ما من شك أن الضربة التي استهدفت بطائرة مسيرة، السبت 19 أكتوبر 2024، رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) وزوجته، في "عقر داره"، بمدينة قيساريا جنوب حيفا، قد تكون حملت إسرائيل وحليفتها الولاياتالمتحدةالأمريكية، على إعادة النظر في خطة الردع، وتأجيل الرد (la riposte)، الذي كان "وشيكا"، والذي تكون تفاصيله أحيطت بسرية تامة، حتى على ربان المقاتلات الحربية، الموكول لهم القيام بالمهمة، التي تدربوا عليها بدقة، والذين قد يكونون يخضعون لإقامة من نوع "VIP"، في القاعدة العسكرية، في انفصال تام عن العالم الخارجي، بفرض قيود على تواصلهم واتصالهم مع محيطهم العائلي القريب، عبر وسائل التكنولوجيا المتاحة، والذي قد يكون بترخيص، وتحت المراقبة. إذ أن ربان الطائرات الحربية المشاركة، لن يأخذوا علما بالضربة وبأدق تفاصيلها، وبساعة الصفر (00) لتنفيذها، بحلول اليوم (J)، إلا في آخر لحظات التدخل، على غرار ما حصل عند تنفيذ عملية اغتيال زعيم حزب الله (حسن نصر الله). هذا، فإن المسيرة المتطورة، التي انطلقت، السبت الماضي، من لبنان، واستهدفت بدقة، بعد أن قطعت 70 كيلومترا، بيت رئيس الوزراء الإسرائيلي، وتحديدا غرفة نومه، وفق ما سمحت بنشره الرقابة العسكرية في إسرائيل، لم تتمكن الطائرات المروحية، التي لاحقتها في أجواء إسرائيل، عقب رصدها، من إسقاطها قبل إصابة الهدف. وقد انتظر (نتنياهو) حتى اليوم الموالي (الأحد)، للظهور من حديقة، مرتديا "تي شورت"، في "فيديو" مقتضب، للتعبير عن شعوره بالفخر.. وبكون شخصه لم يستثن من دفع "الثمن" في "الحرب الوجودية" التي تخوضها إسرائيل ضد إيران. هذه الخرجة اعتبرت بكونها قصد الدعاية والاستهلاك الإعلامي، ولتلميع صورة (بنيمين) في الداخل الإسرائيلي، وكسب التعاطف والشرعية.. هو الذي ما فتئ يحاول الظهور في جلدة "دافيد بن غوريون" (1886 – 1973)، "البطل القومي"، في نظر الإسرائيليين، والذي كان شغل منصب أول رئيس وزراء للكيان الصهيوني، أرسى قواعد الحرب في إسرائيل، والتي حددها في " نقلها إلى ميدان العدو"، و"مباغتته، من خلال سرعة الضربة الاستباقية". وبالمناسبة، فقد ارتفعت أصوات من داخل إسرائيل، عقب محاولة تصفية (نتنياهو)، أججت نيران غضبها منابر إعلامية داعمة للحكومة اليمينية المتطرفة، حكومة الحرب، بعد أن وجهت بقوة أصابع الاتهام إلى طهران، للضغط من أجل الرد "انتقاما" من محاولة الاغتيال، ومن الضربة الصاروخية، التي استهدفت بها إيران، في 27 غشت 2024، العمق الإسرائيلي، تحت عنوان "الرد الصادق 2"، أو "عملية يوم الأربعين"، التي جاءت ردا على اغتيال (فؤاد شكر)، القائد العسكري في حزب الله، في غارة جوية نفذتها مقاتلة إسرائيلية، على مبنى حارة حريك، بالضاحية الجنوبية لبيروت. وقد تلا الضربة الصاروخية التي نفذتها إيران بحوالي 200 صاروخ، هجوم صاروخي آخر "غير مسبوق"، استهدف بدقة في قلب إسرائيل، قاعدة عسكرية، بجنوب حيفا، وكبد وحدة النخبة الإسرائيلية "غولاني"، 4 قتلى و70 جريحا، بعضهم إصاباتهم حرجة. هذا، فإن توجيه الاتهام والتركيز على محاولة اغتيال (نتنياهو)، بالطائرة التي استهدفته في "عقر داره"، يأتي عقب الفشل المتتالي، منذ ال7 أكتوبر 2023، في حسم الحرب على غزة، وتفكيك حركة حماس، والقضاء على حزب الله، رغم ما تلقى تنظيمه وقيادته وقيادييه، من ضربات موجعة، باستهدافهم في مقرات إقامتهم وتجمعاتهم، بالضاحية الجنوبية لبيروت؛ هذا الاستهداف الذي جاء عقب اغتيال (إسماعيل هنية)، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، في 31 يوليوز 2024، في العاصمة طهران، عندما كان في زيارة للمشاركة في مراسم تنصيب الرئيس الإيراني الجديد، (مسعود بزشكيان)، الذي خلف الرئيس السابق، (إبراهيم رئيسي)، الذي لقي مع وزير خارجيته، (حسين أمير عبد اللهيان)، حتفهما، إلى جانب مسؤولين وشخصيات إيرانية أخرى، إثر سقوط طائرتهم المروحية. وقد شنت بالمناسبة إسرائيل حربا إلكترونية، دشنتها، لأول مرة في تاريخ الحروب "غير التقليدية"، بالاستعانة بالذكاء الاصطناعي (IA)، والتي استهدفت بها عناصر حزب الله، بتفخيخ أجهزة الاتصال اللاسلكي "البيجر"، بكمية محدودة من "TNT"، تم زرعها في قطعة "أي سي" (IC).. ثم أجهزة "تولكي ولكي". وقد نفت طهران علاقتها بمحاولة تصفية رئيس الوزراء الإسرائيلي؛ كما لم يتبناها لا جماعة أنصار الله اليمنية (الحوثيون)، ولا حركة حماس، ولا تنظيمات المقاومة الفلسطينية، ولا حزب الله العراق، الذين يعتبرون أذرع إيران، في الشرق الأوسط.. قبل أن يعلن حزب الله، بعد أن لزم الصمت مدة 3 أيام، عن مسؤوليته في الاستهداف، الذي حمل بالمناسبة رسالة مفادها: "إذا كان بإمكانكم استهداف قادتنا وقياديينا بأسلحة متطورة ودقة عالية، فإن بإمكاننا كذلك استهداف قادتكم وقيادييكم بالأسلحة المتطورة وبالطريقة الدقيقة ذاتها.. حتى في عقر بيوتهم، ومن مسافات جد بعيدة". لقد سعت إسرائيل، رغم إقرار حزب الله، إلى تحميل إيران مسؤولية محاولة اغتيال (نتنياهو)، التي جاءت ب3 أيام بعد استشهاد قائد حماس (يحي السنوار). حيث إن تصفيته قد وثقت لها عن كثب بالصورة الحية عالية الدقة (HD)، "درون" إسرائيلية، كانت تقوم بترصد وتتبع (السنوار)، وتخلد من حيث لا تدري، لحظاته البطولية الأخيرة، وهو يهاجم "مقبلا غير مدبر" بسلاح بدائي "عصا"، المسيرة المتطورة، ويلقي بقنبلتين يدويتين على الجيش المدجج بالمدفعيات والرشاشات، ويصيب أحدهم بجروح بليغة. هذا، فإن الضربة الوشيكة، التي ستشنها إسرائيل، والتي ستكون مباغتة ومتزامنة، ستنطلق من جهات مختلفة؛ وقد تستهدف في الآن ذاته أهدافا متنوعة، ثابتة ومتحركة، ضمنها مواقع حساسة، محصنة تحت الأرض أو في الجبال أو في البحر، تشمل مفاعلات نووية، ومواقع إطلاق الصواريخ، وقواعد عسكرية للحرس الثوري، وقد تكون أضيفت، عقب محاولة اغتيال (نتنياهو)، التي نجا منها، أسماء مسؤولين إلى دائرة الاستهداف؛ ناهيك عن إشعال فتيل ثورة أو فتنة طائفية، الذي يظل احتمالا واردا. رد إسرائيل، بتنسيق مع حليفتها أمريكا، والذي الذي قد ينطلق من أجواء إسرائيل، أو من البحر، أو قد يكون أيضا من تراب "دول حليفة وصديقة"، وقد تستعمل فيه صواريخ عالية الدقة، تطلقها، علاوة