سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
ارتفاع الأسعار.. لهيب الزيادات يشعل الاحتجاجات في وجه حكومة بنكيران ويهدد السلم الاجتماعي هل يبعث ارتفاع أسعار الكهرباء الروح في تنسيقيات مناهضة الغلاء ويعيد سيناريو صفرو وسيدي إفني؟
أعادت موجة الاحتجاجات التي تفجرت خلال الأيام الفائتة في عدد من المدن والمناطق، المصنفة ضمن المغرب «غير النافع»، بسبب ارتفاع أسعار فواتير الماء والكهرباء، إلى الأذهان ما عاشته البلاد ابتداء من سنة 2006 من احتجاجات اجتماعية حركها وأطرها فاعل جديد هو تنسيقيات مناهضة الغلاء وتدهور الخدمات العمومية. وبدا لافتا، خلال الأسبوع الماضي، أن سيناريو ما عاشته صفرو وسيدي إفني وغيرها من المناطق من احتجاجات وأحداث عنف، ممكن التحقق في ظل السخط الشعبي إزاء توالي الزيادات التي همت البنزين والكثير من المواد الأساسية، والضرر الذي ألحقته هذه الزيادة في أسعار الماء والكهرباء. وإذا كان من الثابت أن خصوصية الفعل الاحتجاجي بالمغرب منذ الاستقلال تشير إلى تداخل الجانب السوسيولوجي بالجانب التاريخي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، بيد أن الواقع الاحتجاجي اليوم يشير إلى أن العامل السوسيو اقتصادي هو الذي يتحكم في الحركة الاحتجاجية الجديدة، التي اتسعت رقعتها بدءا من الرشيدية ومرورا بآزر وتازة والبهاليل، وانتهاء بفاس وتطوان. لقد عرف المغرب في السنوات الأخيرة مجموعة من الاحتجاجات قبل وأثناء وبعد ما سمي إعلاميا ب«الربيع العربي»، غير أن الاحتجاجات التي تفجرت بسبب غلاء فواتير الماء والكهرباء يجعل الملف الاجتماعي يعلن عن نفسه اليوم كتحد مباشر يواجه حكومة عبد الإله بنكيران ويجعلها أمام امتحان صعب قد يمس برصيدها الشعبي على مسافة أشهر من الاستحقاقات الانتخابية القادمة في صيف 2015. الأكيد أن موجة الاحتجاجات الاجتماعية، التي تصاعدت وتيرتها منذ تولي حكومة الإسلاميين مقاليد تدبير الشأن العام، لن تعرف تراجعا في سياق العودة القوية للاحتكام إلى قوة الشارع، وتعاظم المطالب الاجتماعية، وارتفاع مؤشرات العيش وضغط المركزيات النقابية، بيد أن التحدي الأكبر الذي يواجه بنكيران هو قدرته على الاشتغال بمهارة الإطفائي على الحرائق التي تشتعل في الشارع المغربي بين الفينة والأخرى، والاقتداء بالوزير الأول الأسبق إدريس جطو الذي نعتت فترته بالفترة الذهبية للسلم الاجتماعي. لقد بات واضحا من خلال عودة الاحتجاجات التي تستهدف هذه المرة غلاء فواتير الماء والكهرباء التي ارتفعت بشكل ملحوظ، بسبب المخطط الحكومي لإنقاذ المكتب الوطني للماء والكهرباء، والتصعيد النقابي الذي سيتوج بالإضراب الوطني العام ل 29 أكتوبر الجاري، أن السلم الاجتماعي المؤقت، الذي ربحته الحكومة الحالية خلال السنوات الثلاث الماضية، بات مهددا. فحكومة الإسلاميين تجد نفسها اليوم في وضع حرج أمام الأزمة التي تعانيها عدد من القطاعات، والخلل الذي تعرفه التوازنات الاقتصادية للبلاد، مقابل الضغط المتزايد على القدرة الشرائية للمواطنين، وارتفاع درجة الاحتقان في الشارع وانحباس الأفق أمام الحوار الاجتماعي مع ممثلي الشغيلة. فهل نحن أمام مرحلة نهاية السلم الاجتماعي المؤقت، ودفع الحكومة من حيث لا تدري بالعودة إلى الشارع قصد التظاهر والاحتجاج؟ لئن كان من الواضح أن للحوار الاجتماعي تكلفة مالية وأخرى اجتماعية، تجعل حكومة بنكيران، في ما تبقى من عمرها، في مواجهة تحدي الاستجابة لمطالب المركزيات النقابية، وخاصة تلك المتضمنة في اتفاق 26 أبريل، وعدم المغامرة بسلم اجتماعي هي في مسيس الحاجة إليه، فإن تحديا ثانيا لا يقل جسامة يلوح من أعماق الهامش المقصي في ظل صعوبات وظرفية اقتصادية صعبة، هو تحدي الاحتجاجات الشعبية ضد السياسات الاقتصادية والاجتماعية المنتهجة من طرف الحكومة. لقد لعبت النقابات المغربية، لسنوات عدة، دورا رياديا في قيادة الاحتجاجات الشعبية، كما كان الأمر في 20 يونيو1981 حين دعت الكونفدرالية الديمقراطية للشغل إلى إضراب عام احتجاجا على الزيادة في أسعار المواد الأساسية. غير أن هذا الوضع بدأ بالتغير في سنة 2006، حينما بدأ فاعل جديد يتمثل في تنسيقيات مناهضة الغلاء وتدهور الخدمات العمومية، في سحب البساط من تحت أقدامها. فمنذ سنة 2006 اعتبرت التنسيقيات أهم محرك للاحتجاجات، حيث عرفت أغلب المدن تكوين هذه الإطارات المؤطرة للمواطنين للتعبير عن سخطهم على السياسات الاقتصادية المنتهجة من طرف الحكومة، وبعضها قاد احتجاجات قوية، كما كان الأمر في بوعرفة وطاطا وبيوكرى وآسفي، دفاعا عن القدرة الشرائية لغالبية المواطنين، والمطالبة بتحسين جودتها أو الإلحاح على توفيرها. وإن كانت تجربة التنسيقيات التي تمكنت من التعبئة والتأطير وحشد الجماهير للاحتجاج، قد أفل نجمها مع حراك «الربيع العربي» أو على الأقل توارت إلى الوراء لأسباب عدة منها، ما هو ذاتي ومنها ما هو موضوعي، فإن السؤال الذي يطرح نفسه اليوم هو: هل تبعث موجة الاحتجاجات ضد غلاء فواتير الماء والكهرباء التنسيقيات من جديد؟ فواتير الكهرباء تهدد باستنساخ انتفاضة المدن الصغيرة غليان بالشارع واحتجاجات عفوية بعد اختفاء تنسيقيات مناهضة الغلاء مصطفى الحجري خياران أحلاهما مر، هي المعادلة التي ساقتها الحكومة من أجل تبرير رفع أسعار الكهرباء لإنقاذ المكتب الوطني المهدد بكساح مالي، لكن هذا التبرير الذي بقي لشهور مجرد خطاب سياسي لاستمالة الرأي العام، تحول الآن إلى زيادة مؤلمة دفعت مئات المواطنين إلى الخروج في مسيرات احتجاجية عفوية بالمدن الصغيرة بعد أن صعقتهم الفواتير. تماما كما حدث سنة 2006 بعد أن كانت أسعار الماء والكهرباء الشرارة الأولى التي أعلنت عن ميلاد تنسيقيات مناهضة الغلاء بمدينة واد زم، فإن نفس الفواتير عادت لتجعل الشارع يغلي، ويعلن عن محاولة لإعادة إحياء هذه التنسيقيات التي قادت في وقت سابق احتجاجات قوية بعدد من المدن المغربية، وهي احتجاجات واجهتها السلطة بعنف وشراسة، قبل أن تخبو جذوة التنسيقيات وتغرق سفينتها، بعد أن انتقلت إليها عدوى التطاحنات السياسية ومزقت شراعها ليتم تقاسمه بين عدد من المكونات. الآن «زرواطة» الداخلية عادت لتشهر في وجه المواطنين بعد ما شهدته مدينة الرشيدية قبل يومين في محاولة لإخراس صوت المحتجين، وهو ما يعني أن الحكومة ورغم التعهدات التي قطعتها على نفسها بمعالجة جميع الشكايات ستجد نفسها في موقف حرج للغاية، وذلك بفرضها للزيادة أولا، ثم الصمت ثانيا عن قمع الاحتجاجات من طرف وزارة الداخلية التي تبقى بعض قراراتها منفلتة من زمام رئاسة الحكومة، وهو وضع ستكون كلفته السياسية والانتخابية باهظة، وسيصب المزيد من الزيت على وضع اجتماعي محتقن. غليان الشارع بعدد من المدن المغربية ليس له لحد الآن أي جهة تؤطره، وأصبح يكبر يوما بعد يوم مثل كرة ثلج تهدد بإعادة