ومضات مشرقة عن عظمة الإسلام وسماحته التي تمثل واقعاً ينبض بالحياة لا يسع المتزمتين من الشرق والغرب إنكاره ، تلك السماحة التي اشتملت جميع مناحي الحياة والتصور في مجال الاعتقاد والأخلاق والتعايش السلمي الذي طبقه المسلمون انطلاقا من مبادئ دينهم ؛ لكن العجيب والغريب في الأفهام والأقوال هذه الأعوام ، أن يوصم دين التسامح واليسرواللين بالإرهاب والتعصب والتنطع وعدم احتواء الآخر والتعايش معه بسلام.. وهذا كله بسبب شرذمة من “الدراويش” المغرر بهم من طرف بعض شيوخ الفتنة والكراهية في أوطاننا الإسلامية والعربية ، الذين يخربون الأوطان والإنسان تحت يافطة الدفاع عن حمى الإسلام وبيضته ، وهم في حقيقة ألأمر يطاردون خيط دخان ..! يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا فوجد النار والأشلاء والقتلى والدماروالخراب.. ؛ علما بأن بضاعة هؤلاء مزجاة في العلوم الشرعية، فتارهم لا يفرقون بين الناسخ والمنسوخ، والراجح والمرجوع والعام والخاص ،والمطلق والمقيد..يكفرون بفقه الموازنات والأولويات والمصالح المرسلة والعرف والاستحسان وشرع من قبلنا ومقاصد الشريعة الإسلامية الغراء.. جلبوا للأمة الويل والدمار والشتات , بشطحاتهم الغريبة وفهمهم المعوج لنصوص القرآن والسنة وأقوال سلف الأمة ..فدين الإسلام لاكما يفهمه هؤلاء ؛ بل هوأطهرمن الطهارة، وأبيض من البياض، يغسل بقيمه العظيمة جذورالتباغض والشحناء بماء الحب والتساح والتعايش والود والرحمة ، بغية الوصول بالإنسانية إلى عالم يذخر بالأمان على الأوطان والشجروالحجر والحيوان والإنسان..أما حرية التفكيروالرأي والاعتقاد فهي مختصة وموكولة لكل فرد في أن يعتنق ما يشاء، ويؤمن بما يريد ،وحساب الخلائق على رب العباد .. وتلك سمة كبرى من سمات هذا الدين في أنه يقيم جسور التواصل بطريقةٍ متفردة ليحقق أسمى معاني التسامح الديني ، لذا يرسي الإسلام ويزرع في عقول أتباعه ركيزة هامة من ركائز الفهم لهذا الدين وهي أن الأديان السماوية كلها تستقي من معينٍ واحد يقول سبحانه: ( شرع لكم من الدين ما وصىّ به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه ..) وقوله تعالى:( إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوحٍ والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داوود زبوراً) فمصدر الوحي إذن واحد ، ولهذا وجب الإيمان بجميع الأنبياء والمرسلين الذين أنعم الله عليهم بالنبوة والرسالة وهذا ما قرره الإسلام بقوله: ( آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتب ورسله لا نفرق بين أحد من رسله) وأمر الله تعالى به عموم المؤمنين: ( قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون) وعلى هذا فمن أنكر نبوة نبيّ من أنبياء الله فهو في عداد الخارجين عن الإسلام قال الله تعالى: ( إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلاً أولئك هم الكافرون حقّاً وأعتدنا للكافرين عذاباً مهينا والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم أولئك سوف يؤتيهم أجورهم وكان الله غفوراً رحيما)ً فالمسلم الحقيقي لا المزيف يحمل بين جوانحه التقدير والإحترام والحب الذي ليس له حدود لجميع أنبياء الله ورسله ...