تقتضي أخلاقيات تولي أمور العموم وتدبير الشأن العام التمتع بدماثة الاخلاق والتحلي بقيم القناعة والتواضع والقرب وحسن الانصات والإصغاء لنبض الرعية ، وتغليب المصلحة العامة على المآرب الشخصية .ويعتبر الفاروق عمر مثالا يحتذى في العدل غير أنه لم يسلم من خنجر المتربصين به حتى أردوه قتيلا بعدما أعز الله به الاسلام واعز الفاروق بالإسلام . فعندما حل وفد من الفرس يبحثون عن قصور خليفة المسلمين عمر معتقدين أنهم سيرون الجنان ، وسيجدونه وقد أعد له متكأ بين رذاذ الماء المتطاير من الشلالات محاطا بالخدم والحشم ، متمترسا بين الحراس والجنود ، فإذا برجل من العامة يشير له أن الرجل المتمدد تحت ظل الشجرة هو أمير المؤمنين ، الذي وصل صليل سيفه إلى أبعد مدى .يقول شاعر النيل حافظ إبراهيم في هذا الصدد: وعهده بملوك الفرس أن لها سورا من الجند والأحراس يحميها راّه مستغرقا في نومه .... فرأى فيه الجلالة في أسمى معانيها فوق الثرى تحت ظل الدوح مشتملا ببردة كاد طول الدهر يبليها أمنت لما أقمت العدل بينهم فنمت نوما قرير العين هانيها والقصص عديدة والأثر مليء بالنوادر التي تحكي عن عدل عمر وخروجه في قلب الليل البهيم باحثا عن شيخ يئن من فرط التعاسة أو رضيع يئس من ثدي أمه الأعجف، أو أرملة افترشت الثرى والتحفت خواء السماء ذات برد قارس أو شتاء عاصف. فما كان من عمر إلا أن نام تحت الدوح مرتاح البال . وأجدني اليوم أهمس في آذان كل من تربع على كرسي المسؤولية وقد استطاب دفئه الصوفي . من منكم أخذ العبرة من الفاروق ؟ من منكم بات ليلته مرتاح البال قرير العين وقد قام بما يمليه عليه ضميره ، فأعطى للأرملة حقها فقفلت راجعة بعد إذراف الدمع بابتسامة عريضة وقد استعادت الأمل في الحياة؟ من منكم مسح دمعة اليتيم بعدما أحس بالوحدة بين ذئاب بشرية؟ من منكم التفت إلى ذلك العجوز القابع في إحدى أركان المدينة المنسية يقاوم شراسة الشتاء بجلد أعزل ؟ من منكم اشترى لحافا صوفيا وغطى به جسدا مهملا منسيا، حفرت فيه الحياة أودية وأخاديد ؟من منكم استوعب الدرس من رؤية جلالة الملك محمد السادس وهو يدخل عباب الوحل لتلامس يده أيادي رعاياه وقد تحملوا قساوة الشتاء ليتم العناق تحت قطرات المطر وبين ثنايا الوحل ؟ أم أن الجشع والطمع أنساكم إنسانيتكم فدبت القسوة فيكم وماتت الآدمية في دواخلكم؟ من منكم ذاق مرارة الحرمان وشرب من كأس التعاسة حتى الثمالة؟ من منكم غازله الفقر واغتصبه العوز فاحتلا وجدانه واستعمرا لب تفكيره؟ من منكم ذاق حنظلية الجوع ومعدته تتلوى جوعا فطاف وحام على كسرة خبز فنهرته الأيادي الخشنة، وتجاهلته القلوب القاسية وتنكرت له الضمائر الميتة؟ أيها المسؤولون ، من منكم ترك أريكته الوتيرة الدافئة ذات شتاء وزار براريك حي المسيرة أوحي الصفاء وعاش مع شعب الفقر هناك مرارة الشتاء وحرارة قيظ الصيف الحارق؟ من منكم أيها المحظوظون الغارقون في النعيم التفت ذات رمضان إلى جحافل المعوزين ورمى في حضنهم بضع تمرات وقليلا من ابتسامة حتى ولو كانت صفراء؟أيها المسؤولون ، من منكم تسلح بالقناعة وتمترس بحب الأوطان فعاش للوطن عاشقا ولهان؟أيها القائمون على تدبير شؤوننا، هل خطر ببالكم ذات ليلة وانتم تضعون رؤوسكم على الوسادة انكم قد تنامون لآخر مرة وقد لا تستيقظون أبدا ؟ أيها المسؤولون ، ألا تخجلون من صفقاتكم المشبوهة ومن استغلال مواقعكم ونفوذكم؟ أيها المسؤولون ،ألا تخجلون من بطونكم المملوءة بالحرام؟وقد كنتم قبل بضع سنين هياكل عظمية شاحبة اللون ،بارزة الأضلع ؟ أيها المحظوظون، هل سبق أن صرحتم بممتلكاتكم للمجلس الأعلى للحسابات؟ أيها المسؤولون ، ألا تستحيون وقد تضاعفت أرصدتكم البنكية ،وشيدتم الطوابق والقصور وتربصتم بالمال العام في الليل الديجور؟ أيها المسؤولون ، انزلوا من أبراجكم العاجية العاتية، وإلا سينزلكم منها شعب اليأس والحرمان .