نجحت التنسيقيات مؤخراً في قطاع التعليم فيما أخفقت فيه النقابات، لقد استطاعت تأطير نساء ورجال التعليم في محطات نضالية كبرى آخرها المسيرة الاحتجاجية التي ضمت أكثر 30 ألف مشارك بالعاصمة الرباط، رافعة بذلك شعار "اسقاط النظام الأساسي وتحقيق العدالة الاجتماعية". لم تنجح فقط في قطاع التعليم بل في قطاعات أخرى عديدة واستطاعت تحقيق أهداف مهمة، مما يضعها كبديل عن العمل النقابي. كل هذا يطرح أسئلة كثيرة متعلقة بطبيعة التأطير النقابي للعمال والموظفين والاستقطاعات البديلة ومن يمثل المطالب الحقيقية. في حراك الريف بالمغرب سقطت كل الوسائط بين المتظاهرين والنظام المغربي "المخزن"، جسد هذا السقوط تعبير المواطن الريفي البسيط في جملة "ما عندي بو الوقت"، وذلك عندما أراد المسؤول المغربي احتواءه. يعني كلامه نهاية زمن التنظيمات التقليدية ونهاية عصر الزعامات، لذلك خاطب ناصر الزفافي ممثل حراك الريف أعلى سلطة في البلد دون وسائط مطالباً إياها بالتدخل السريع لحل مشاكل المنطقة. لقد فشلت في هذه اللحظة كل الأحزاب السياسية في تأطير الجماهير ابتداء بفشلها في القيام بالتنمية، وفشلها مرة ثانية في محاولات احتواء الحراك. في هذه الفترة ظهر خبراء كثر يدقون ناقوس الخطر وينذرون النظام السياسي بخطورة غياب الوساطة بين الجماهير والدولة. في العمل النقابي أيضا ظهرت تنسيقيات كثيرة ابتداء من سنة 2016 في المغرب، في قطاع الطب والتعليم بالخصوص، وهي تنسيقيات تنشط وتؤطر الجماهير عبر مواقع التواصل الاجتماعي قبل النزول إلى الميدان. لهذا ظهور التنسيقيات عموماً هو دلالة على وجود تحول كبير مس الجسم النقابي الذي كان يعتبر المعني الأول من تبني حقوق الشغيلة والدفاع عنها، وهو عجز التنظيمات الكلاسيكية أحزاب ونقابات عن تحقيق مطالب ملموسة للشغيلة. حيث تعني كلمة التنسيقية القيام بمبادرات وتظاهرات من أجل توجيه مجموعة أعضاء لديهم نفس المطالب نحو تحقيق أهداف محددة بدقة، حيث تسعى إلى تأطيرهم كفاعلين لهم نفس الاهتمامات ويشغلهم المصير المشترك. إن الذي أدى إلى ظهور التنسيقيات هي مواقع التواصل الاجتماعي بالخصوص التي تتيح التواصل الأفقي الديمقراطي بدل التقيد بالهيكل التنظيمي الموجود داخل النقابات، فغياب الديمقراطية الداخلية لدى النقابات وغياب التواصل الفعال يكبح التجاوب مع الأحداث السريعة ويمنع الطاقات الجديدة من الوصول لمراتب المسؤولية، لهذا تأتي التنسيقية كانفراج عن هذا الكبح والمنع للديمقراطية. لا يعني ذلك ضمن نظريات السياسة الليبرالية أن التنسيقيات بديل عن التنظيمات الكلاسيكية أو تعويضاً عنها، بل هي تنظيم جديد ما بعد حداثي له بنيته وطريقته في النضال مختلفة عن السابق، تتبنى في الغالب ملفات خاصة تدافع عنها بطرق مشروعة، تكون هي السبيل الوحيد للحصول على المطالب وتحقيق الذات العاملة عبر عمل جماعي قوامه الحوار والتفاوض، وليس الانحياز لخيارات تفرضها الحكومة أو الباطرونا. تتخذ التنسيقيات القرارات من خلال مواقع التواصل الاجتماعي خصوصاً الواتساب لأنه الأكثر حصانة، وذلك بتعبير أفقي وشكل توافقي يفرضه النقاش وما يؤول إليه التواصل الافتراضي. إن الذي جعل التنسيقيات تنجح على حساب النقابات هي ما تفرضه من دينامية نضالية يفرضها الواقع المتجدد على حساب الولاء المطلق للزعيم، ثم بحث الموظفين عن إطار يحقق مطالبهم أكثر من بحثهم عن قناعات سياسية وأيديولوجيات بائدة. كما أن الطريقة البيروقراطية والانفراد بالقرارات وعدم الانفتاح على القواعد جعل دور النقابة يتراجع بكثرة، ثم غياب التأطير والتكوين دخل مقرات النقابة وخوف الزعامات على مكانتها من صعود الكفاءات الجديدة أدى لظهور مزيد من التنسيقيات المنفتحة على الأفكار والمواهب الجديدة.