توجهت أمس لزنقة المرابطين بحي الصفاء لزيارة أحد أصدقاء الطفولة العسري عبدالإلاه، صديق وأخ يشتغل بمدينة "دارمشتات" بألمانيا حضر لتوه قصد صلة الرحم كعادته مع أهل البلدة والأقرباء والأحبة ، قرب المنزل شدت نظري لوحة فنية في غاية الجمال رسمت على جدار "دار Politier " الطبيب الفرنسي الذي غادر البيت والعيادة منذ زمن بعيد إلى دار البقاء ، دار تبعد عن المندوبية الإقليمية لوزارة الثقافة ببضعة أمتار ، سألت " إبراهيم" عن المبدع صاحب اللوحة باعتبار دكانه يرقد مقابل باب بيت الدكتور الذي لم يعد تسكنه سوى أشجار باسقة وأسراب طيور شادية ، فأكد لي أن الأمر متعلق بشاب يافع قضى زهاء نصف يوم كامل لإنجاز هذه التحفة الفنية ، كان منهمكا في العمل ولا يكلم أحدا، من حين لآخر يعانق قنينة ماء ثم يعود للفرشاة والصباغة. عجيب أمر هذا الشاب، لماذا اختار هذا الفضاء المهجور؟، لماذا الجدار المحادي لهذه البوابة المقفلة منذ سنين؟ لماذا اختار اللعب بالألوان وسط هذا الركام من الأزبال؟ هل هي فلسفة جديدة في علم الجمال؟ ما أعرفه هو فلسفة "الفن للفن أو الفن للحياة" ، هل هو تمرد من فيض الإبداع على ما آلت إليه المدينة العامرة المهجورة؟ هل أراد هذا الشاب أن يقول لأهل الحل والعقد : صحيح حيثما وليت وجهي فتمة أزبال لكنكم لن تفسدوا ذوقي، ولن تكبحوا جماح مخيلتي، أنا هنا صامد بريشتي وألواني وحبي لجدران وتربة وذاكرة مدينتي، لن تطمسوا رونقها، ولن تحطموا كبريائها، ولن تقتلوا عنفوانها . تمعنوا اللوحة كاملة باستحضار محيطها ، تأملوها جيدا ، تأملوها ثانية وثالثة، ألا تشعرون بانتصار الجمال على الأزبال؟ انتصار تقاسيم وجه هذه الأميرة الجميلة رغم حزنها الدفين؟ أكيد دفين إلى حين، تقاسيم وجه رغم الهم والكدر والألم فهي تحمل في كبرياء مساحيق وردية فواحة وتسريحة شعر أخاذة لتقول : سأنتصر، وسأظل بهية فاتنة ساحرة عطرة، وسيذهب من "زبل" المدينة لمزبلة التاريخ ، فعوراتهم مكشوفة . درسك بليغ أيها الشاب المبدع الجميل(A B) صاحب لوحة "الجمال والعار"، دامت لك البلاغة .