ذلك الإحساس الرائع الذي لم تشاركنا فيه ملة أخرى .. وذلك بوحي من مبادئ الإسلام ونبي الإسلام القائل (أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الدنيا والآخرة ) قالوا : كيف يا رسول الله قال ( الأنبياء إخوة من علات وأمهاتم شتى ، ودينهم واحد فليس بيننا نبي) كما يمنع الإسلام أتباعه من إكراه أحد على عقيدة معينة ويمنح كل إنسان مطلق الحرية في إعتناق ما يشاء بعد أن يمتلئ قلبه بالرضى والقبول لهذه العقيدة قال الله تعالى (لا إكراه في الدين) .. وقال تعالى ( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) ولا شكّ أنّ الله تعالى قد أمدّ الإنسان بآلات الإدراك والفهم والتخير كما قال عز وجل ( ألم نجعل له عينين ولساناً وشفتين وهديناه النجدين ) فللإنسان أن يفكر وأن يستقصي ثمّ يتخير طريقه بعد هذا ، وما على أتباع الإسلام ودعاته إلا البلاغ والإعلام فقط ثمّ إن شاء الله الهداية لعبد من عباده وفقه إليها وأذن له فيها ( ولو شاء ربك لآمن من في الأرض جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله) وفي آداب الحوار مع المخالفين من أهل الكتاب أوغيرهم فرض الإسلام على أتباعه عدم الإصطدام معهم ، وأن يكون الحوار إيجابياً على سبيل التعاون المحمود على الخير بالإقناع غير المغرض بلا تدافع ولا تضاد .. هكذا أمرنا الله تعالى حين يقول: ( ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون) وقد جلس النبي الكريم سيدنا محمد (ص) في محاورات تدور بين الطول والقصر مع أخلاط المخالفين للإسلام .. وكانت مجادلته لهم تفيض بالسماحة والتوادد كما علمه الله عزوجل ( قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً ارباباً من دون الله) ومن تأمل توجيهات القرآن الكريم في شأن التجادل في المسائل الإعتقادية مع غير المسلمين لوجد أنها ترسخ في نفس المسلم أعمق معاني التسامح الديني عامة .. وذلك كما ورد في سورة ( الكافرون ) إذ الحوار فيها يبدأ بمحاولة الإقناع العقلي وبيان وجهة النظر التي لا تتغير فإذا انتهى الحوار دون قبول من الآخر فلترفع جلسة النقاش على ودّ وسلام وبيان مطلق الحرية في استبقاء كل فريق على اعتقاده ( لكم دينكم ولي دين) وحرصاً على إدامة جوّ التآلف والإحترام المتبادل مع كافة الأطراف المخالفة فقد أمر الإسلام أتباعه باجتناب السبّ والمهاترة والتجريح في مجادلاتهم مع غيرهم قال الله تعالى: ( ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم )وذلك سدّا لأي منفذ يفتح أبواب الشقاق والصراع وحرصا على دوام العلاقات المتوازنة مع الآخرين. بل ويعلمنا الإسلام غض الطرف عن ما يبدو من المخالفين لنا في الإعتقاد حتى وإن أبدوا الإساءة لنا قال الله تعالى ( قل للذين آمنوا أن يغفروا للذين لا يرجون أيام الله) ولعل الصورة قد بدت عن قرب ووضوح بأن التسامح الإسلامي في مجال الاعتقاد أمر غير مسبوق في دين ولا ملة أخرى أو نظام وضعيّ باجتهاد بشري .. وذلك أمر عرفته أمة الإسلام ومارسته على أرض الواقع على مرّ العصور والسنين ، وما نشاهده اليوم من تنطع وتزمت من أبناء جلدتنا تجاه الآخر ، وحتى تجاه بعضهم البعض ؛ بحيث كل فرقة وكل طائفة تمنح لنفسها العصمة والطهارة والنقاء وتعتبرنفسها الفرقة الناجية ، وما سواها من الفرق الإسلامية الأخرى هوالضلال المبين والشيطان الرجيم ؛ وعليه يجب تفجيروقتل الجميع ..!! . فأهداف الإسلام ومقاصده وقيمه تحرص على أن يعيش أتباعه في جوّ من التفاهم والمسالمة فيما بينهم وبين مخالفيهم ، هذا ولم تحفل أيّ شريعةٍ أخرى