يبدو أن لا التضييق على حرية الصحافة، ولا الملايين التي توزع ذات اليمين وذات اليمين من أجل تجديد قديم لثلث مجلس المستشارين أو الشارين والبائعين، لم يكونا كافيين لطرد الحيوانات من تصدر عناوين الأخبار. هكذا استطاعت الحيوانات مرة أخرى أن تصنع الأحداث في أكثر من مدينة مغربية، وأن تسيل المداد في أكثر من صحيفة وطنية. ففي مقاطعة العيايدة بسلا، خرج القمل ليمتص دماء المواطنين وبعض رؤوسهم، فلم يجد المسؤولون عن مجلسها سوى تخصيص 60 ألف درهم لمحاربة جيوش القمل التي غزت المقاطعة أو غزت فقط محاضر مجلسها ومقرراته وفواتيره، مع العلم أن العيايدة ليست بعيدة عن الرباط، وهي مقاطعة حضرية كان الجميع يعتقد أنها قطعت مع القمل وطوت صفحته إلى غير رجعة. لكن قمل العيايدة عاد وتصدر الأخبار وصنع الأحداث. وفي الدارالبيضاء، غزت جحافل الذباب والصراصير منازل البيضاويين بشكل أقلق راحة السكان، لكن دون أن يهتم مجلس المدينة الذي مسح الأمر في مصالح حفظ الصحة، أو ربما قد يعتبر الأمر شأناً داخلياً، لكن غير بعيد عن البيضاء، خرجت الطوبات الكبرى لتتسكع وتتنزه في مطعم ملحقة وزارة الداخلية بحي الرياضالجديدة البناء، والموظفون يتناولون وجبات غذائهم، وهم يرون هذه الفئران تكاد تختلط مع ما يأكلون. وبالطبع، يجب الاعتذار عن كل هذا القمل والذباب والصراصير والفئران المقززة، والمرور إلى الحيوانات الجميلة أو الشرسة التي صنعت الحدث هذا الأسبوع أيضاً، فنذهب رأساً إلى فاس التي قالت الأخبار إن عمدتها جلب أسدين من البرونز من بوركينا فاصو، ليتم وضعهما في مكانين بالمدينة، وإن المحسنين هم من تكلفوا وتكفلوا باقتناء الأسدين ونقلهما في باخرة إلى بحر فاس والعهدة على شباط وهذا بكل يقين نوع جديد تماماً من الإحسان الجمالي الباذخ الذي لا يمكن لكل من له حس جمالي إلاّ أن يشجعه ويدعمه ويسانده، مثلما لا يمكن للمرء إلا أن يتمنى أن يرهب هذان الأسدان الفئران والصراصير، وحتى القطط والكلاب التي كانت إلى عهد قريب تأكل المواليد الجدد بمستشفى الغساني وغيره من مستشفيات المدينة. ولأن رب صدفة أفضل من ألف ميعاد، كما يقال، فقد جمعتني الصدفة بالأمس، وأنا «أقعد في هواء فاسد وأفكر في الحيوانات» بالزميل محمد لوما فأطلعني على قصيدة لمحمود بيرم كان قد كتبها سنة 1917 تحت عنوان: المجلس البلدي، وهي القصيدة التي عارضها شاعر الحمراء محمد بنبراهيم بعد ذلك تحت عنوان: المطعم البلدي وهما قصيدتان فيهما من الأكل والبراغيث والقمل والذباب والبق والفئران، ما في المطعم والمجلس البلديين معاً. لذلك، ولكي أتخلص من هذا العمود المقزز أو فقط من أجل التنكيل بالمجلس البلدي أو مطعم الداخلية وفئرانه، أختم بمقاطع من هاتين القصيدتين: المجلس البلدي لمحمود بيرم: قد أوقع القلب في الاشجان والكمد هوى حبيب يسمى المجلس البلدي ما شرد النوم عن جفني القريح سوى طيف الخيال، خيال المجلس البلدي إذا الرغيف أتى فالنصف آكله، والنصف أجعله للمجلس البلدي ولم أذق طعم قِدْر كنت طابخها، إلاّ ذاق قبلي المجلس البلدي وما كسوت عيالي في الشتاء ولا في الصيف إلاّ كسوت المجلس البلدي كانت أمي برَّد الله تربتها أوصت وقالت أخوك المجلس البلدي أمشي وأكتم أنفاسي مخافة أن يَعدَّهَا عامل المجلس البلدي وإن جلست فجيبي لست أتركه خوف اللصوص، خوف المجلس البلدي يا بائع الفجل بالمليم واحدة كم للعيال، وكم للمجلس البلدي؟! أكاد حين أرى نعشاً أقول حوى ضحية من ضحايا المجلس البلدي المطعم البلدي: لمحمد بنبراهيم إن كان في كل أرض ما تُشان به فإن في طنجة المطعم البلدي أخلاق أربابها كالمسك في أرج بعكس رب المطعم البلدي يأتيك بالأكل والذباب يتبعه وكالضباب ذباب المطعم البلدي والبق كالفول جسماً إن جهلت به فعشه في فراش المطعم البلدي أما البراغيث إن تثاءبت اعجب لما ترى حجمها بالمطعم البلدي تلقاك راقصة بالباب قائلة يا مرحبا بضيوف المطعم البلدي وفي السقوف من الجرذان خشخشة فأي نوم ترى بالمطعم البلدي أما الطبيب فعجل بالذهاب له إذا أكلت طعام المطعم البلدي ينسى الفتى كل مقدور يمر به إلا مبيت الفتى بالمطعم البلدي يا من قضى الله أن يرمي به سفر إياك، إياك قرب المطعم البلدي