الأصيل. بدلا من دحر ذاكرة اللاجئين يجب على إسرائيل أن تعترف بأنه في العام 1948 مزقت البلاد بالحرب وأن الدولة اليهودية بدأت تظهر أيضا لأنه كان هناك اقتلاع واسع وسلب للتجمعات الفلسطينية. على إسرائيل أن تطور ما يكفي من الثقة بالذات كي تدرج في منهاجها التعليمي أيضا مأساة النكبة الفلسطينية. حل النزاعات من هذا القبيل يتطلب إعادة بناء الذاكرة التاريخية والإنصات المناسب إلى الروايتين التاريخيتين للطرفين. عزاء إسرائيل سيكون أن الفلسطينيين أيضا سيضطرون إلى تقديم الحساب على نصيبهم من المسؤولية عن الكوارث التي لحقت بهم.