ببيان دقائق الأحكام والوصايا في النظم الإجتماعيةّ كما اهتمت شريعة الإسلام ، وأرست في أفهام المسلمين قواعد الحقّ والواجب سواءً أكان المسلم في مجتمعِ إسلامي أوغيرإسلامي؛لأن اختلاف العقيدة لا يحول دون الضيافة والتعارف والصلة، فقد أحل الله لنا أن نأكل من طعام أهل الكتاب وأحل لنا ذبائحهم التي يذكونها على اعتبار أنهم أصحاب كتاب قال تعالى: ( اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حلّ لكم وطعامكم حلّ لهم ) وقد كان النبي(ص) يقبل الدعوة إلى موائد أهل الكتاب والمشركين حتى استطالت عليه امرأة من اليهود تسمى زينب بنت الحارث زوجة سلام بن مشكم فاستغلت مسالمته وسماحته ودست له السمّ في ذراع الشاة وهذا أمر مشهور. وتوثيقاً للروابط وإحياءً لمعاني الود والمسالمة والتسامح أباح الإسلام لأتباعه الزواج من النساء الكتابيات ، قال الله تعالى: (والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين) ومن المعلوم عندنا في الإسلام قدسية رابطة الزواج لدرجة أن القرآن وصف عقد الزواج بالميثاق الغليظ ، حين قال ( وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً) وقد طبق النبي (ص ) ذلك الأمر فتزوج من اليهود صفية بنت حيي بن أخطب زعيم بني النضير وصارت أمّا للمؤمنين، وأنجب (ص) ابنه إبراهيم من مارية القبطية التي زوجها له المقوقس عظيم القبط في مصر . وفي مجال التهادي بين المسلمين وغيرهم نظرا لما في التهادي من معاني البرّ والإقساط لم يمنع الإسلام هذه المعاملة ، عملا بقول الله عزّ وجل ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم والله يحب المقسطين ) ومن الإقساط والبر الإهداء إليهم وقبول الهدية منهم ، فقد روى البخاري وغيره أن النبي(ص)كان يقبل الهدية ويثيب عليها . وقد قبل هدية ملك إيلة وهي بغلة بيضاء فكساه رسول الله (ص) بردة جميلة ، وأن “أكيد رومة ” أهدى إلى النبي (ص) جبة سندس.. نخرج من هذا إلى القول بجواز هدية المشركين والملحدين والإثابة عليها كما كان النبي (ص) يفعل وأنه لا مانع من قبول هداياهم، وقد ورد أن الصحابي الجليل عبد الله بن عمر (رض) ذبحت له شاة في أهله فلما جاء قال : أهديتم لجارنا اليهودي ؟ أهديتم لجارنا اليهودي ؟ فقيل له : كم تذكر اليهودي أصلحك الله ؟ قال : سمعت رسول الله (ص) يقول ( ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه) ومن أعظم سمات دين الإسلام أنه دين السلام ولهذا فإن أتباعه يدركون قيمة الود والوئام الإجتماعي ويسلكون في سبيل ذلك دروب السماحة بإفشاء السلام مع كل الناس حتى مع غير المسلمين .. فقد كان ابن مسعود (رض) يلقي السلام على غير المسلمين ويقول : إنه حق الصحبة ، وكان أبو أمامة (رض) لا يمر على مسلم ولا كافر إلا سلّم عليه ، فقيل له في ذلك فقال : أمرنا أن نفشي السلام وبمثل ذلك كان يفعل أبو الدرداء (رض) وكتب ابن عباس (رض) لرجل من أهل الكتاب .. السلام عليك . وكان عمر ابن عبد العزيز (رض) يقول : لا بأس أن نبدأهم بالسلام. وتنقل كتب السيرة موقفاً مناسباً يفيض بالسماحة النادرة فعن جابر بن عبد الله قال : مرت بنا جنازة فقام النبي (ص) وقمنا فقلنا:يا رسول الله : إنها جنازة يهودي فقال أو ليست نفساً ؟ إذا رأيتم الجنازة فقوموا) وهذا دليل على مقدار ما يراه نبي الإسلام من المساواة بين الناس جميعاً بلا فرق بين عقائدهم وأجناسهم وهي سماحة لا نجدها إلا في الإسلام إذا فهمناه على وجهه الصحيح،هذا مما دفع ” السير توماس أرنولد” وهومن علماء الغرب الذين أفنوا أعمارهم في دراسةِ الإسلام وتاريخه يشهد ويقرويعترف في كتابه (الدعوة إلى الإسلام) بسماحة الدين الإسلامي وعدله ورحمته تجهاة الآخرين بإعطائهم الحرية الكاملة في ممارسة عقائدهم فيقول:( ..ويمكننا أن نحكم من الصلات الودية التي قامت بين المسيحيين والمسلمين من العرب بأن القوة لم تكن عاملاً حاسماً في تحويل الناس إلى الإسلام ، فمحمدٌ نفسه قد عقد حلفاً مع بعض القبائل المسيحية ، وأخذ على عاتقه حمايتهم ومنحهم الحرية في إقامة شعائرهم الدينية كما أتاح لرجال الكنيسة أن ينعموا بحقوقهم ونفوذهم القديم في أمنٍ وطمأنينة .... ويقول أيضاً : ومن الأمثلة التي قدمناها آنفاً عن ذلك التسامح الذي بسطه المسلمون الظافرون على العرب المسيحيين في القرون الأولى من الهجرة واستمر في الأجيال المتعاقبة ، نستطيع أن نستخلص بحق أن هذه القبائل المسيحية التي اعتنقت الإسلام إنما فعلت ذلك عن اختيار وإرادة حُرة ، وإن العرب المسيحيين الذين يعيشون في وقتنا هذا بين جماعات مسلمة لشاهدٌ على هذا التسامح.. ) وثمّة شهادةٌ أخرى لعالم أمريكي مشهور وهو ( المستر داربر ) الذي يقول إن المسلمين الأولين في زمن الخلفاء لم يقتصروا في معاملة أهل العلم من النصارى النسطوريين ومن اليهود على مجرد الإحترام بل فوضوا لهم كثيرا من الأعمال الجسام ، ورقوهم في مناصب الدولة ، حتى إن هارون الرشيد وضع جميع المدارس تحت رقابة ( حنا بن ماسويه ) ، ولم يكن ينظر إلى البلد الذي عاش فيه العالم ولا الدين الذي ولد فيه بل لم يكن ينظر إلا إلى مكانته من العلم والمعرفة والكفاءة . هكذا عاش غير المسلمين في أحضان دولة الإسلام ناعمين بالأمن بل بالتميز والرقيّ .هذا وقد ألهم أهل الإسلام غيرهم من الأمم فيضاً من روح التسامح ونتعرف على ذلك مما يذكره الفرنسي ( رينو) في تاريخ غزوات العرب في فرنسا وسويسرا وإيطاليا وجزائر البحر المتوسط ( إن المسلمين في مدن الأندلس كانوا يعاملون النصارى بالحسنى كما أن النصارى كانوا يراعون شعور المسلمين فيختنون أولادهم ولا يأكلون الخنزير) سبحان الله .. لقد تأثر الأجانب بروح التسامح وردوا الخير إلى أهله من أثر الاحتكاك المباشر مع المسلمين ، ولا يزال التسامح الإسلامي قيمة جاذبةً للأفراد والجماعات في الشرق والغرب ؛ حيث يجدوا فيه الأمل المنشود لسلام هذا العالم المثخن بالجراحات والاضطرابات . ولو استنبأنا التاريخ الناطق بالبراهين لأنبأنا غير متجانفٍ لإثم بأن التسامح آتى أكلهُ على مرّ الزمن منذ أيام النبي الكريم (ص) وحتى يومنا هذا؛ حيث كان الناس يقبلون على الإسلام بعد أن يتعرفوا على فيض سماحته ، ومنهم ( ثمامة بن آثال ) الحنفي الذي وقع في أسر المسلمين وأمر النبي (ص) بالإحسان إليه وحسن معاملته وكان النبي (ص) يأتيه فيقول : أسلمْ يا ثمامة فيقول : إيهاً يا محمد ..إن تقتل تقتل ذا دم ، وإن ترد الفداء فسل ما شئت . فمكث ما شاء الله أن يمكث ثم قال النبي (ص) أطلقوا ثمامة فلما أطلقوه ، خرج حتى أتى البقيع فتطهر فأحسن طهوره ثمّ أقبل فبايعَ النبيّ (ص) ” فأسلم ” وقال : يا محمد لقد كان وجهك أبغض الوجوه إليّ ، ولقد أصبحَ وهو أحب الوجوه إليّ . لقد أثمرت السماحَةُ الفياضَة من رسول الله (ص) تجاه هذا الأسير بعد إطلاق سراحه بلا مقابل في أن يسلمَ وَجْهَهُ للهِ طواعيةً عن طيب نفْس لأنه وجد في الإسلام ما لم يجده في غيره .