على المقاتلات الحربية، حاملات الطائرات ومدمرات وغواصات، قد يعتبر "رد الفرصة الأخيرة" (the last chance)، لطي ملف إيران النووي، وتهديداتها الأبدية للكيان الصهيوني. رد قد يكون شبيها بال"apocalypse"، يندرج في حروب "الخيال العلمي"، التي يمكن التفرج عليها من داخل إحدى قاعات "ميغاراما"، والتي تستعمل فيها أقمار التجسس وأنظمة تحديد المواقع عالية الدقة، التي تعرف وتحدد كل كبيرة وصغيرة، وأسلحة دمار شامل جد متطورة، من صواريخ "فرصوتية" وقنابل فتاكة، موجهة بدقة الأشعة، لم تجرب قط؛ إذ لا يعلم مدى قوة وحجم تدميرها ودمارها سوى "العقول التي ابتكرتها"، وخلقتها وأخرجتها للوجود، من داخل المختبرات والقواعد العسكرية المصنفة "TOP SECRET". حيث إن هذا الرد الذي قد لم يكن البتة له ما قبله، قد يكون من غاياته وتبعاته توجيه رسالة ردع إلى دول تعتبرها أمريكا "مارقة". ما قد يدخل "التاريخ" الرئيس الأمريكي (بايدن)، المنتهية ولايته وصلاحيته، ومعه رئيس الوزراء الإسرائيلي، في حالة نجاح هذه الضربة "غير المسبوقة". وبالمناسبة، فإن الرد الإسرائيلي الذي بات "وشيكا"، قد يتم تنفيذه مباشرة بعد انتهاء الأعياد الدينية التي يحييها اليهود، وعلى أبعد تقدير، قبل إجراء الانتخابات الرئاسية، التي ستعرفها الولاياتالامريكية، الثلاثاء 05 نونبر 2024، سيما أن هذا الرد يندرج في إطار معادلة الانتخابات الرئاسية، التي تخوضها (كامالا هاريس)، عن الحزب الديمقراطي، في مواجهة (دونالد ترامب)، عن الحزب الجمهوري. إلى ذلك، وبالرجوع إلى (السنوار)، الذي انتقل إلى جوار ربه، بعد أن نال الشهادة في سبيل الوطن وفي سبيل الله، فقد دخل "التاريخ" من بابه الواسع، كما دخله من قبله البطل القومي الليبي (عمر المختار)، الذي أعدمه الاحتلال الإيطالي، في ال18 شتنبر 1931، ولم يتزعزع لحظة إعدامه بحبل المشنقة؛ حيث ظل منتصب القامة، شامخا كالجبل.. أو كالرئيس العراقي (صدام حسين)، الذي لم يطأطئ الرأس أو ينحني لجلاديه، خلال محاكمته الجائرة، وحتى عندما كان حبل المشنقة ملفوفا حول عنقه، وظل شامخا شموخ الجبل؛ حكم بالإعدام جرى بالمناسبة تنفيذه في حق الرئيس العراقي الشرعي (صدام حسين)، في ال30 ديسمبر 2006، والذي أريد، في رسالة مذلة للمسلمين والعرب، أن يتزامن مع ال10 ذي الحجة من سنة 1427، مع الوقت الذي كانت فيه الأمة الإسلامية تنحر كبش الفداء. كما ان الشهادة التي نالها، قد جعلت من (السنوار)، وعلى غرار المناضل الأرجنتيني (أرنستو تشي غيفارا). رمزا وأيقونة في العالم، للشعوب المستضعفة، التي تئن تحت قيود الاحتلال، والتي تتوق إلى الحرية والتحرر، هذا، فإن الجهة العسكرية التي تكون نشرت تفاصيل استشهاد (السنوار)، تكون قد حرمت بنية أو بدون نية (نتنياهو)، من الانتعاش بالنصر الذي طالما حلم به. (نتنياهو) الذي وصفه حليفه في الحكومة اليمينية المتطرفة، وزير الأمن القومي (إيتمار بن غفير)، ب"شكران بن شكران"، ما يعني باللغة العبرية "كذاب بن كذاب"، نسبة إلى والده، الذي يتهم بتحريف تاريخ اليهود وإسرائيل. فكم تكون "عظيمة" حسرة (نتنياهو) لاستشهاد