هبة التقنين الذي تشهده بعض الدول في مواجهة المواقع الالكترنية فيها غريبة في توقيتها ومضمونها مع اختلافات كبيرة في بعض الساحات ، ففي حين يحتد الصراع بين الصين وبين شركة جوجل العملاقة صاحبة اكبر محرك بحث في العالم وتهدد جوجل ان تنسحب من السوق الصينية الكبيرة التي تعد بالف مليون نسمة ، ترتفع على الساحة الاردنية نقاشات حول قانون يؤطر ويحدد ويضع شروطا ورقابة على النشاط الالكترني في الاردن , وهنا الفارق الكبير ففي حين تستطيع الصين بعضمتها وحجم سكانها ان تقيد ذلك لانها مساحة ضخمة وحجم سكان كبير فهي قارة وفضاء بحد ذاتها تملك لغتها وثقافتها واقتصادها وفضائها وتعدادها ونظامها الشمولي ومع ذلك تقف عاجزة امام تهديدات جوجل وتحاول تسوية الامور معها .. ولكن ان يقف البعض في الاردن ليضع ويشرع قانونا يقيد المواقع الالكترونية امر في غاية الغرابة من نواحي كثيرة لعل ابرزها كيف يمكن الاحاطة والتطبيق ؟ وما نتائج مثل هكذا قانون من الناحية الامنية مستقبلا وليس آنيا ؟ وما حجم المواجهة التي يضعون الاردن بها مع فضاء مفتوح ومتدفق وملتهب ؟ وما هي المكاسب السياسية والامنية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية في مثل هكذا تشريع منفتح اجبارا على العالم كله ؟ انني وانا اطرح هذا التساؤلات ارى ان مثل هكذا تشريعات التي تقيد النشاط الالكتروني تفتقر الى ابسط مقومات النجاح لانها لا تصمد امام فلسفة التشريع المستهدف منها ” الذي يهدف الى ضبط النشاط الالكتروني حتى لا ينزلق ويتعاظم ويؤثر على حالة الاستقرار العامة في الدولة ” ؟! لان التقييد هنا مستحيل خلافا للصحافة الورقية التي بالفعل تم تقنينها وضبطها وتدجينها واصبحت مكانا ووسيلة للدعاية والاعلان والتبجيل ..، بل اذهب الى ابعد من ذلك لاقول ان من يعمل على اقامة هذه المواقع او يشارك اويساهم والتي في اغلبها مدونات انما هي طاقات وعقول ومواهب شبابية متفجرة تنشد الاستثمار والعمل والتفريغ والتنفيس تمارس ذلك بمسؤولية ذاتية في اطار اخلاقي وسياسي وثقافي لا يشكل ازعاجا بالحد الذي يثيره البعض حولهم وعندما يمارس عليها الضغط والتقييد والتقنين والتشريط سوف يذهبون في اتجاهات اخرى ليكتبوا في مواقع عربية وعالمية لا يحكمها القانون الاردني بل وسيكتبون باسماء مستعاره باكثر حدية وانتقادا وعنفوان في مواقع مجهولة ومتطرفة ينشر بها كل شيء وتنتشر كالهشيم وتزحف عليها محركات البحت لتضع فيها كل شيء خلافا للمواقع المعروفة والمقيدة في النشر التي تريدون تقييدها الان. لان المسألة عندها تصبح تحدي وتقييد للحرية ولا تترك مجالا للتنفيس وتفريغ الطاقات ، وهنا نتحدث عن تشابك معرفي وثقافي وسياسي عربي وعالمي عجزت امريكا بعظمتها وقدراتها التكنلوجية والمادية وهيمنتها الاستخبارية النسبية على اساس الشبكة العنكبوتية ومحركات البحث العالمية ان تضع حدا لنشاط القاعدة الالكتروني والجماعات الاسلامية الاخرى التي تحاربها امريكا باظافرها واسنانها الا انها تقف عاجزة امامها في تقييد نشاطها الالكتروني ، فكيف بنا نحن ان نتولى مثل هكذا نشاط ؟! ولا اعتقد ان الاردن بحاجة الى فتح اعشاش وخلايا دبابير في الوقت الذي نحن بامس الحاجة الى تكثيف الجهود والطاقات للنهوض بالوضع الاقتصادي والمعيشي الذي نعرفه في منطقة ملتهبة وظروف استثنائية في مرحلة حساسة لا اعتقد ان مثل هكذا تشريعات تخدمها ؟!