سيناريو الانتفاضة التي شهدتها عدد من المدن مثل صفرو وسيدي افني وتازة وغيرها، في ظل الفراغ الذي تركته تنسيقيات مناهضة الغلاء، التي اختفت بطريقة تستوجب توقفا لمحاولة فهم ما جرى. فقبل ثماني سنوات من الآن توزعت خارطة الاحتجاجات في مدن صغيرة ونائية، في مدينة واد زم أخرجت فواتير الماء والكهرباء الغضب من الصدور، لتلحق مدينة طاطا بالركب، بعد فرض تعريفة مرتفعة بالمستشفيات العمومية، ليحين الدور بعدها على مدينة ابن سليمان لتتأسس تنسيقيات محلية، قبل أن يتم الإعلان عن ميلاد تنسيقية مناهضة الغلاء وهي التنسيقية التي قال محمد غفري منسقها الوطني السابق، إنها جاءت لمناهضة الغلاء بوسائل سلمية في الشارع، وأيضا بوسائل أخرى مثل الندوات، للتنديد بالسياسات المؤدية إلى غلاء المعيشة. محمد غفري قال إن التنسيقيات كانت تناضل من أجل حقوق اقتصادية واجتماعية وكانت تعيش على إيقاع مد وجزر في تماه مع الواقع السياسي بجموده وحركيته، ووصلت ذروتها سنة 2008، قبل أن تعصف بها التطاحنات السياسية، فعند محاولة وضع دعامات وأساس قوي لهذه التنسيقيات الفتية انهار السقف وتفرقت السبل بمكوناتها. عن هذه المرحلة يقول محمد غفري إن سنة 2009 كانت موعدا لانعقاد اللقاء الوطني لتنسيقيات الغلاء، وهو اللقاء الذي عرف تفجرا للخلاف نتيجة عدم التفاهم الذي ظهر بشكل واضح، بالنظر لطبيعة التنسيقيات التي لم تكن تنظيمات قائمة الذات، بل عبارة عن تجمع لعدد من الهيئات المحلية، كما أن التنسيق عوض أن يبقى أفقيا تم البحث عن تنسيق عمودي، وكان كل مكون يبحث عن مكان وحصة أكبر في الجهاز الوطني. غفري قال إن التجاذب والتباين لم يكن مع التنظيمات السياسية والحقوقية ممثلة في تجمع اليسار والكونفدرالية الديمقراطية للشغل، والجمعية المغربية لحقوق الإنسان، لكن الطلاق وقع مع مكون البرنامج المرحلي، الذي عجز عن إحداث توافق بين مجموعات الدارالبيضاء ومراكش وفاس، وبالتي صعب عليه التوافق مع الآخرين، ورغم إحداث المجلس الوطني والإبقاء على حصته فإنه رفض المشاركة لينتهي المطاف إلى إحداث لجنتين وطنيتين. هذه الخلافات التي ظلت عادة لصيقة بكل الهيئات كانت وراء أفول نجم التنسيقيات التي ظلت في حال موت سريري، قبل أن تتم محاولة إنعاشها مع ظهور حركة 20 فبراير، لكن المحاولة فشلت رغم أن محمد غفري يرى أن التنسيقيات كانت زخما مساندا للحركة التي نادت بحقوق سياسية تختزل في عمقها الحقوق الاقتصادية والاجتماعية التي نادت بها التنسيقيات. غفري اعتبر أن الحديث حاليا عن إنشاء تنسيقيات جديدة أصبح أمرا متجاوزا، وقال ب«منطق التدرج فإنه لا مجال للعودة للوراء لأن المشكل هو مشكل سياسي، بحكم أن السياسات العمومية هي من تؤدي لغلاء المعيشة، ويمكن للأحزاب والنقابات المناضلة أن تلعب هذا الدور عوض التنسيقيات». وحذر غفري من أن الاحتقان الاجتماعي الحالي وتزايد الاحتجاجات ضد الغلاء و«الحكرة» بشكل عام في ظل فراغ تأطيري، يمكن أن يقود لاحتجاجات ستخلق عفويتها صعوبة كبيرة في التعامل معها عكس ما يكون عليه الحال في حال تأطيرها من قبل النقابات والتنسيقيات، حيث يتم التحكم بها في الزمان والمكان والمسافة، وأضاف: «وراد جدا أن تشهد عدد مناطق المغرب رجة ستنتقل عدواها لجهات أخرى لأن الأمر لا يقتصر على منطقة محددة»، كما رجح غفري أن تقود المناطق النائية والمدن الصغيرة الاحتجاجات بالنظر للهشاشة الكبيرة التي تعاني منها.