استيقظت كعادتي باكرا هذا اليوم وقررت أن أكتشف الجوانب الخفية من سوق الحمراء وهو السوق الأسبوعي للجديدة ، وحتى لا أكون مبالغا، فإنه يشكل وصمة عار على جبين مدينة قيل لنا منذ مدة طويلة أنها قطعت مع كل المظاهر التي توحي بالبداوة أو ماشابه ذلك ، لم أتقبل لحظة منظر سياح أجانب وزوار مغاربة من مدن أخرى يتفرجون ونحن نستعرض التخلف على بعد أمتار من محطة القطار . تساءلت مع نفسي هل أنا في سنة 2013 أم في سنة 1981 ؟ ففي هذه السنة، اجتمع المجلس البلدي للمدينة وبسطوة المرحوم مولاي الطيب العلوي باشا المدينة ، الذي كانت تتحدث بذكره الركبان ، وقرر الجميع أن ينعقد السوق الأسبوعي للمدينة في رقعة جغرافية تمتد من الملاح إلى المسرح البلدي خلفا لمكان انعقاده الذي كان بسوق بير ابراهيم . وذات صباح استيقظت ساكنة المدينة لتجد عربات الخضر والفراشة والحمير مربوطة في بوابة المسرح البلدي ، وقلب المدينة يعج بالباعة والمتبضعين في مشهد تخلف بالمدينة سنوات عديدة إلى الوراء وحولها إلى ما يشبه سوقا أسبوعيا في أولاد عيسى أو أولاد بوعزيز . اليوم وبعد 32 سنة، لما زرت سوق الحمراء اعتقدت أنني مازلت في سنة 1981 ، فشاحنات التبن موجودة والدواب موجودة وأصحاب دواء البرغوت وسراق الزيت كذلك . وأنا أتجول في هذا السوق العشوائي قلت مع نفسي ومن خلال هذا المقال على شبكة الانترنت ، لابأس أن أوجه الدعوة إلى معاذ الجامعي عامل الإقليم، وإلى عبدالحكيم سجدة، عمدة المدينة ، أن يقررا في الأسبوع القادم، بدل أن يتبضعا من "أسيما" أو "مرجان" أو "كاروفور ماركيت "، أن يتواضعا معنا ليتسوقا من "الحمراء" ، ولما كنت أعرف مسبقا أنهما مشغولان ويخافان على هواتفهما النقالة والغالية من انتشالات نشالة بارعين ، فإنني سأوفر شقاءهما وكما لو كانا حاضرين معي ، فأنا سأصف لهما ماذا يقع برحبة الدواجن بسوق "الحمراء" . السيد العامل ، السيد العمدة ، قبل الولوج إلى سوق الحمراء تأكدا من أنكما وضعتما نقودكما وهواتفكما في مكان آمن لا تنال منه خفة اليد ، وليس خفة الرجل الأغنية الشهيرة للمرحوم إسماعيل أحمد ، وبدخولكما السوق تأكدا من أنكما وضعتما على أذنيكما بعض القطن ، حتى لاتصلكما أصوات مكبر صوت لبائعي دواء محاربة القمل والفئران ، وهي حتما حربان كنا نعتقد أننا ربحناها منذ زمان ، فمنذ المجلس البلدي الأول الذي ترأسه موسى سعيد ومرورا بمجالس ترأسها عبدالكريم الخطيب ومحمد أرسلان الجديدي والطاهر المصمودي وأحمد فيصل القادري وعبداللطيف التومي وجمال بن ربيعة ، ونحن نحارب القمل والفئران، وما آن لهذه الحرب أن تضع أوزارها لنتفرغ إلى حروب أهم ضد الأمية والهدر المدرسي وضعف الخدمات الطبية وغيرها . السيد العامل ، السيد العمدة ، الآن أصل بكما إلى رحبة الدواجن وأعرف مسبقا أنكما من الناس الذين يخافون على صحتهم ، ولكن لابأس مرة بعد مرة أن يتناول الإنسان قسطا من الميكروبات لعلها تشكل جزءا من مناعته الجسدية في التصدي لفيروسات في كل مرة تظهر لنا با سم جديد. في هذه الرحبة كل شئ موجود إلا ما تعلق بالصحة والسلامة، فعملية الذبح، كما تظهر الصور الملتقطة صباح هذا اليوم، تتم فوق التراب وتسخين مياه "الترياش" في أوان سوداء محممة ، تحيل على مشهد لجنود في خنادق الحرب العالمية الأولى ، وقنينات غاز صغيرة مزروعة في كل مكان هي قنابل موقوتة تنذر بكارثة عواقبها لاقدر الله غير محمودة . وغير بعيد منها مأكولات بخلطات غريبة تقدم لزوار السوق ، في غفلة عن كل من يتحمل مسئولية مراقبة شروط السلامة والجودة ، عفوا السيد العامل، السيد العمدة ، أجهزة المراقبة الصحية هي تساير الدستور الجديد، ولاتؤمن بالمراقبة القبلية بل بالمراقبة البعدية التي يطالب بها المنتخبون في إطارتحجيم أدوار العمال والولاة ، فهي لا تتدخل إلا حين يحدث التسمم وتسقط الأرواح ويمتلئ قسم الإنعاش بالمستشفى الإقليمي محمد الخامس . السيد العامل ، السيد العمدة أعفيكما من عناء التسوق من الحمراء ، حتى لا تمرضا وتتعرضا للنشل ، ولكن كل ما أتمناه أن تحركا ملف السوق الأسبوعي للمدينة بشراكة مع جماعة مولاي عبدالله وتعجلا بإنجازه ، لأنه هذه المرة جاز أن نقلب نداء الللجنة الوطنية للوقاية من حوادث السير "في العجلة الندامة وفي التأني السلامة" ، لأقول بخصوص سوق الحمراء "في العجلة السلامة وفي التأني الندامة" .