البطل التاريخي، (يحيى السنوار) ! ولكم يكون تمنى لو أنه تم اعتقاله، بعد الفشل في "اغتياله"، وتقديمه للمحاكمة أمام محاكم إسرائيل، تنقل فصولها مباشرة على الهواء، على القنوات الفضائية العالمية، وفي كبريات الجرائد والصحف والمواقع الإلكترونية! محاكمة قد يريدها أن تكون "مذلة"، تنتهي حتما بحكم بالإعدام، وربما بحرق وإحراق "جثمانه الطاهر. محاكمة قد يكون (نتنياهو) يحلم ويتمنى أن تكون شبيهة بمحاكمتي العصر، اللتين عرفهما العالم وإسرائيل، في القرن العشرين: الأولى كانت محاكمة القادة النازيين الألمان، المتهمين بجرائم الحرب، والتي عرفت ب"محاكمات جرائم ما بعد الحرب"، أمام "المحكمة العسكرية الدولية"، التي فتحت أبوابها رسميا في 20 نونبر 1945، أي 6 أشهر بعد استسلام ألمانيا، في مدينة "نورنبرغ"، التي عرفت باسمها (محكمة نورنبرغ). والثانية، كانت محاكمة النازي "أدولف أيخمان"، الذي اعتبرته إسرائيل "مرتكب الهولوكوست الرئيسي"، بعد ان اختطفه عملاء، في 11 ماي 1960، من الأرجنتين، ونقلوه، بعد تخديره، وتغيير ملامح وجهه بالماكياج (..)، على متن طائرة خاصة، إلى إسرائيل، حيث بدأت محاكمته في ال11 أبريل 1961، وتم نقل فصولها على التلفاز؛ إذ تم إعدامه شنقا في 31 ماي 1962، بسجن الرملة. هذا، ووصف الكاتب والمحلل السياسي الإسرائيلي (أفرايم غانور) في مقال له في صحيفة "معاريف" القيادة الإسرائيلية بأنها "تعاني من جمود عقلي وغطرسة تحت وهم أن الردع يتحقق بمجرد امتلاك التفوق العسكري. وهذا الاعتقاد الخاطئ أدى إلى الشعور بالراحة الزائفة.". إلى ذلك، فإن الجمهورية الإسلامية الإيرانية، التي يتقلد فيها "أعلى سلطة'"، (علي خامنئي)، قائد الثورة الإسلامية، أو و"الولي الفقيه"، وفق الدستور الإيراني، والمعروف إعلاميا ب"المرشد الأعلى للثورة الإسلامية"، يعتبر الجهة التي تحدد السياسات العامة، وتشرف على سير السلطات الثلاثة في إيران، في حين يعتبر مجلس الشورى الإيراني الجهة المخولة دستوريا لسن القوانين والتشريعات؛ فيما تعتبر رئاسة الجمهورية الجهة المنفذة لتلك القوانين. هذا، فيما يوجد القائد (حسن سلامي) على رأس فيلق حرس الثورة الإسلامية "سياه باسداران"، بالفارسية؛ حيث يوكل إلى ما يعرف أيضا بالحرس الثوري الإسلامي، وفق الدستور الإيراني، الدفاع عن الحدود الإيرانية، وحفظ النظام الداخلي، وحماية نظام الجمهورية الإسلامية، في الداخل والخارج. لقد دخلت إيران، التي غيرت فيها الثورة الإسلامية، عام 1979، بزعامة (الإمام آسية الله الخميني)، نظام الحكم الذي كان سائدا تحت حكم (محمد رضا بهلوي)، آخر شاه في إيران، (دخلت) في صراع مع أمريكا التي ما فتئت تعتبرها "الشيطان الأكبر"، وتهدد إسرائيل بإزالتها من الوجود، ومحوها من على الخريطة. إيران التي يخوض حربا بالوكالة عنها (guerre par procuration)، حزب الله في لبنان، وحركة حماس، وتنظيمات المقاومة الفلسطينية، وحزب الله العراق، وجماعة أنصار الله اليمنية، الذين يعتبرون "أذرع إيران" في الشرق الأوسط؛ بيد أن أمريكا وإسرائيل تعتبرانهم "محور الشر". أحمد مصباح .