وكذلك مواقف إسلامِ عديّ بن حاتم وصفوان بن أمية وريحانة بنت عمرو بن خناقة إحدى نساءِ بني عمرو من يهود بني قريظة .. كل هؤلاء وأمثالهم لم يتسرب الإقتناع التام بالإسلام وقيمه الساميه إلا بعد أن شاهدوا أمارات التسامح الإسلامي الذي كان يمثل فراغاً في نفوسهم . وكم كنا نتمى أن تسود روح المحبة والود والتسامح بين المسلمين والمسيحيين واليهود أرجاء المعمورة في كل العصور؛ لأن ذلك من مطالب الإسلام العظمى وقيمه الخالدة، وقد طبق المسلمون ذلك كما سبق على مرّ التاريخ إلا أن الأمم المغايرة لأمة الإسلام قد اشتط بها التعصب الديني والمذهبي وأفرز الواقع نكبات ومآسٍ ضدَ المسلمين وغيرهم ؛ بل اضطهد بعضهم البعض بصورة وحشية تدعو إلى العجب في شكل مذابح وحروب ومحاكم تفتيش مما يؤكد أن هؤلاء لم يتعرفوا على التسامح الديني ولم يمارسوه ، فهذه هند بنت عتبة قبل إسلامها تمثل بجدّ سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب (رض) وتبقر بطنه ، وتلوك كبده في صورة فجّة تبرز التعصب والكيد والإنتقام ، وقد سيطرت فكرة سطوة المنتصر على المهزوم فكان الويل للمغلوبين المقهورين بشتّى صور الإذلال مع التخير والانتقاء لأكثر المناظر إثارةً عند تنفيذ أحكام الإعدام وعندئذ كان الجلد يسلخ والضحية على قيد الحياة ثمّ يحشى هذا الجلد بالتبن ويعلق الجسم الميت على مكان بارز، إضافة إلى أن قوماً آخرين يستحلون دماء غيرهم من المخالفين لهم في الاعتقاد إما بالقتل أو الذبح أو الاستنزاف مع خلط هذا الدمّ بطقوسهم الدينية . وقد شهد التاريخ أيضا بوقوع أبشع أنواع القتل والتنكيل في العصور الوسطى ، فقد أحرق ( برونو ) لمجرد أنه تابعٌ ( جاليليو ) في القول بدوران الأرض حول الشمس ، وهذا ما حدا برجال الثورة الفرنسية أن يقولوا في واحد من شعاراتهم الثورية منذ أكثر من مائتي عام ” أشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس ” رامزين بهذا الشعار إلى القضاء على رجال الكنيسة الذين سيطروا على ضمائر الشعوب ،إضافةً إلى ما كانت تقوم به الكنيسة –مع الأسف- في عصور ظلامها من تعذيب مؤلم لمن تحوم حوله الظنون والشبهات؛ حيث كانت تحفر حفرة عميقة وتغرس فيها من يخالف تعاليمها حتي يموتون جوعا وعطشا..!! هذه ألوان الصورة الطبيعية عن قرب تظهر التفوق الحضاري الإسلامي على مرّ القرون وتبين أن القسوة والتعصب والتنكيل ليست من صفاتنا ، أما ما يقوم به بعض المتنطعين من أبناء جلدتنا من تفجيرات في الأسواق والمقاهي والمدن والحافلات والطائرات المدنية وذبح بعض الأسرى والنساء والأطفال ..!! إنما هوانحراف عن نهج الإسلام ومقاصده الإنسانية الخالدة ؛فهذه حضارة الإسلام شاهدة من خير القرون على أن الجوّ العام في صدر الإسلام كان يذخر بآيات السماحة والودّ بين الأخلاط المتباينة من المسلمين وغيرهم .. ولا زالت هذه السماحة سارية بإذن الله رب العالمين إلى يومنا هذا ، مهما تعالت أصوات دعاة الكراهية والتنطع والتشدد وأصحاب العقول المفخخة في الشرق والغرب والعرب والعجم فالإسلام مبادئ وقيم لاتتغير بتغير الزمان والمكان ، اللهم إني قد بلغت ، اللهم فاشهد . الشيخ الصادق العثماني رئيس مؤسسة الإمام مالك للشؤون الإسلامية بالبرازيل [email protected] www.islmbr.com.br tel/005511-41222400