دفع البرد القارس الذي تشهده مدينة الجديدة في مشهد لم يسبق أن تكرر من قبل، الى تفاقم معاناة الفقراء والمشردين لعدم وجود مأوى لهم. ومع اشتداد موجة البرد التي سادت مدينة الجديدة مند أسابيع، قمنا في هذا الاستطلاع بجولة عبر أحياء وشوارع المدينة في صباح مبكر ووقفنا على مشاهد انسانية جد مؤثرة. رغم أنني نمت باكرا على غير العادة إلا أنني نهضت باكرا، ولم يكن احد قد نهض آنذاك، صدمت وأنا أسير في اتجاه منزلي بعد صلاة الفجر في المسجد بوسط المدينة قبيل فجر يوم الجمعة الفائت، فلم أر في الشارع ذو الأضواء الشحيحة غير أشباح آدميه، مشردين مضطجعين في الشارع كالأموات، افترشوا كارطونا والتحفوا غطاءا بلاستيكيا وفي أماكن أخرى لن يخطر في بالك أن أحدا يمكن أن يبيت فيها،...
سيارات قليلة تسير على الشارع، وبالكاد شخصين أو ثلاثة يسرعون الخطى مطأطئي رؤوسهم المغطاة بسبب لسعات البرد القارس... ثم راح الفجر بعد ساعة يرسل خيوط ضوئه الأولى، وقد لا تصدق نفسك وأنت تسير على الطريق في اتجاه المحطة الطرقية، حين تفاجأ بأن هناك أناسا آخرون بالقرب من الحوانيت والدكاكين التي لازالت مغلقة يبيتون في العراء بلا مأوى آمن، في عز موجة البرد الشديد الغير مسبوقة التي تسود المدينة، وهي الأسوأ منذ عشرات السنين.
حاولت الاقتراب قليلا و التقطت بعض الصور، مشردون صغارا وكبارا لا يعرفون الليل من النهار ولا مأوى يسترهم، يعيشون من الإحسان، ومنهم من يعيش على تلميع أحذية الناس، يصعب تجاهلهم فالمدينة كلها مزروعة بهم. أطفال بؤساء يعانون من البرد ترتجف أوصالهم و ترتعد أطرافهم و هم يبحثون عن لقمة دافئة تدفئ أمعاءهم الخاوية، و أيضا شيوخ أنهكتهم السنوات و هم لا زالوا يجوبون الشوارع في البرد القارس يستجدون الناس طعاما دافئا أو غطاء يحميهم من برد ليالي قاسية وطويلة. وحين كان لابد لنا أن نتذكر أولائك الذين يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، في هذا الصباح ، كانت المحطة الأولى التي توقفنا فيها مشهد يستدعي الشفقة في شارع محمد الخامس، امرأة بلغت من العمر عتيا،مشردة تفترش بوابة المحطة الطرقية، قالت بما تبقى لديها من قدرة على التمييز: إن المشكلة التي تواجهني مشكلة المسكن، ولا أجد مكانا احتمي فيه، وكلما حاولت إيجار غرفة تحميني من شر البرد القارس بالفندق الشعبي بحي بشريط يأتي صاحب الفندق ليطالبني بالإيجار في مساء كل ليلة، وأنا لا املك في جيبي ما أسد به الرمق بالأحرى ثمن الإيجار.
لا ادري لماذا طافت بذهني في هذا الصباح عشرات وجوه المتسولين والمشردين التي أضحت مألوفة عندي مثل هذه السيدة؟ ووجدتني أتساءل بألم وتأمل، ترى كم من متشرد يعيش في العراء في هذا الفصل القارس ونحن لا ندري؟